نلتقي في هذا الإطار بنماذج من الشعر الحسيني يتركز فيها الحديث على إعطاء الصورة في الصراع في نطاق الدائرة العائلية، تماما كما لوكانت المسألة مسألة نزاع عائلي بين بني هاشم وبني أمية على الطريقة التي أثارها أبو العلاء المعري في قوله:
عبد شمس قد اضرمت لبني
هاشم حربا يشيب فيها الوليد
فابن حرب للمصطفى، وابن
هند لعلي، وللحسين يزيــــد
هذا نموذج من كثير من نماذج الشعر الحسيني العامي والفصيح والذي لا يزال يتلى في مجالس العزاء مما أدى إلى تكوين ذهنية شعبية تستغرق في مشاعر العصبية للعائلة الهاشمية ضد العائلة الأموية بعيدا عما هي المسألة الإسلامية، حتى أن البعض يتصور الدين في المسألة كخصوصية من خصوصيات العائلة، لا كحالة رسالية تنفتح على الوعي الإسلامي لدى الإنسان المسلم وتلتقي برموز الإسلام وقياداته في ساحاتها، ليكون الإرتباط من خلال الإسلام لا من خلال الخصوصية العائلية.
ولعل مثل هذا التأثير العاطفي الذي يتحول إلى تعصب للعائلة قد ترك آثاره على حركة الوعي الشعبي السياسي في بعض المراحل السياسية القلقة من حياة الأمة، فقد لا حظنا أن بعض الملوك قد حصلوا على كثير من الدعم العاطفي لدى بعض علماء الدين والفئات الشعبية الطيبة انطلاقا من انتسابهم للعائلة الهاشمية، من دون أي تدقيق في التزامهم الإسلامي، ومن دون نظر إلى لونهم المذهبي في الساحة التي ترى للمذهبية معنى كبيرا في التقويم الفكري والعاطفي.. الأمر الذي أدى إلى إرباك الواقع السياسي في أكثر من بلد إسلامي وسمح للخطط الإستعمارية أن تأخذ مكانها فيها.
ونحن عندما نثير هذه المسألة لا نريد أن نجعل القضية الرسالية شيئا يتحرك في المطلق بعيدا عن الرمز، لأن للشخصيات القيادية خصوصية في عمق حركة الرسالة، الأمر الذي يفرض الإرتباط العضوي بالقيادة فيما يمثله الإرتباط بالرسالة، لتكون العلاقة رسالية لا شخصية بحتة، وبذلك لا يبقى هناك دور للعائلة بعنوانها الكبير. ومن هنا فإن علاقتنا بأهل البيت عليهم السلام لا تنطلق من هاشميتهم، بل تنطلق من رسالتهم، كما أن الهاشمية لا تكتسب قداسة من خلال انتماء رموز القداسة الرسالية بالنحو الذي يجعل من كل هاشمي يقترب من القداسة حتى لو كان بعيدا عن قيمها.
إن التراث الأدبي من الشعر والنثر قد يحتاج إلى بعض الخيال، وإلى بعض اللفتات الفنية في حركة العاطفة في المأساة وفي تأثير المأساة في الوعي الداخلي للإنسان المسلم، ولكن الخيال لا بد أن ينطلق في أجواء المضمون الذاتي للقضية، فلا يخلق لها أبعادا بعيدة عنها، ولا ينتج لها فكرا يختلف عن فكرها، كما أن الجانب الفني (في لفتاته الإيحائية أو الإيمائية والتعبيرية) لا بد أن يعطي الفكرة بعضا من معنى الجمال الحقيقي الذي تختزنه مفرداتها، فلا يفرض عليها جمالا من خارج معناها، أو يمنحها خصوصية بعيدة عن خصوصياتها.
ولذلك فإننا ندعو إلى نتاج أدبي حسيني يتغذى من المفردات الإسلامية للحركة الحسينية فيما هو البعد الروحي والفكري والحركي للإمام الحسين عليه السلام، لتكون الذكرى في خدمة القضية من خلال الإيحاء المستمر بامتدادها في خط الزمن، لتكون الصورة البارزة هي أن عاشوراء هي المنطلق وليست النهاية، وبذلك فإنها تريد أن تنتج جمهورا جديدا لمفاهيمها في كل زمان ومكان من خلال تأكيد العناصر الحية فيها في وعي المستقبل الذي يطل على الإنسان في عملية تجدد ونمو واستمرار.