فك الاشتباك
في العصمة
داود سلمان الشويلي
كثر الحديث والجدال بين الشيعة الامامية الاثني عشرية وباقي المسلمين عن العصمة ، وعصمة الائمة خاصة.
الا ان تعريف الشيعة البدئي لها سيجعل مثل هذا الجدل غير ذي اهمية ، اما ما جاء به البعض من اضافات فهو قول بشر لا يدعمه نص.
فالشيعة يحتجون لعصة الائمة الالهية بأدلة منها:
آية التطهير ، وهي خاصة بثلاثة ائمة فقط ، (علي والحسن والحسين)، اذا اخذنا بالتفسير الشيعي للاية ،فضلا عن انها تتحدث عن نساء النبي، واهل هذا البيت الذي يطالبهن الله بإن يقرن في بيوتهم.
(( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )).[الاحزاب - 33 ]
والخلاف في التفسير واسع ،كبير.
اما آية المباهلة : (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين *فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)). [آل عمران:59 -61 ]
فهي خاصة بواقعة واحدة هي اثبات خلق عيسى كخلق ادم امام مسيحين من نجران.
وحديث المنزلة لا يدل على العصمة ،لان هارون ليس بنبي ، فهو غير معصوم ، وعند الشيعة الانبياء فقط هم المعصومون.
اما حديث الثقلين فمختلف في نصه ، وفي معناه بين الفرق الاسلامية.
وتبقى مسألة الجبر والاختيار ،والثواب والعقاب ، فهي مسائل فلسفية مختلف فيها، على الرغم من ان هذه السطور ترى صحة الرأي الذي يذهب الى الاختيار ، مما يعني عدم العصمة الالهية.
***
تعريف العصمة:
عند الشيعة الامامية الاثني عشرية انها تعني لغويا: المنع.
واصطلاحا هي: قوة تكوينية في العقل والعلم موهبة من الله لمن شاء من عباده - تمنعهم من اقتراف المعاصي مع قدرتهم عليها ، لأنهم ان لم يكونوا قادرين عليها لا فخر ولا فضل لهم في اجتنابها ، لأنهم غير قادرين أصلا على اقترافها. (1)
اذن هي قابلية عقلية ، أي مرجعها العقل البشري. ولما كانت كذلك ، والعقل عند الناس كافة ، فهي قابلية عقلية عند كل البشر.
وبهذا يكون جميع البشر هم معصومون ان ارادوا استخدام هذه القابلية.
أي ان كل انسان (رجلا كان او امرأة) يستطيع ان يمنع نفسه من فعل المعاصي، طالما له عقل شغال .
الا ان الشيعة الامامية الاثني عشرية يزيدون المعنيين اللغوي والاصطلاحي بقولهم : ان الائمة معصومون من الله بحكم اية التطهيرخاصة، وغيرها من الاحاديث النبوية بصورة عامة.
وبهذا تكون العصمة عند الائمة الثلاثة (والسيدة فاطمة الزهراء) هي عصمة الهية حسب احكام اية التطهير.
والسؤال الذي يثار عن هذا القول هو : كيف انسحبت هذه العصمة الى ابناء الامام الحسين ؟ وكذلك ، لماذا ابناء الحسين فقط هم المعصومون من دون ابناء الامام الحسن ؟ فضلا عن : لماذا يخرج بعض ابناء الامام المعصوم منها ، كجعفر ابن الامام علي الهادي على سبيل المثال، وغيره من الابناء ؟
هذه الاسئلة وغيرها اجاب عنها شيوخ المذهب ،ولا نريد ان ندخل في مناقشة تلك الاجابات لان الدراسة هذه غير معنية بذلك؟
والسؤال الذي تطرحه هذه الدراسة هو من ادخل حفدة الامام الحسين من الائمة في العصمة هذه ؟ ومن اخرج ابناء حفدة الامام الحسن منها؟ ومن قام بإخراج البعض من الابناء المعصومين منها؟
الجواب هو : ان الذين نص على البعض وحرم البعض هم عامة البشر ، أي شيوخ ورجال المذهب الاوائل الذي تأسس على ايديهم.
ولما كان هذا العمل من قبل بشر غير معصومين ، فهو عمل يمكن رده .
ان كل اثار الائمة القولية لا تؤكد ذلك ، وخير مصدر لتلك الاثار القولية هو كلام ابو الائمة الامام علي بن ابي طالب واقواله في نهج البلاغة ، اذ لا وجود لقول العصمة له ولابنائه.
وكذلك ، موقف الخليفة الراشد الخامس ، الامام الحسن بن علي ، وتنازله عن الخلافة الى معاوية ، وعدم احتجاجه بالعصمة.
فضلا عن ذلك ، محاججة الامام الحسين في واقعة الطف، وعدم ذكره لعصمته الالهية امام جيش يزيد.
اذا كان الله سبحانه قد سدد الائمة بالعصمة (على اعتبار ان التطهير هو مدخل للعصمة) فلماذا تنازل الامام الحسن عن الخلافة الى ملك ظالم؟ فيما كان والده الامام علي بن ابي طالب لم يتنازل له ولم يهادنه ، بل قاتله ، وقال مقولته الشهيرة (لا أفسد ديني بدنيا غيري) ، فأي الامامين المعصومين هوالصحيح في موقفه؟
وكذلك قبول الامام علي بن موسى الرضا ولاية العهد في ظل خليفة ظالم و دولة ظالمة ، كالدولة العباسية.
***
ان العصمة الالهية اول ما يفترض فيها هو عدم الوقوع تحت تأثير الظروف الخارجية ، وامامنا سيرة الانبياء المعصومين (عند الشيعة كل الانبياء ، قبل وبعد الوحي هم معصومين) .
حاصة ان الشيعة الامامية الاثني عشرية عندما تطرح عليهم مثل تلك الاسئلة، يجيبون بأن الظروف وقتذاك تطلبت ذلك الموقف، كسكوت الامام علي عن حقه بالخلافة ، وتزويج ام كلثوم ابنة الامام علي بن ابي طالب من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (الخليفة الظالم لحق اهل النبوة بالخلافة ، والكاسر لظله السيدة الزهراء) ، وتنازل الامام الحسن عن الخلاقة لمعاوية ، وقبول الامام علي الرضا لولاية العهد لملك عباسي ظالم.
الا اننا نرى ان النبي (ص) لن تؤثر فيه الظروف الخارجية على ان يتراجع عن دعوته ، ولا ان يهادن المشركين ، وقال قولته المشهورة الى عمه ابي طالب : لو وضعوا القمر في يميني والشمس في شمالي على ان اترك هذا الامر لما تركته.
وكذلك موقف الامام علي بن ابي طالب الخليفة الراشد الرابع من معاوية، اذ ان الظروف الخارجية لن تؤثر في موقفه، على الرغم من انه يعرف جيدا نوعية جيشمعاوية ولهذا قال قولته المشهورة في ان يبادل جنده بجند معاوية.
ولو تحدثنا عن سيرة غيرهم من دون الائمة المعصومين ، لهالتنا مواقفهم.
فهذا الخليفة الاول ايو بكر الصديق لم يسكت على من ارتد عن الاسلام وامتنع عن دفع الجزية فقاتلهم ولم يأبه بالظروف الخارجية ، خاصة وان الاسلام وقتذاك كان في اضعف حالاته.
وكذلك موقف الامام احمد بن حنبل في ما سمي بمحنة خلق القرآن، نجده لم يهادن ، وظل متمسكا برأيه (اعتقاده) على الرغم من ظروف الظلم والاستبداد وظروف سجنه الصعبة.
ومن خارج الوسط الاسلامي يمكن ان نذكر الكثير من المواقف التي لم تؤثر فيها الظروف وتغيرها ، ويحضرني منهم ،موقف العالم غاليلو، والقديسة جان دارك .
***
واخيرا نقول : ان العصمة عن الوقوع في المحظور والمحذور (مهما كان نوعهما) هي موهبة الاهية وضعها الله سبحانه في عقول بني الانسان ، فإن ارادوا العمل بها، فلهم خيرها، وان ارادوا تعطيلها ، فعليهم شرها.
وبهذا يتساوى كل بني الانسان ، لهذا يقول سبحانه في كتابه الكريم :
(( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين)). [الجاثية - 19 ]
والمتقون احباب الله وسيدخلهم جنات عدن.
أي ان الظروف الخارجية التي يصنعها الظالمون لم تغن شيئا.
وهي عمل عقلي انساني.
والائمة بهذا الامر هم اجدر الناس به ، فهم معصومون من حيث انهم لا يفعلون المعاصي.
فلماذا هذا الجدل الذي يدور بين الشيعة والسنة حولها؟
لماذا ينكر السنة على الائمة عدم فعلهم المعاصي بإرادتهم، وكل انسان مهما كانت قوميته او ديانته يستطيع منع نفسه من الوقوع في المعاصي بإرادته، طالما ان العصمة كما يعتقد بها الشيعة هي امر عقلي تابع للارادة؟
يقول البغدادي : ((وبالإجمال ان الإمام المعصوم لا يترك واجبا أبدا ولا يفعل محرما مطلقا مع قدرته على الترك والفعل وإلا لا يستحق مدحا ولا ثوابا . والشيعة هي التي تشترط العصمة - بهذا المعنى - في الإمام كما هي شرط في النبوة)). (2)
اذن، فالامام له القدرة على فعل المعاصي ، الا انه لا يفعل ، وكل انسان يمكنه ذلك.
اما القول بغير ذلك لاسباب سياسية وايديولوجية ، فقد قال به الغلاة ، ومنهم ظل اعتقادا راسخا عند ابناء المذهب.
اذن ، آن الاوان لفك الاشتباط بين السنة والشيعة في هذه القضية.
الاربعاء، 29 كانون الأول، 2010
***
الهوامش:
1 –التحقيق في الإمامة و شؤونها - عبد اللطيف البغدادي - ص 60 – 66.
2 – المصدر السابق - ص 60 – 66.