إشكالية حقوق المرأة في ظل النظام الإسلامي قد لا يكون منها المقصود الحفاظ على حقوق المرأة بقدر ما يكون الهدف منه هو الهجوم على الإسلام وتشويه صورته ووصمه بأوصاف بعيدة عن التحضر والتمدن، وان الإسلام هو دين (رجعي) ومقيد للحريات ومنها حرية المرأة.
تلك المزاعم لا يمكن أن تجد لها طريق مع وجود النموذج الحقيقي للمرأة المسلمة المتمثلة في شخصية فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وما أدته تلك المرأة العظيمة على قصر عمرها الشريف من أدوار في مختلف جوانب الحياة، وبخاصة وقوفها بوجه الطغاة ممن لمن يرعوا حرمة للإسلام والمسلمين.
فلو اجتهدنا في التمعن بشخصية الزهراء(سلام الله عليها)، لا نستطيع أن نقول أكثر مما تدركه عقولنا، فماذا نستطيع أن نفهم من شخصية جمعت بين الرسالة والولاية والعصمة، وماذا عسى أن نفهم من سيدة جمعت بين عدة أدوار ناجحة قلما تستطيع النساء النجاح فيها، فكانت الزوجة الناجحة والأم المضحية والمناضلة الشجاعة والخطيبة البليغة والعالمة المفوهة والمرأة الصابرة والعابدة الزاهدة والمحجبة العفيفة وأم أبيها.
ولو تساءلنا اليوم كيف نستطيع أن نقتدي بالزهراء (عليها السلام)؟
لوجد كل منا فيها ضوء نهتدي به وبالخصوص النساء، لأنها تمثل قدوة حسنة ومثلاً أعلى ونموذج يحفزنا على التقدم والعطاء والتميز حسب معطيات وظروف عصرنا، وهنا تكمن العظمة في النماذج البشرية التي لا ينتهي الاقتداء بها مع مرور الزمان، فإشعاعاتها تبقى تطل علينا لتؤثر فينا سلوكياً عبر الزمان وهذه مسألة مهمة في تربية الأبناء وحل قضية صراع الأجيال.
وفي هذا السياق يقول الفقيد السعيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدّس سرّه) حول مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها: ان أفضل رمز ونموذج يمكن أن نقدّمه للمرأة في العالم كله، هي السيدة (فاطمة الزهراء) صلوات الله عليها، وسيُقبل العالم على الاقتداء بهذا النموذج إن نحن نجحنا في تعريف العالم بشخصية الزهراء (صلوات الله عليه).
ما أحوجنا اليوم لهذا النموذج الرائع الذي تمثله الزهراء (عليها السلام) للمرأة المسلمة، والذي يمكن أن تقتدي به بناتنا وأزواجنا وأخواتنا وأمهاتنا، اليوم ونحن نعيش في عصر يفتقد للكثير من المفاهيم والقيم الأخلاقية والإنسانية ومختلف تماماً عن العصر الذي عاشت به الزهراء(ع) لابد لنا من استحضار تلك السلوكيات والعمل وفقاً لها كي نكون مجتمعاً فاضلاً ناجحاً يواكب التقدم والتحضر وفي نفس الوقت يحافظ على العفة والشرف.
ففي هذه الأيام يكثر الحديث عن الدور السياسي للمرأة في الوقت الذي يفرغ المجتمع الرجل للدور السياسي ويراكم الأدوار على المرأة دون التنازل عن أحدها، ومن بينها الأمومة التي تكلف الأم الشيء الكثير في الحمل والولادة والرضاع لكن الأبوة لا تكلف الرجل نفس الشيء، وكون الأمومة متجذرة في الأم فلا يمكن أن تترك ولدها، لكن الأب يمكن أن يفعل ذلك، لذا قد تضعف الأمومة حركة المرأة في جوانب الحياة وفي خارج البيت تحديداً بينما لا تضعف الأبوة حركة الرجل في الواقع، إلا أن نموذج الزهراء وابنتها زينب (عليهما السلام) هو الذي يعطي الشرعية لدور المرأة السياسي بالطريقة الإسلامية، لكنه مبدأ يحتاج حسن التشخيص للواقع حسب ظروف العصر، لتقرر المرأة متى تمارس العمل السياسي، وكيف تمارسه من دون أن تقصر بأدوارها الأخرى.
وقفت الزهراء(ع) لتطالب بحقها المغتصب وتزيل ظلمات الدجى بإشراقة نور الحق، وتلفت أنظار المجتمع للأساليب الملتوية التي يستخدمها بعض الحكام لتشويه الحقائق وتعلن أن هذا الحاكم قد اغتصب الحكم من ناحية وخالف كل الشرائع الإسلامية والإنسانية من ناحية أخرى، ففضحته وكشفت الكثير من الحقائق.
وإذا كانت للمرأة العصرية ميزة أو اختصاص يمكن أن يميزها فإن ما صنعته الزهراء (عليها السلام) من أهم مميزات المرأة العصرية، وهو رفض الباطل وكسر طوق الصمت في بيان مظلوميتها ومطالبتها بالحقوق حتى من السلطان الجائر مهما كانت نسبة جوره، وبهذا الجانب انفردت وبذلك أوجدت الفيصل بين الحكومة الجائرة وعدالة الإسلام، حيث لا يخفى على المنصفين إنها أول امرأة في الإسلام وقفت بوجه الظلم والاستبداد وأعلنت استنكارها واستهجانها واحتجاجها على القرار الجائر الذي يصدره الحاكم غير الشرعي.
اليوم يجب أن تعي المرأة المسلمة هذا الدور جيداً فتعلم أبنائها عدم الاستهانة بدفع الظلم عنهم أو الامتناع عن قول الحق، لأن السكوت عن الظالمين والرضى بحكمهم سوف تكون عواقبه أكبر بكثير من النتائج التي تترتب على اتخاذ الموقف الشجاع ورفع صوت الحق، وإن أغلب مشاكلنا اليوم هي نتيجة لمجاملة السراق والمفسدين أو السكوت عنهم خوفاً من بطشهم، غير إن سيرة الزهراء وابنتها زينب (سلام الله عليهما) خطت لنا بأحرف من نور طريق العدل والكرامة، وإن دور المرأة في وقتنا الحالي يمكن أن يفعل الكثير في طريق النهوض والرقي بالمجمع.