شاكر الجبوري
تتدحرج الكرة في الملعب السياسي العراقي في حالة متواصلة من التسللل والفاولات المتعمدة، لذلك يستحيل معها الوصول الى المرمى، لأن أغلب اللاعبين غير مهتمين بتسجيل أهداف النصر الحقيقي، ربما كونهم يبحثون عن ساعات اضافية ، او مفاجأت تنظيمية، فيما الصحيح اختصار الزمن لتحقيق الأهداف لأن أحدا لا يضمن مفاجأت اللياقة البدنية والمطاولة.
ان ما يحدث من جدل سياسي هو اشبه بوقت اضافي اخير في مباراة غير متكافئة، مثلما يكشف عن حقيقة جوهرية في انعدم الثقة وغياب مقومات مهمة في المسؤولية الوطنية، لا سيما وأن ما يجري من تراشق سياسي وشخصي يضع المواطن في حيرة من أمره، مثلما يبدد المتبقي من الأمل في سماع المسؤولين لشكواه والالتفات الى همومه الكثيرة، وبالتالي ضياع فرص الحل ، وبما يبقي الأمور على قدر خطير من التدهور والانفجار المرعب.
لم نسمع يوما عن خلافات سياسية تحل عبر وسائل الاعلام والهراوات، أو ان يتحول الخلاف الشخصي الى قضية حكومية، تتقدم على غيرها من القضايا الملحة، وكان العجلة تتراجع الى الوراء، وأن على العراق و أهله مكتوب عليهم دفع ثمن فاتورة خلافات سياسييهم، الذين يتذابحون على المناصب لا على التدافع لخدمة المواطنين، في مفارقة لا تقل في خطورتها عن استباحة حرمة الدم العراقي.
ويتساءل العراقيون فيما بينهم عن سر التقاطع الخطير في وجهات النظر بين رئيس القائمة العراقية اياد علاوي ورئيس الوزراء نوري المالكي، وكأنهما تحولا الى عدوين خطيرين في لمح البصر، بينما كانا يتحدثان قبل اسابيع عن انفراج قريب، ورغبة مشتركة في لملمة الخلافات، التي يظهر للعلن انها مرتبطة بتوزيع " كعكة المناصب"، فيما الغاطس من الأمور ربما يؤشر افتراق خطير في الرؤا والحسابات، وان كل ما كان يصر منهما تطييب مبرمج للخواطر.
صحيح ان تطييب الخواطر لن يقود الى حلول حقيقية ، مثلما ان المحاصصات والتوافقات لن تدير بلدا، وصحيح ايضا انه من حق أي شخص اختيار من يراه مناسبا من التحالفات والصداقات، لكن الصحيح ايضا انه ليس من حق أي سياسي أن يفرض ما يراه هو مناسبا على الوطن وأهله، لأن زمن الاقطاعيات العائلية والحزبية صار من الماضي التليد، وأن الشعوب باتت قادرة على اسماع صوتها، والعمل بما تراه صحيحا، وهي حالة جديدة ينبغي للسياسيين العراقيين التعامل معها بواقعية، وبعيدا عن كل نرجسيات المعارضة في الأمس القريب، التي لا يزال البعض يتصرف باولوياتها.
ان الاقصاء والتهميش السياسي والرسمي لن يحلا طلاسم الأمور المعقدة في علاقات السياسيين العراقيين، ما يستدعي البحث حتى في ربع الساعة الأخير عن حلول وسط وقدرة على تفهم وقبول الراي الأخر، لأنه وبدون ذلك سيبقى حوار الطرشان سيد الموقف في العراق، مثلما سيبقى المواطن حطب نار تصفية الحسابات بينهم، وهو سبب القلق الكبير الذي يلف حياة المواطنين هذه الأيام، بعد أن غلسلوا ايديهم من قدرة السياسيين على النزول من بروج عاجية حديثة العهد، ونضوج سياسي ينقصه الكثير من الوعي بالمسؤولية الوطنية، وبين هذا وذاك يتأمل العراقي بصحيح ربما يفاجأ مسؤولي بلاده الحاليين.
رئيس تحرير " الفرات اليوم"
shaljubori@yah00.com