جنرال عراقي سابق: العراق منطقة صراع اقليمي، وكل الدول لها اجندة فيه

اجرى برنامج "حديث اليوم" لقاء مع القائمقام السابق لقضاء تلعفر العراقي اللواء نجم الجبوري الذي يعمل حاليا في مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني الامريكية ، تطرق فيه الى عدة مواضيع بشأن مكافحة الارهاب والقاعدة في العراق ودور الامريكيين في ذلك، واليكم نص اللقاء:

س: انت معروف بأنك كنت من أنشط من حارب تنظيم القاعدة في مدينة تلعفر،هل دفعت ثمناً لهذه المشاركة في تصفية "القاعدة"؟

ج: بالتأكيد، ان من يخوض في هذا المضمار لا بد وان يدفع ثمناً ،لكنني سعيد بأنني حققت نتائج لأبناء وطني العراقيين في تلعفر وإستطعت ان اكون جزءاً مهماً من منظومة أوقفت قتال طائفي وعبثي أتي على الأخضر واليابس ولم يفرق بين أبناء الطوائف المختلفة، ولا بين صغير وكبير. وأنا اعتز بالنتائج التي حققتها ضمن فريق عمل إستطاع ان يوقف فتنة كبيرة، وإستثمرت هذه التجربة لتكون أكبر حينما طبقها الجنرال بتراوس في خطة السرج لإيقاف القتال الطائفي في بغداد. انا سعيد جداً بالنتائج ولا تهمني التضحيات التي قدمتها ولا أعول عليها كثيراً.

س: ما طبيعة هذه الخطة التي إستخدمها الأمريكيون؟

ج: مشكلتنا كانت في تلعفر ان تنظيم القاعدة كان مع طائفة، وكانت القوات الأمنية غير محترفة داخل الطائفة الأخرى. وكان الناس من كلا الطائفتين يدفعون ثمن عبثية الطائفة وعبثية الأجهزة الأمنية.فقامت الخطة على أساس ان تكون هناك قوات محايدة تسكن داخل المدينة، وتلعفر هي أول مدينة في العراق سكنها الأمريكيون، وهذا تم بعد إتفاق معهم لأنه لم تكن هناك قدرة لمنع الأقطاب المتصارعة سواءا كانت القاعدة أو الأجهزة الأمنية واللتان كانتا تؤثران بشكل كبير، وتبثان القتل بين الناس. فمتى تواجدت القوات هناك شكلت حاجزاً يمنع....

س:...تقصد القوات الأمريكية؟

ج: القوات الأمريكية طبعاً التي سكنت داخل هذه المناطق بتعزيزات من القوات العراقية، فكانت هي صمام الأمان للناس. وبناءاً على ذلك طرحت خطة "السرج"، وسكنت القوات الأمريكية في بغداد داخل الأحياء المدنية، ومنعت العصابات والميليشيات والقاعدة من ممارسة العبث...

س: هل يمكن القول بأن هذه الخطة شكلت بداية لما أصبح يعرف ب"الصحوات" في العراق؟

ج: الحقيقة هي ان "الصحوات" إستنبطت من تجربة تلعفر. الجنرال ماك ماستر ومن بعده الجنرال ماك فارلين الذي عمل داخل "الصحوات" كان موجوداً في تلعفر ل 6 أشهر قبل أن ينتقل إلى الرمادي، وهناك قام بالإطلاع ميدانياً على كيفية التعامل مع العشائر، وإستثمارها، قبل أن ينتقل إلى الرمادي حيث نشأت "الصحوات".الموضوع بإختصار هو كيف تنشئ خيوطا للتعامل مع الآخرين.

س: ما مدى صحة ما يذاع عن أن الأمريكان كانوا على وشك التعرض لهزيمة مريرة في الفلوجة لولا أن القاعدة بتدخلاتها هي التي أتاحت الفرصة للأمريكان لكي يلتقطوا أنفاسهم؟

ج: القاعدة إرتكبت أخطاء كبيرة وجسيمة داخل العراق. وهذه الأخطاء هي التي دفعت الناس للإنخراط في تشكيلات مختلفة مثل "الصحوة". ولذلك، فعندما قرر الأمريكان إستنساخ تجربة الصحوات في أفغانستان واجهتهم صعوبة....

س: لماذا؟

ج: لأن القاعدة في أفغانستان لم ترتكب الاخطاء التي إرتكبتها في العراق. كما ان القاعدة في أفغانستان لم تكن في واجهة الأحداث هناك إنما حركة طالبان هي التي كانت تشكل الواجهة. أما في العراق فكانت هناك أخطاء كارثية إرتكبت بحق الناس . كانت القاعدة دائما تدفع لكي تكون هناك فتنة طائفية. انت تعلم نسيج العراق... في السابق لم نكن نسمع بسني وشيعي أو بمسيحي ومسلم قبل العام 2003 . لكن القاعدة قامت بالعزف على هذه الوتر بشكل كبير وتشعل الفتنة الطائفية، وأنا هنا لا أستثني ايضاً دور الميليشيات. هذه الأخطاء دفعت الناس إلى التشبث بأي قشة تساعدهم في التخلص من هذه الأخطاء الكارثية.

س: بعد سنوات من تصفية القاعدة في تلعفر ولكن يبدو ان لها نشاطات في مناطق أخرى. ألا تعتقد بأن أخطاء القاعدة ناجمة –حسب ما يشاع- عن إرتباطها بإيران، بمعنى أن إيران كانت معنية بإرتكاب القاعدة لهذه الأخطاء من أجل تشويه صورة المقاومة؟

ج: في الحقيقة حاول الكثير من الباحثين ايجاد نقاط ربط بين إيران وتنظيم القاعدة. لا توجد دلائل قطعية على إرتباطات للقاعدة بإيران. لكن قسما من الباحثين توصل إلى إستنتاج مفاده ان هناك أهدافا مشتركة بين إيران والقاعدة لأنه كما تعرف النهج الفكري للقاعدة يختلف عنه في إيران ، ولكن هناك مصالح مشتركة ومن خلال هذه المصالح كانت هناك بعض الخيوط التي تربط القاعدة بإيران، ومنها تواجد قادة من القاعدة أو عوائلهم في إيران. وعندما تمت دعوة الناس إلى الصحوة كان قسم من المنادين للصحوة يملكون وثائق تدين القاعدة بإرتباطها بإيران. لا توجد في الحقيقة دلائل قاطعة لكنني أعتقد ان هناك مصالح مشتركة تربط إيران بالقاعدة ولربما تكون إيران قد إستغلت قيادات في القاعدة لتنفيذ قسم من المخططات التي تخصها داخل العراق كما هو الحال مع الميليشيات التي ترتبط بها داخل العراق.

س: هل تعتقد إن إستقالة مدير المخابرات العراقية الشهواني ،والذي عينته الولايات المتحدة، كانت بسبب تقرير أثبت فيه صلة مباشرة بين عمليات القاعدة وبين إيران من حيث نوع التسلح وخطوط الإتصال؟

ج: في الحقيقة انا لست مطلعاً بشكل كبير على ملابسات إستقالة السيد الشهواني، لكن ما أعرفه ان الشهواني كان محسوباً على الأمريكان بشكل أو بآخر، لأن الجهاز الامني اسس من قبل الولايات المتحدة. اما طبيعة المعلومات التي قدمها او التي كانت سبب إستقالته فأنا في الحقيقة لا يوجد لدي معلومات حول هذا الموضوع، ربما يعود ذلك غلى قناعات الرجل لكنه من المؤكد انه لم يكن مع الجانب الإيراني.

س: من خلال تجربتك في العمل مع القادة الأمريكيين عسكريين وسياسيين، كيف ينظر الأمريكان إلى وجودهم في العراق، هل هو عابر،مؤقت، طارئ أم انه سيكون موجوداً دائماً؟

ج: من خلال الحديث مع المسؤوليين الأمريكيين عسكريين وسياسين...هناك ضغط شعبي كبير لسحب القوات الأمريكية من العراق. ولذلك حتى أولئك السياسيين أو العسكريين الذين يفكرون في البقاء في العراق بشكل دائم أو شبه دائم يعانون أنفسهم من ضغط داخلي لسحب القوات، وأنت تعلم ان أحد الشعارات التي نادى بها الرئيس الأمريكي في الإنتخابات كانت سحب القوات الأمريكية من العراق وإعتبر ان المعركة في العراق هي ليست المعركة الأصلية ضد الإرهاب أو ضد القاعدة، والدليل على ذلك انهم بدأوا يخففون كثيراً من تواجد قطعاتهم في العراق. لكن هذا لا يعني بالطبع ان العراق لا يشكل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال، فعندما تنظر الولايات المتحدة إلى مصالحها تجد من المفيد ان تكون لديها علاقات قوية مع العراق حتى وإن كانت هذه العلاقات بشكل أو بآخر ذات طابع عسكري أو غيره، وهذا ما يحكم المعادلة.

س: جرى الإعلان عن بدء سحب 10 آلاف عسكري أمريكي من أفغانستان، وهذه خطة ستنتهي بإنسحاب كامل عام 2014 . هل ستكون الخطة الأمريكية للإنسحاب من العراق بنفس الطريقة أم انهم ينتظرون من سيحكم العراق، بمعنى آخر أن يكون القرار عراقياً، بإعتبار ان العراقيين هم من سيقرر بقاء هذه القوات أو خروجها. ويبدو ان هناك توافقا على ذلك رغم ان البعض يخفي هذه الرغبة. هل تعتقدون ان سيناريو الإنسحاب من العراق سيكون مشابه للحالة الأفغانية؟

ج: بالتأكيد فإن القوات المتواجدة الآن في العراق لن تبقى بنفس الحجم. كما ان بقاء القوات الأمريكية في العراق سيقرره العراقيون، ومن المؤكد ان الكل في العراق يرفض بقاء هذه القوات في العراق. ولكن لا بد ان نستشف من اصحاب الإختصاص داخل العراق. فتصريحات رئيس هيئة أركان الجيش العراقي والجو السائد داخل القيادة العسكرية العراقية يظهر ان العراق لا زال بحاجة إلى دعم وإسناد من القوات الأمريكية. القوات العراقية لا تستطيع بمفردها صد أي هجوم خارجي ، كما ان القوات العراقية لا تزال تعاني من نقص في التدريب رغم التطور الذي تمكنت من تحقيقه وهو ما لا يمكن نكرانه، لكن أصحاب الشأن في العراق يشيرون إلى ان القوات العراقية ما زالت بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة في مجالي التدريب والتجهيز.

س: كيف تفسر ان خسائر الامريكان خلال الشهر الحالي كانت كبيرة نسبيا. فحتى ليلة أمس قتل 3 عسكريين أمريكان إضافة إلى موظف متعاقد أمريكي. شهر حزيران كان سيئا بالنسبة للأمريكان. ما هي اسباب ذلك؟

ج: في العراق هناك جهات لا ترغب في وجود القوات الأمريكية، وهذه فترة حاسمة وفي نفس الوقت هي عبارة عن رسالة للأمريكان بأنهم غير مرغوب بهم. انا لا أستطيع أن أحدد بالضبط الجهة التي تقوم بذلك ، لكن من المعروف ان جهات كثيرة في العراق لا ترغب بالوجود الأمريكي.

س: ...الجهات التي لا ترغب في الوجود الأمريكي بالعراق معروفة كالفصائل المسلحة التي تعلن المقاومة منذ البداية وتسمياتها معروفة. ألا تعتقد ان هناك قوى داخل المؤسسة الحاكمة تساهم في هذا الأمر لأهداف إقليمية، فلنقل، ولنكن واضحين، لأهداف إيرانية؟

ج:العراق هو منطقة صراع إقليميي. وكل الدول الإقليمية دون إستثناء وليس فقط إيران لها مصالح وأجندات داخل العراق، والعراقيون هم من يدفع الثمن. نعم ايران لا تعمل في السر، وهي اعلنت صراحة أنها غير راضية عن تواجد القوات الامريكية في العراق واعلنت ذلك أكثر من مرة. انا لا أستطيع ان أجزم أن إيران هي وراء ذلك، وانت قلت بأن هناك قوى كثيرة داخل العراق غير راغبة بالتواجد الأمريكي.

س: هناك أنباء وتقارير تقول بأن الولايات المتحدة تحاول إيجاد جسر وعلاقة مع التيار الصدري في العراق بإعتبار ان هذا التيار يعلن معارضته للتواجد الأمريكي، وفيما لو بقيت القوات الأمريكية في العراق فإنه سيجري التفاهم مع هذا التيار بطريقة ما كما حصل مع القوات الإيطالية في أفغانستان والتي كانت تقوم بدفع فدية مالية لقوات طالبان مقابل عدم التعرض لها. هل تعتقد بإن الشيء نفسه سيحصل في العراق؟

ج: لا اعتقد بذلك ،لكني في المقابل أرى بأن الأمريكان يسعون لتكون لهم روابط مع كل الجهات الفاعلة على الأرض، يسعون للحوار معها وتبادل وجهات النظر. لربما الصورة ستتغير لكني أستبعد ان تجري الأمور وفق الطريقة التي إتبعتها القوات الإيطالية في أفغانستان ولذلك فإن الامريكان ومن خلال ذلك سيسعون إلى تجاوز أخطاء إرتكبوها في الماضي في العراق من خلال هذا النوع من اللقاءات مع هذه القوى.

س: علمنا بأن كثيرا من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية تمكنت من خلق جماعات ضغط داخل المؤسسة الأمريكية. هل هذا صحيح؟

ج: نحن لدينا ثقافة تختلف عن ثقافة الأمريكان. وقد إستنتج العراقيون بإنه للتأثير على المؤسسات داخل الولايات المتحدة يجب ان يكون هناك لوبي، سواءا مع الكونغرس أو الإدراة او مؤسسات المجتمع المدني. تعلموا ذلك من خلال خبرة الجاليات الأخرى التي سبقتهم إلى إنجاز من هذا النوع.

س: لربما ذلك يستدعي تقديم أموال لهذه الجهات لكي تتخذ الموقف المطلوب؟

ج: اعتقد ان امكانيات الجالية العراقية هنا متواضعة، والدعم يقوم على التطوع أو التبرعات, من هنا أعتقد ان خطوات العراقيين في هذا الإتجاه ما زالت متواضعة.

س :برأيك، ما هي الأخطاء التي إرتكبها الأمريكان في العراق منذ العام 2003 وحتى وقتنا الراهن؟

ج: هم إعترفوا بأخطاء كثيرة إرتكبوها كحل الجيش العراقي، وحل مؤسسات الدولة العراقية، إضافة على الطريقة التي تم من خلالها إجتثاث البعث...كل هذا أفقد الدولة مقوماتها فضلاً عن بناء الدولة على أساس طائفي.

س:هناك من يطالب الأمريكان بتعويضات على قتل أبرياء وعوائل بأكملها؟..

ج: لصاحب الحق حقه في المطالبة بذلك، لكن السياسيين يتحملون مسؤولية أساسية في هذا المجال...

س:برأيكم، هل الخسائر التي يعلن عنها الأمريكان هي خسائرهم الحقيقية؟

ج: نعم، من خلال تجربتي انا اعتقد بأنها خسائر حقيقية....على سبيل المثال معارك تلعفر في العام 2005..كثير من المحطات تحدث عن أن الامريكان فقدوا مئات الجنود ، اما في الواقع فإن العدد لم يتجاوز ال 4. وذلك يعود إلى عقيدة الجيش الأمريكي القتالية التي تقوم على عدم دخول المناطق الخطرة إلا تحت غطاء متين من الحماية. أعتقد أن هناك مبالغات فيما يتلق بالعدد الحقيقي للقتلى بين الجنود الأمريكان. جنرال عراقي سابق: العراق منطقة صراع اقليمي، وكل الدول لها اجندة فيه 292157496

جنرال عراقي سابق: العراق منطقة صراع اقليمي، وكل الدول لها اجندة فيه 292157496

» جنرال إيراني يحكم العراق سرا !!!
» الثورة الحسينية واستمرار صراع القيم
» الصينية (العراق)