تقديم:
يطلق مفهوم المجتمع على مجموع الأفراد، القاطنين في رقعة جغرافية محددة، والذين تجمع بينهم روابط معينة، تثبتها قواعد وضوابط ومؤسسات اجتماعية، ويكفلها القانون.
لا يستطيع الفرد، داخل المجتمع أن يخالف القواعد العامة للتعايش المشترك، أو ينحرف عنها، لأنه إن فعل ذلك، يعرض نفسه للعقاب، أو السخط أو اللوم. وهكذا تمارس القواعد الاجتماعية سلطة على الأفراد تتجلى في القواعد الإلزامية المفروضة عليهم ، وتسمى هذه السلطة بالقهر الاجتماعي. و يخضع المجتمع لمنطق الوعي الجماعي المستقل عن مجوع وعي الأفراد على حدة.
يرتبط ظهور المجتمعات البدائية بالنمو الديموغرافي للمجموعات البشرية بدءا بالأسرة مرورا إلى العشيرة والقبيلة ثم المجتمعات البسيطة وانتهاء بالمجتمعات المركبة.
• فما هو أساس الاجتماع البشري: الطبيعة أم التعاقد؟
• وما دلالة الفرد؟ وما علاقته بالمجتمع؟
• ثم كيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟
أساس الاجتماع البشري
كيف نشأ المجتمع؟ وعلى أي أساس؟
بالنسبة لأولئك الذين يؤكدون على أولوية الجماعة البشرية على الفرد مثل أرسطو، وابن خلدون وهيجل...، يعتبر المجتمع البشري نتيجة طبيعية أملتها الضرورة على الإنسان بوصفه كائنا يحتاج إلى الآخرين من بني جنسه لتحقيق حاجاته.
يرى ابن خلدون، في تصوره المبدئي للعمران، أن المجتمع الإنساني ضروري ، وهو يقتبس القول المشهور الذي يجري على ألسنة الحكماء (القول الأرسطي) بترديدهم أن الإنسان مدني بالطبع أي لابد له من الاجتماع، ويلتفت ابن خلدون إلى الحقيقة الأزلية التي تتلخص في أن بقاء الإنسان على قيد الحياة مرهون بأمرين أساسيين هما:
• القوت أو الطعام الذي يحتاجه جسمه لكي يعيش وينمو،
• والدفاع الذي يقيه غائلة العدوان
وإن كلا من تحصيل القوت والدفاع يقتضي التجمع أو الاجتماع، والاجتماع يكون بين المرء وبني جنسه، ومن ثم كان طبيعياً أن يعرف بالمجتمع الإنساني.
وعلى نهجه في التوضيح والتفصيل والتحليل، يقرر ابن خلدون أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء الذي يفترض أنه أقل قدر من الحنطة، وأن هذا القدر من الحنطة يحتاج إلى زرع وطحن وعجن وطبخ ، وأن الزراعة محتاجة إلى حصاد ودرس، والطحن والعجن والطبخ ومحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري، ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلابد من اجتماع القدرات الكثيرة من أبناء الجنس الواحد، ولابد من التعاون بينهم لتحصيل الكفاية من الطعام.
ويخلص ابن خلدون إلى ضرورة المجتمع الإنساني لتحقيق الحصول إلى القدر الكافي من الطعام، وصناعة الأدوات التي تستعمل في الدفاع من رماح وسيوف...، فالإنسان وحده عاجز عن مدافعة الوحوش فلابد له من التعاون مع أبناء جنسه ليكون الدفاع مؤتيا ثماره. يقول ابن خلدون: "وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له – أي الإنسان – قوت ولا غــذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح، فيكون فريسة للحيوانات ، ويعالجه الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر " ، هكذا وبتفكير سهل أقرب إلى العفوية ، وأسلوب سلس يربط ابن خلدون بين التعاون الإنساني في نطاق التجمع وبين فناء النوع البشري إذا حاد عن هذا السبيل. ولكن ابن خلدون يريد أن يصل إلى معنى العمران في نطاق من القول والفكر الأكثر تحديداً فيقول مستطرداً: " وإذا كان التعاون حصل له – أي للإنسان – القوت للغذاء ، والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه ، فإذن هذا المجتمع ضروري للنوع الإنساني، وإلا لم يكمل وجودهم وما أراد الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم، وهذا هو معنى العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم " .
أما بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن المجتمع (الكل) هو مجموع الأفراد (مجموع الأجزاء) مثل روسو، لوك، هوبز... فمنشأ المجتمع عندهم يرجع إلى الاتفاق بين الأفراد، أو ما يسمى التعاقد الاجتماعي.
يرى روسو إن الإنسان قبل قيام المجتمع "المدني" كان يعيش في حرية كاملة واستقلال تام، ويفترض روسو إن الإنسان كان متوحشاً في الغالب لا يعرف أهله، ولعله لم يكن يعرف أولاده، ولا لغة له، ولا صناعة، ولا فضيلة، ولا رذيلة من حيث أنه لم يكن له مع أفراد نوعه أي علاقة يمكن أن تكون علاقة خلقية كان حاصلا بسهولة على وسائل إرضاء حاجاته الطبيعية ولم يصب إلا بالقليل من الأمراض قلما كان يحتاج إلى الأدوية لأن الصحة إنما تعتل بالإسراف في المعيشة وبالميول المصطنعة وما ينتج عنها من إجهاد جسمي وعقلي. يرى روسو أن الحرية هي التي تميز الإنسان أكثر من الفهم. كيف خرج الإنسان من هذه الحالة؟
اضطرت الظروف الإنسان إلى التعاون مع غيره من أبناء نوعه... تعاوناً موقتاً كان الغرض منه صيد الحيوان... ثم اضطرتهم الفيضانات والزلازل إلى الاجتماع بصفة مستديمة فاخترعت اللغة وتغير السلوك وبرز الحسد.
إن هذا الاجتماع يمثل، في رأي روسو، حالة الطبيعة الخالية من القوانين والردع. ولكن تطور حياة الإنسان واتساع ضروراتها أدى إلى نشوء حالة مدنية منظمة بالقوانين تثبت الملكية ويتوطد فيها التفاوت بين الناس. وهكذا يتحول الإنسان الطيب بالطبع إلى شرير بالاجتماع.لقد أصبح الاجتماع ضروريا ومن العبث العودة إلى حالة الطبيعة. وأصبح من الضرورة إصلاح مفاسده بإقامة حكومة الصالحة وتربية المواطنين الصالحين. وذلك عن طريق إيجاد مؤسسة تحمى بقوة المجتمع وتسمح بأن لا يخضع إلا لنفسه، وبأن تبقى له الحرية التي كان يتمتع بها من قبل.
لم تكن ملكية الأرض مضمونة بما فيه الكفاية. وكان لابد من إيجاد وسائل جديدة لحمايتها. وقد لجأ الأغنياء إلى الحيلة للإيقاع بالفقراء وقد ابتكروا، كما يقول روسو، أذكى خطة عندما قالوا للفقراء نتحد لكي نحمي الضعفاء من الظلم والجور، ونضع قوانين العدل والسلم وبدلاً من أن نستنفذ قوانا في الاقتتال نوحد أنفسنا في سلطة عليا وفق الشرائع الحكيمة... وهكذا قاد تأسيس الملكية الأرضية البشر إلى العقد الاجتماعي. كانت القوانين في البداية، على حد قول روسو، تفتقر إلى بعض الضوابط والمعايير الملزمة للأفراد وكان المجتمع بأسره يضمن احترامها والتقيد بها. لكن سرعان ما أوحى ضعف شكل الحكم هذا فكرة (توكيل أفراد معينين على الوديعة الخطيرة، السلطة العامة). هكذا ظهر الولاة المنتخبون، بما أن الشعب وحَّد إرادته جمعاء في مشيئة واحدة، فيما يتصل بالعلاقات الاجتماعية، فإن كل ما وضع موضوعاً لهذه المشيئة صار قانوناً أساسياً ملزماً لجميع أعضاء الدولة بدون استثناء. وهكذا نجد أن العقد الاجتماعي لا يتمخض، من منظور روسو عن تكوين المجتمع كتنظيم سياسي فحسب، وإنما يحدد أيضاً العلاقات المتبادلة بين الشعب وبين الذين انتخبهم لكي يحكموه.
لقد كان العقد الاجتماعي أداة إرادية تنازل بموجبها الأفراد عن حريتهم الطبيعية لصالح فرد آخر، وأذابوا إرادتهم الفردية في إرادة عامة مشتركة واتفقوا على قبول أحكام هذه (الإرادة العامة) كأحكام نهائية قاطعة، وكانت هذه الإرادة العامة هي السلطة صاحبة السيادة. إن ما يخسره الإنسان من جراء العقد هو حريته الطبيعية اللامحدودة، وما يربحه بالمقابل هو الحرية المدنية وهو تملكه لكل ما ملكته يده.
على هذا الأساس يكون المجتمع "المدني" ثمرة للتعاقد الاجتماعي، مثلما أن المجتمع الطبيعي ثمرة للضرورات البيولوجية.
الـفـرد والـمـجـتـمـع
ساهمت أراء روسو، و لوك، وهوبز، ومونتيسكيو، حول العقد الاجتماعي، بلورة مفهوم الفرد. ظهر مفهوم الفرد، كقيمة اجتماعية، أبان عصر النهضة بعد انهيار الإقطاع، ونشوء الطبقة البرجوازية ابتداءا القرن 15م. وتبلور مفهوم النزعة الفردية من خلال الأطروحات الفلسفية، التي بدأت تبتعد عن الأفكار التقليدية التي يمثلها المجتمع التقليدي، الممثل لنظام فكري وسياسي واجتماعي إقطاعي. وما عزز هذا النزوع نحو الحرية الفردية في أوروبا هو نشوء الليبرالية والديموقراطيات الحديثة بعد الثورتين الفرنسية والإنجليزية.
و في هذا السياق، يعتبر طوكفيل، وحتى ماركس، أن النزعة الفردية أو الفردانية فكرة حديثة المنشأ، و مرتبطة بالديموقراطية عند طوكفيل، وبالمجتمع البورجوازي عند ماركس. وقد أتاحت الفردانية للمواطنين الانعزال عن المجتمع (ما يسميه طوكفيل "كتلة الأشباه")، وبالتالي تأسيس العالم الأصغر الخاص بالفرد بعيدا عن إكراهات الأسرة أو العشير أو الطائفة أو القبيلة كما كان الحال قبل ظهور اللبيرالية. إن ما يميز النزعة الفردية، حسب طوكفيل هو:
• النظرة الانعزالية للذات والانغلاق التام خل العزلة الخاصة
• الاعتقاد في القدرة في التحكم في المصير
• الانفصال عن العلاقات العائلية والدموية والقرابية.
ينظر دوركهايم لعلاقة الفرد بالمجتمع من زاويتين مختلفتين. فهو يرى يميز بين شكلين من المجتمعات:
• مجتمعات تخضع للتضامن الميكانيكي
• مجتمعات تخضع للتضامن العضوي
تتسم المجتمعات الخاضعة التضامن الميكانيكى بما يلى:
• حجم وكثافة سكانية ضعيفة
• تنظيم اجتماعي غير متمايز (تشابه بين الأفراد)
• قانون قمعي
• وعي جماعي يدمج الفرد جيدا في المجتمع
بينما مجتمعات التضامن العضوي تتصف بالاتي :
• حجم وكثافة سكانية عالية
• وظائف اجتماعية مختلفة جدا
• قانون تعاوني
• أفراد متحررين
يخضع الأفراد في المجتمعات ما قبل الصناعية لمبدأ الارتباط الداخلي، حيث يسود التضامن الميكانيكي الذي يربط الفرد بالجماعة ويشترط تحقبق إنسانسيته داخلها على اعتبار أن المجتمع أو الجماعة هما الغاية والمنتهى الطبيعي للإنسان. في المقابل، يخضع ألفراد داخل المجتمعات الحديثة لمبدأ التميز الوظيفي، حيث يتحدد كل فر د وفق انتمائه، ليس العرقي أو الديني أو الدموي أو القبلي...، وإنما، السوسيو-مهني أو السوسيو-اقتصادي، وذلك انسجاما مع مقتضيات الحياة الاجتماعية وأنماط تقسيم العمل.
الـمـجـتـمـع و الــســلـطـة
لكل مجتمع أسس، وقواعد، ونظم، وضوابط يقوم عليها.. تسهر على حفظها وضمانها وصيانة استمراريتها مؤسسات. وهذه المؤسسات نوعان: مؤسسات إيديولوجية ( المدرسة، وسائل الإعلام، التقاليد، الأعراف...) ومؤسسات قمعية (الدولة،الجيش، البوليس، ...). والمؤسسات، كما يدل عليها اسمها، هي كيانات أسسها الناس لتدبير الخلافات داخل المجتمع ولفرض السلطة المجتمعية.
يرى فرويد أن معظم الناس ينصاعون لسلطة المجتمع تحت ضغط الإكراه الخارجي وحده، وبالتالي كلما كان هذا الإكراه محسوسا إلا و فرض نفسه. فالأنا الأعلى هو معطى خارجي يفرض نفسه على الغرائز. إن التحليل النفسي هو تعبير عن الوعي بالقمع الاجتماعي للجنس.
يذهب فرويد إلى أن الدوافع اللطيفة البنّاءة و المليئة بالحب لدى الإنسان ليست أولية، بل نشأت بصورة ثانوية من ضرورة كبت دوافعه الخبيثة الأصلية و يرى أن الحضارة ما هي إلا نتيجة هذا النوع من الكبت إذ يعتقد أن الإنسان تتحكم فيه بالأصل دوافع شريرة و كلما نما المجتمع و تطور، إلا ومضى في إكراه الإنسان على أن يقمع و يكبت هذه الدوافع. يقول فرويد " إن كل فرد هو ... عدو للحضارة التي هي بالأساس لصالح البشرية قاطبة بوجه عام، و إنه مما يبعث على الاستغراب أن بني الإنسان الذين لا يحسنون الحياة في عزلة وعلى إنفراد يشعرون مع ذلك بوطأة اضطهاد ثقيلة بحكم التضحيات التي تنتظرها منهم الحضارة حتى تجعل حياتهم المشتركة ممكنة". فالحضارة عند فرويد قامت بشكل أساسي على مفهوم الكبت الجنسي. و لا يكفي للمحافظة عليها الاهتمام بالعمل التضامني لكون الأهواء الغريزية أقوى من الاهتمامات العقلية، لذلك على الحضارة أن تٌجنّد كل ما في متناولها لكي تحد من العدوانية البشرية عن طريق ردود أفعال ذات طابع أخلاقي إلزامي.
يقول فرويد " إذا كانت الحضارة تفرض مثل هذه التضحيات الباهظة لا على الغريزة الجنسية و حسب بل و على العدوانية أيضاً ، فإننا نفهم في هذه الحال فهماً أحسن لماذا يعسر على الإنسان غاية العسر أن يجد في ظلها سعادته " فكل حضارة مٌلزمة بأن تشيد نفسها على الإكراه و على نكران الغرائز. إن الحرمان هو نوع من القسر الذي تمارسه الثقافة لمنع الغرائز الإنسانية من الظهور و لبقاء الإنسان فوق الواقع الحيواني البدائي الذي كان يعيش فيه، فالأخلاق يعيشها الفرد عند فرويد أولاً على صورة تضحية أو عذاب. لذلك نجد بأن معظم الناس ينصاعون للنواهي الثقافية المتعلقة بكبت و قمع المتطلبات الغريزية العدوانية و الجنسية تحت الإكراه الخارجي والعقاب، لكن كيف يكون العقاب؟
حسب فرويد العقاب مزدوج: خارجي ممثل بالسلطة الاجتماعية و داخلي ممثل بالتربية الصارمة الاجتماعية التي يمثلها الأنا الأعلى. فالإنسان منقسم بين قواه النفسية التي تعبر عن نفسها في داخل الفرد و من خلال علاقاته مع المحيط . و من هذا الجانب نلاحظ اغتراب الأنا وضياعه حيث يتعين عليه أن يخدم سادة ثلاثة متنازعين وأن يعيش تبعاً لذلك تحت تهديد خطر ثلاثي يتمثل جانب منه من العالم الخارجي، وجانب آخر من ليبيدو الهو و غرائزه، وجانب ثالث من صرامة الأنا الأعلى، و ما ينشأ عن ذلك من حصر و قلق عماده الانسحاب أمام الخطر. لذلك يرى فرويد أن حياتنا كما هي مفروضة علينا ثقيلة الوطء و تغل أعناقنا بكثرة كثيرة من المشاق و الخيبات.
ما هي نتائج الإكراه الاجتماعي؟
إن الإكراه الاجتماعي، حسب فرود يؤدي إلى:
- التحوا من الأنانية إلى الغيرية أي من الانغلاق النرجسي إلى قبول الغير وخلق علاقات معه.
- طاعة أكبر عدد من الأفراد للمجتمع وخضوعهم له
- القمع المتواصل لغرائز الأفراد، وما يصاحبه من ردود أفعال متوترة.
- تشوهات في شخصيات الأفراد واستعداده الدائم لإطلاق العنان لمكبوتاتهم في أية لحظة تغيب فيها الرقابة والسلطة المجتمعية.
إذا كان فرويد يرى أن المجتمع و الحضارة يقمعان الغرائز، فإن رالف لنتون يعتقد، في المقابل أن المجتمع يعمل على الاستجابة لحاجيات الأفراد، ويعمل كذلك على ترسيخ النماذج الثقافية من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
ويقصد بالتنشئة الاجتماعية مجموع عمليات التعلم التي عن طريقها يكتسب ويستدمج الفرد العادات والتقاليد والقيم والاتجاهات السائدة فى بيئته. وتتم من خلال الأساليب والطرق التي يتلقاها الأفراد منذ طفولتهم المبكرة في الأسرة والمدرسة ومع الجماعات. تلك الأساليب التي تتفق مع الثقافة السائدة في المجتمع.
بعتبر رالف لنتون أن عملية التنشئة بالمعنى السابق تتم عبر "طعم الإشباع". فالمشرفون على التنشئة الاجتماعية يقدمون للفرد إشباعا مباشرا لغرائزه وحاجاته، وفي الوقت نفسه، يمررون له العادات والسوكات والمعتقدات... فالفرد يشبع جوعه عندما يقبل على الأكل لكنه يتعلم أسليب وطرق الأكل ممن هم أكبر منه.
إن المجتمع ليس اضطهادا وتعسفا، بل هو مؤسسة ظهرت لتحل المشاكل التي عصفت بالإنسان عندما كان يعيش وحشيته في حالة الطبيعة. لقد فقد الإنسان حريته المطلقة عندما دخل المجتمع، لكنه ربح الأمن والاستقرار والحضارة والتقدم والرقي. ولكن ما كان للمجتمعات البشرية أن تصل إلى ما وصلت إليه لو لم يكن المجتمع ساحة للصراع والتفاعل التاريخي بين مختلف مكوناته.