إن كنّا فعلا من المسلمين الذين يؤمنون بالقرآن والسنة النبوية، وبتعليمات وتوجيهات أهل البيت عليهم السلام والصالحين رضي الله عنهم أجمعين ، وسواء كنّا شيعة أو سنّة، وكذلك إن كنّا فعلا عرب ومسلمين، ومسيحيين شرقيين وأديان أخرى نعيش المصير الواحد، فعلينا أن نقدّم النصيحة وبصوت جهوري إلى إيران، والى القيادة الإيرانية ودون النظر إلى الخلافات العقائدية والمذهبية والسياسية والقومية، لأن إيران أقرب لنا من واشنطن ، وأنها أقرب لنا من إسرائيل، وحتى وأن جئنا إلى المثل العربي القديم، والذي يقول ( اليد التي لا تستطيع أن تلاويها فقبّلها) واليد الإيرانية أقل وقعا على نفوسنا وتاريخنا عندما نقبّلها من اليد الأميركية والإسرائيلية، فتقبيلهما جرعات بل أوان من السُم القاتل وهنا لا نعلن الاستسلام، أو ننشر ثقافة التراجع، ولم نقصد من وراء ذلك التنازل عن المبادئ والقيم والثقافة والهوية والتاريخ والثروات، ولكن لنخرج بأقل الخسائر ونحافظ على ما تبقى من شعبنا ووطنا كعراقيين، ومن ثم المحافظة على بلداننا قبل حصول الزلزال فيها.
يجب منع التكابر والتصفيق والردح والرقص في شوارع العرب، لأن الأمة العربية ولغتها وثقافتها ومستقبلها في خطر حقيقي وكارثي، فالأمة العربية والعرب الآن بموقف ( الهنود الحُمر) يوم جاءت لهم عصابات الرجل الأبيض والكاوبوي وأخذت أراضيهم وممتلكاتهم، ونسفت لغتهم وثقافتهم وهويتهم وإنسانيتهم ومستقبلهم، وعطفت على بعضهم عندما أبقتهم للترويج السياحي.
فهل انتبهتم مثلا للتحالف الأميركي على العراق،والذي قلبه إسرائيل التي استولت على أراضي الشعب الفلسطيني ونسفت هويته وتاريخه ومستقبله ومجتمعه الواحد، وأستراليا التي استولت على ممتلكات وأراضي الشعب الأسترالي الأصلي، وعلى طريقة الهنود الحمر في أميركا، فهل تعرفون أن هذه العصابات التي سلبت الأراضي من الهنود الحمر ومن الأستراليين الأصليين هم من أصول بريطانية وأيرلندية، وحتى أن معظم اليهود في الحركات الصهيونية هم من أصول بريطانية، ففكروا بجوهر التحالف على العراق وأهدافه ونواياه ، فهل هي صدفة أن يتحالف هؤلاء الذين لديهم نهج تاريخي عنوانه الاستيلاء والإبادة؟...فنحن لانعتقد ذلكّ!.
لهذا منعا للتكابر بأننا أقوياء ،وبأننا أمة واحدة ، فأن هذا الكلام هراء لأنهم نجحوا بتفريق الأمة والعرب، فنحن ضعفاء ولن نتمكن من كسب معركة واحدة أمام أعداء العرب والأمة والإسلام ، ولحسن حظنا عندما جمعونا كخصوم لهم مع إيران التي تمكنت من تقوية نفسها بنفسها، لهذا علينا العمل وبسرعة نحو إفهام الإيرانيين بأن مصيرنا واحد، وبأن المنطقة منطقتنا ولأجيالنا العربية والإسلامية، ولا يجب أن نتخوف من إيران وتتخوف منا ، فالعمل وبسرعة لتكوين فضاء إستراتيجي وإسلامي ومصيري مع إيران تهابه الدول والعالم ، ويكون له هوية قوية ، ولكن هذا لم يحدث إن لم ينتبه الإيرانيون لخطورة الموقف الذي تمر به إيران والشعوب العربية.
فيجب الضغط عليهم من قبل عقلاء العراق والعرب كي يغيروا من سياساتهم في العراق، والتي جلبت لهم النقد والتوجس من العراقيين والعرب، وستجدون في نهاية المقال إستراتيجية أو خارطة طريق مقدمة للإيرانيين كي يقلبوا الطاولة ويأخذوا زمام المبادرة وبنية صادقة ومع العرب الرافضين لسياسات وتواجد أميركا.
فنحن بصدد تنبيه الجميع في منطقة الهلال الخصيب والخليج، وفي مقدمتهم الشعب العراقي، ولأن الزلزال قادم وعلى الأبواب، وهذه المرة هو زلزال مدمر، ونكرر لا نهوّل ولا نريد من الآخرين الانكفاء والتقهقر، بل أن الصراحة والمصداقية في نقل الأحداث، وخصوصا في اللحظات الحرجة هي وسيلة من وسائل شحذ الهمم من أجل وضع الخطط الدفاعية والإنقاذية، وكذلك هي وسيلة لتحفيز العقلاء كي يتحركوا من أجل إيجاد الطرق والخطط التي تقوّي وتجمع الأطراف التي يمكن جمعها على أسس دينية وأخلاقية، وكذلك على أسس التجاور والمصير الواحد.
فلقد ارتكبت إيران أخطاء كبيرة في العراق، وخصوصا عندما حاصرت العراقيين مع المحتلين ،واعتمدت على مجموعات معيّنة وخاصة، وهي تعلم أن هذه المجموعات ليست لها جذور في العراق ، وليس لها شعبية ولا حتى محبة واحترام من قبل الشعب العراقي، بل سلطتهم هي والمحتل على العراقيين، ولأنهم تدربوا من قبلها، ولأن جذور معظمهم من إيران، فوقعت إيران في خطأ إستراتيجي خطير، خصوصا وأن معظم هؤلاء لا يوالون إيران إلا باللسان والخطب وتقبيل أيادي كبار الشخصيات الإيرانية، أما جوهرهم وعقولهم ومستقبلهم مع المحتل، ومع االلوبيات الإسرائيلية في أميركا والغرب، ونحن على يقين أن القسم الأكبر من الإيرانيين يعرفون هذه الحقيقة ولكنهم فضلوا عدم كشفها ، واستخدموا هؤلاء كساعي بريد وبوسطجية بين طهران وواشنطن من جهة، وبين السفارة الأميركية في بغداد وطهران من جهة أخرى.
ولكن كل هذا على حساب العراقيين ومستقبلهم، وهذا يعني أن الإيرانيين يلعبون مع الشيطان، ويؤسسون إلى شرخ كبير بين الشعبين العراقي والإيراني، ولمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل ،وخصوصا عندما نجحت إيران بخصومة الشعب العراقي مقابل الود والغرام مع الذين يطلق عليهم الشعب العراقي تسمية (العملاء) ،وبالتالي تولدت داخل نفوس العراقيين كراهية وخوف وريبة اتجاه إيران، ولم تكن موجودة حتى في زمن نظام صدام حسين ورغم الحرب والعداء والتمترس السياسي والنفسي، وأن سبب ذلك هم الذين دعمتهم إيران في العراق، والذين خذلوا إيران والشعب العراقي عندما تحولوا إلى مصاصي دماء، وعصابات لا تنام الليل من أجل مطاردة العراقيين واعتقالهم وتهجيرهم وبتر أطرافهم وثقف جماجمهم وقتلهم!.
فأن الشرخ المتولد بين العراقيين والإيرانيين سببه هؤلاء الذين اعتمدت عليهم إيران في داخل العراق ، والذين تمترسوا بالدعم الإيراني والحماية الأميركية ، وتحولوا إلى سيوف وحراب وبلدوزرات ضد العراقيين، ولمصلحة الولايات المتحدة، وإسرائيل التي ربحت كل شيء دون أن تخسر أي شيء ، ولهذا تعجب العراقيون ولا زالوا في حالة تعجّب من المواقف الإيرانية في العراق، لأن إيران دولة إسلامية، ويقودها رجال الدين، والذين ملأوا المكتبات والمدارس والمراكز الثقافية في العراق، والعالمين العربي والإسلامي بكتبهم التي تقول أن الولايات المتحدة ما هي إلا ( شيطان أكبر) وأن الاحتلال بغيض ومهما كان شكله، ويجب محاربته بالبندقية والقلم والوعظ وبكل شيء.
وكيف وأن المحتل في العراق قد قدم من وراء البحار والمحيطات، وجاء عن طريق مسلسل من الأكاذيب، وأنه بنظر كتب ونظريات هؤلاء الذين يحكمون إيران الآن أنهم ( كفار) فهكذا تقول كتبهم ولكنهم منعوا الشعب العراقي من الثورة والمقاومة، ولا زالوا يقمعون ويطاردون أي صوت مقاوم في العراق، وخصوصا إن كان عربيا شيعيا أو سنيا عربيا، ولقد اتهموا الذين يقاومون المحتل بتهم جديدة ومقولبه ومدجنة علمّهم إياها المحتل الأميركي وهي ( الإرهابيين، والتكفيريين، والصداميّين، وآخرها تهمة الخارجين عن القانون!!!!)
وأن هؤلاء الذين يقودون الحملات ضد الوطنيين والشرفاء في العراق هم رجال وأصدقاء إيران، بل أنهم يذبحون بالعراقيين من هنا ويسافرون نحو طهران من هناك ويظهرون في الشاشات وهم يجلسون مع الرئيس نجاد ومع المرشد آية الله السيد الخامنئي وغيرهم من المسئولين الإيرانيين، ودون أن نلحظ أن هناك تغييرا في السياسات الإيرانية في العراق، بل أن وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر قد قال في 16/3/2008(( ": كنت منخرطًا في محادثات خاصة بشكل كامل مع الإيرانيين". وأضاف: "وضعوا (الإيرانيين) أمامهم العديد من المقاربات التي يمكن بنظري، ومن خلال بعض المرونة من قبلهم، أن تقود حتمًا إلى المفاوضات (بين الأمريكيين والإيرانيين)")).
والسؤال:
هل صدق كيسنجر، وأن صدق هل أن القربان هو الشعب العراقي والعراق وثرواته؟
فنحن نعتقد أن هناك زلزال قادم وأصبح على الأبواب، وأن قدوم هذا الزلزال جاء بعد أن تجسّد الانقسام العربي، وأصبح العرب في معسكرين أو في فريقين، خصوصا بعد أن لاحظنا هذا الأمر في قمة المقاطعين، وقمة الحاضرين في العاصمة السورية دمشق.
أي نحن أمام وضع جديد أقل ما نطلق عليه ( مرحلة أجندة ترعاها واشنطن... مقابل أجندة تباركها إيران) ودققوا في العبارة، فالرعاية أشد من المباركة وأقوى، لأن الرعاية تعني التنشئة والتربية والرضاعة والتغذية والحماية ، أما المباركة فتعني المجاملة والأماني وقد تكون بالمناسبات، وهنا لا نريد القول أن الأجندة التي تباركها إيران ستخسر أمام الأجندة التي ترعاها واشنطن، فأن الجواب عن السؤال ( من سيربح؟) فهذا قادم وجوابه ما بعد الزلزال التي تصر عليه واشنطن وباركته إسرائيل، وأن رأس الحربة في أجندة المباركة هي حزب الله، وسوريا، وحماس، والمنظمات الفلسطينية ... وسيبقى السطر مفتوحا!!!.
ولكن من الجانب الآخر، والذي تجسّد بعد قمة دمشق هو ولادة مرحلة ( حرب باردة عربيّة ـ عربيّة!!) وهذا بحد ذاته يقوّي واشنطن وتل أبيب، لأن هناك جبهة متولدة أصلا وهي عربية وسوف تقف مع واشنطن وتل أبيب ضد إيران، وكذلك ضد المباركين من قبل طهران، وهذا يعني أن المنطقة أمام مفترق طرق خطير جدا، لأن هناك مخاض لولادة فضاءات وتكتلات جديدة، أي أن هناك صورة أصبحت واضحة تسمى ( الولايات العربية الأميركية) وهي الدول التي قاطعت قمة دمشق برجاء أو بضغط أميركي، وقطعا أن هذه الولايات العربية الأميركية لن تعارض واشنطن لأنها قبلت الوصاية أو الحماية الأميركية عليها.
وهذا بحد ذاته يفرض على إيران أن تسارع و فورا ودون نقاش إلى تغيير سياساتها في العراق، وحتى في لبنان من أجل بلورة فضاء تقوده إيران وليكن ( سوريا والعراق وإيران وليبيا وقطر ودول أخرى) فلا مانع من أية تسميه، فالمهم هو إيقاف الزلزال وقلب الطاولة على جبهة واشنطن ، ومن ثم نحافظ على إيران والشعب الإيراني، وبنفس الوقت ننتشل ماتبقى من العراق.
فالولايات المتحدة وإسرائيل يعدان العدّة وفي مرحلة العد التنازلي لتوجيه ضربات مفتوحة، أي تجر المنطقة نحو الحرب ضد حزب الله وسوريا والمنظمات الفلسطينية ، وسيحاولان جر إيران نحو المعركة ، وبهذه الحالة فلو صمتت إيران ولم تدافع عن حزب الله ، وسوريا، وحماس، وغيرها من المنظمات، واكتفت بالاستنكار فسوف تسقط بعيون العرب والمسلمين المتعاطفين معها للأبد، وسوف تنكشف جميع نواياها،
وأن شاركت فسوف تتعرض لضربات موجعة وقوية تعيدها إلى الوراء سياسيا واقتصاديا ومعنويا ونفسيا ،وقد تدخل في نفق الفوضى الخلاقة مثلما دخلها العراق عام 1991 وصولا لاحتلاله والتمركز فيه ولحد الآن.
لذا فبدلا من أن تفقد إيران قيمتها وتقديرها بعيون العرب والمسلمين في حالة صمتها وعدم دفاعها عن أصدقائها ، وبدلا من أن تُضرب وتتقهقر نحو الداخل وتعود لفترة الثمانينات من القرن الماضي، وتخسر جميع إنجازاتها السياسية والعلمية والتكنولوجية والتي هي فخر للمسلمين جميعا، تحاول استقراء الوضع بشكل جيد ودقيق، وأن الصاروخ المدمر لخطط واشنطن وإسرائيل ضد إيران وضد سوريا وحزب الله وحماس ، ويعيد هذا الصاروخ المحبة بين العراقيين والإيرانيين ، وبين الشارع العربي وإيران هو عندما تسحب إيران و( فورا) يدها ودعمها عن عملاء واشنطن، والذين هم أصدقاء إيران في العراق ونقصد ( الأحزاب والحركات الشيعية التي هي قوية بحماية واشنطن ودعم إيران).
وتحاول إيران وفورا وبدون تردد لعقد مؤتمر خاص بالعراق في داخل العراق، أو في طهران، أو في دولة محايدة ولتكن تركيا أو روسيا من أجل المصالحة، والتعهد أمام الجميع بدعم استقرار العراق، ودعم العراقيين من أجل إعادة الانتخابات بحماية عربية وإيرانية وإسلامية، ومن ثم إعادة النظر بالدستور، ودعم العراقيين في تأميم نفطهم وثرواتهم، وستأخذ إيران مقابل ذلك ضمان مصالحها في العراق، والتعهد من الأطراف العراقية بعدم الانتقام من الأحزاب والحركات التي كانت تعينها إيران، والتي سببت المآسي في العراق، وخصوصا بعد سقوط النظام، وبشرط أن تبتعد عن الازدواجية بين طهران وواشنطن، ولكن لابد من محاسبة من تلطخت أياديهم بدماء العراقيين، ومن سرقوا أو كانوا أدوات لدول ومافيات من أجل سرقة ثروات العراق.
فهل تتمكن إيران من فعل ذلك وتكسب الحرب إستباقيا، وتغيّر قوانين وأبعاد اللعبة كلها ،وحينها ستُنقذ سوريا ولبنان والفلسطينيين من الدمار المُقرّر ضدهم من قبل واشنطن ومن معها، فنحن نعتقد أنها قادرة ولكن عندما تتوفر عند المسئولين الإيرانيين النيّة الصادقة، وعندما يتذكروا أنهم جيران العرب والعراقيين، وعندما يتذكروا أنهم يرفعون راية الإسلام.... وحينها ونحن واثقون من ذلك سوف تتولد علاقات شعبية وأخوية و إستراتيجية وسياسية واقتصادية بين العرب والعراقيين من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى.
وحينها سيتولد فضاء إستراتيجي قوي يفرض احترامه على دول وتكتلات العالم.
فالكرة في ملعب مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله السيد علي الخامنئي!
أما الشعب العراقي، فلقد عُرف بعاطفته وقدرته على نسيان الأحقاد، وحينها سيكون أخا وصديقا للشعب الإيراني!
كاتب ومحلل سياسي
مركز الشرق للبحوث والدراسات
2/4/2008
سمير عبيد