_ الشبهة الأولى :
يقولون : إن القرآن الذى تزعمون بأنه وحى من عند الله نجده على خلاف ما يعرفه الناس فى كتبهم ومؤلفاتهم من تقسيمها
إلى أبواب متقاربة المباحث وفصول متجانسة المسائل أما القرآن فمزيج من موضوعات شتى لا رابط بينها ولا تناسق بين مكوناتها.
ونرد على هذه الشبهة فنقول : إن قولهم بأن القرآن جاء على غير ما يعرفه البشر فى كتبهم من تقسيم إلى أبواب وفصول هو نفسه دليل كونه من عند الله
فقد كانت تنزل منه الآية أو بعضها على حسب الأحوال والحوادث وعلى الرغم من ذلك فهو رصين السبك محكم النسج قوى البنيان لا يجد قارؤه خللاً فى أسلوبه
أو ضعفاً فى تراكيبه أو إضطراباً فى عبارته أو وهناً فى كلماته وإنما هو مترابط العبارات متصل الحلقات متناسق الآيات وهذا وجه من وجوه إعجازه ...!!
هذا عن أسلوبه أما عن معانيه فإنه مدد من الإشراقات الروحية متواصلة العطاء جمعت بين الأخلاق والآداب والتشريع والمعاملات والوعد والوعيد والبشارة والنذارة ..
إلى غير ذلك من مقاصده السامية وغاياته العالية
وكل ذلك يأخذ طريقه إلى القلوب فينيرها والأفئدة فيضيؤها وكلما تلى على المؤمنين أفاض عليهم الهدى وزادهم إيماناً : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناًوعلى ربهم يتوكلون ) .
فأين ما يألفه البشر ويستفرغون جهدهم فى تبويبه وتنسيقه ويقضون عمرهم فى ترتيبه وتنميقه أين مؤلفاتهم من هذا الوحى الإلهى الذى أشرق على الكون
فمحى ظلماته و أرشد الحائرين وبصر السالكين : (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً) .
2_ الشبهة الثانية :
يقولون : إن عجز العرب عن الإتيان بالقرآن ليس مرده أنه وحى من عند الله فهو من كلام محمد وقد نسبه إلى الله ليستمد من هذه النسبة قداسة ومهابة
وليس غريباً أن ينفرد إنسان فى وسط من الأوساط بواحدة من الخصائص التى لا يجارى فيها كما هو الشأن فى الأفذاذ والعباقرة من الناس .
ونرد على ذلك فنقول : لو كان الوحى من قول واحد من البشر فلماذا عجز البشر جميعاً عن الإتيان بسورة منه زمن نزوله وبعد زمن نزوله ؟؟؟
ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم شأنه شأن العباقرة الذين يفدون على دنيا الناس بين الحين والآخر فلماذا ضن الزمان عن الإتيان بعبقرى يفوقه أو يساويه
أو يقاربه وعهدنا بالعبقرية أن تنازع فما من عبقرى يوجد إلا وله قرناء ينازعونه ويضعون أنفسهم فى مرتبته أو يتقدمون عليها !!.
ولنضرب مثالاً لما عليه القرآن من بلاغة يتفرد بها على مر الزمان من واقع ما يشهد البلغاء ببلاغته ويقول الفصحاء بفصاحته !!.
فى واحدة من مقامات الحريرى . التى سارت بذكرها الركبان .
يقول فيها يصف بيتاً أدخل فيه فكتب يقول : " فأدخلنى بيتاً أحرج من التابوت , وأوهى من بيت العنكبوت " ففى هذه العبارة يصف الحريرى البيت بالضعف
والتهافت وبالغ فى ذلك حتى ذكر أنه أوهى من بيت العنكبوت فهل تراه أصاب وصفه؟
أجاب عن ذلك بدر الدين الزركشى بقوله : " فأى معنى أبلغ من معنى أكده الله فى ستة أوجه حيث قال : (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)
فأدخل إنّ وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى فى خبر إنّ باللام!
فها أنت ترى ستة أوجه للتأكيد ذكرها القرآن فى بعض آية بل فى أربع كلمات منها !!
فهل إستطاع بليغ بل هل إستطاع بلغاء الخلق جميعاً فى كل الأزمان مجارة بلاغة القرآن أو الإقتراب منها ؟؟
نقول لهؤلاء ما قاله الوحى فى أمثالهم :
( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين *وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)
أسأل الله العظيم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزدنا علماً ننتفع به وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل