السؤال العاشر: لو تكرّمتم بالحديث عن عبد الله الرضيع، وهل حقًّا ما يقوله الخطباء أنّه قُتِل وهو على يد أبيه الحسين (ع)؟
الجواب: ذكر أكثر المؤرّخين أنّ طفلاً رضيعًا للحسين (ع) قُتِل وهو في يده أو في حجره، وهذا المقدار ليس فيه ريب، نعم وقع الخلاف بين المؤرّخين في اسمه فقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنّ اسمه عبد الله، وذكر ذلك أيضًا الشيخ الطبرسي في الاحتجاج، وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيّين ومصعب الزبيري في نسب قريش، وابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص186، ونقل المقرَّم عن كتاب سرّ السلسلة أنّ المقتول بالسهم في حجر أبيه هو عبد الله. هذا وقد ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام الحُجّة (ع) "السلام على عبد الله الرضيع المرمي الصريع المتشحّط دمًا المذبوح بالسهم في حجر أبيه".
وفي مقابل ذلك ذكر ابن شهر آشوب في المناقب أنّ الرضيع المقتول في يد أبيه يوم العاشر اسمه عليّ الأصغر، وذكر ذلك أيضًا ابن أعثم في كتاب الفتوح ج6، ص15 ، وأبو المؤيد أخطب خوارزم في مقتل الخوارزمي، والطبري في تاريخه.
ولا بأس في المقام بذكر كيفيّة قتل هذا الرضيع، ونذكر في ذلك مجموعة مِن النصوص :
الأوّل: ذكر ابن أعثم في كتاب الفتوح ج6 قال: "فبقى الحسين فريدًا وحيدًا وليس معه ثانٍ إلاّ ابنه عليّ رضي الله عنه... وله ابن آخر يقال له عليّ في الرضاع فتقدّم إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتّى أودّعه، فناولوه الصبي فجعل يقبّله وهو يقول: "يا بنيّ ويل لهؤلاء لقوم إذا كان غدًا خصمهم جدّك محمّد (ص)، قال: " وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبيّ قتله فنزل الحسين رضي الله عنه عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورمّله بدمه وصلَّى عليه ودفنه...".
وذكر الطبرسي في الاحتجاج قريبًا مِن هذا النصّ إلاّ أنّه أفاد أنَّ اسم الرضيع المقتول عبد الله.
الثاني: ما رواه الطبري عن أبي جعفر الباقر (ع) أنّه قال: فقتل أصحاب الحسين (ع) كلّهم وفيهم بضعة عشر شابًّا مِن أهل بيته، وجاء سهم فأصاب ابنًا له معه في حجره، فجعل يمسح الدم عنه ويقول: "اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعَوْنا لينصرونا فقتلونا...".
وعن الشيخ المفيد أنّه قال: فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به إلى السماء، وذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية، ج8، ص186.
وأضاف السيّد ابن طاووس في كتابه الملهوف أنَّ الحسين عندما رمى بالدم إلى السماء قال: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله"، قال الباقر (ع) فلم يسقط مِن ذلك الدم قطرة إلى الأرض. وروى ابن شهر آشوب ذلك إلاّ أنّه قال: "لم يرجع مِنه شيء". وروى ذلك ابن نما في مثير الأحزان.
الثالث: ما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد: "ثمّ جلس الحسين أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين عليه السلام وهو طفل فأجلسه في حجره فرماه رجل مِن بني أسد بسهم فذبحه فتلقّى الحسين (ع) دمه في كفّه فلمّا امتلأ كفّه صبّه في الأرض ثمّ قال: "يا ربِّ إنْ حبستَ عنّا النصر مِن السماء فاجعل ذلك لما هو خير مِنه وانتقم لنا مِن هؤلاء القوم الظالمين ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهل بيته. ونقل ذلك أيضًا العلاّمة المجلسي في البحار.
الرابع: ما ذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة عن هشام بن محمّد الكلبي قال: لمّا رآهم الحسين (ع) مصرِّين على قتله أخذ المصحف ونشره وجعله على رأسه ونادى: "بيني وبينكم كتاب الله وجدّي محمّد رسول الله (ص) يا قوم بمَ تستحلُّون دمي... إلى أنْ قال: فالتفتَ الحسين (ع) فإذا بطفل له يبكي عطشًا فأخذه على يده وقال: يا قوم إنْ لم ترحموني فارحموا هذا الطفل فرماه رجل مِنهم بسهم فذبحه فجعل الحسين يبكي ويقول: " اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعَوْنا لينصرونا فقتلونا...". وهناك نصوص أخرى قريبة ممّا ذكرنا أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.
راجع تاريخ اليعقوبي ج ص218، وتاريخ الطبري ج6 ص259، والأخبار الطوال ص318، وغيرها مِن كتب التأريخ التي تصدَّت لبيان مقتل الحسين (ع).
والحمد لله ربِّ العالمين