هو نبي الله شعيب (ع).
يقال أنه ابن ميكيل بن يشجن، ويقال له بالسريانية يترون، ويقال أن جدته أو أمه هي بنت لوط والثابت هو أنه من مدين الواقعة في أطراف الشام. في منطقة وادي شعيب في جنوب الشام غير مأكدة, يعتقد أنه عاش 242 سنة .
في الدين الإسلامي
آمن بنبي الله إبراهيم، وهاجر معه ودخل معه دمشق, وكان فصيحا مفوها حيث كان بعض السلف يسمي شعيبًا بخطيب الأنبياء لفصاحته وحلاوة عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان أرسل إلى أهل مدين برسالته كما جاء بالقرآن الكريم { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } (الآية 85) (سورة الأعراف).
كان أهل مدين قوم كفار ضالين يعبدون الأيكة، والأشجار والنباتات إضافة إلى أنهم سيئ الخلق والأخلاق حيث كانوا ينقصون المكيال والميزان, ولا يعطون الناس حقهم فدعاهم شعيب إلى عبادة الله وأن يتعاملوا بالعدل.
لم تكن قضية نبي الله شعيب قضية توحيد، وألوهية فقط، بل إنه كذلك كان تعديل وتقويم لأسلوب حياة الناس, فبدأ شعيب في توضيح أمور سوء تعاملهم وكما وصف ذلك في المصحف الشريف { وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } (الآية 84) (سورة هود), ولكنهم أبوا واستكبروا واستمروا في عنادهم ولم يعطوا الناس حقهم, فقد كان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء وشطارة في الأخذ والعطاء.
فقال لهم نبيهم كما ورد في القرآن الشريف { وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (الآية 85) (سورة هود), وتوعدوهم بالرجم والطرد من رحمة الله {... وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ومذكر إياهم بما قد يكون قد بقي عندهم من أخلاق أو قيم { بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } ما عند الله خير لكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } وانه يريد الخير لهم وأنه ليس موكلا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا حارسا لهم, إنما هو رسول يبلغهم رسالات ربه وأن كل ما يريده هو خير لهم { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }.
أخذ قومه يحاججونه بأسلوب جدلي وتهكمي مريض وصف المصحف الشريف قولهم { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } (الآية 87) (سورة هود), كيف يتركوا عبادة آبائهم للأشجار والنباتات, وصلاة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده, أي جرأة من شعيب هذه؟
لم ييأس نبي الله شعيب من قومه فحاول إيقاظ مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من الأمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه.
فذكرهم بقوم نوح، وبقوم هود، وبقوم صالح، وبقوم لوط, وأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالله غفور رحيم.
لكن كلام نبي الله شعيب زاد قومه أعراضا وبعدا عنه قائلين كما وصف في المصحف الشريف { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا... }(الآية 91) (سورة هود)
لقد كان ضعيف بمقياسهم, ضعيف لأن الفقراء والمساكين هم فقط من اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم, إنه المقياس البشري الخاطئ، ونسوا وأنكروا أن القوة بيد الله، والله مع أنبياءه, واستمروا بكفرهم وتهديهم قائلين كما جاء في المصحف الشريف {... وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } (الآية 91) (سورة هود) فقالوا له: لولا أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة, فعندما أقام شعيب الحجة عليهم، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد.
لكن شعيب تلطف معهم متجاوزا لإساءتهم إليه وسألهم سؤالا كان هدفه إيقاظ عقولهم { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّه... } (الآية 92) (سورة هود).
لكن قوم شعيب وصلوا لحد ضاقوا به ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه, وقرروا الدخول بمرحلة جديدة من التهديد, فهددوه أولا بالقتل، ثم تحولوا بتهديدهم بطرده من قريتهم, فخيروه بين التشريد، أو العودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والنباتات, ولكن نبي الله شعيب أفهمهم أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها, لقد نجاه الله من ملتهم، أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد, فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟.
دخل الصراع والمكابرة بقوم شعيب بأن بدئوا يطالبوه بأن ينزل عليهم العقاب فأنتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. فراحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين, وراحوا يسألونه عن عذاب الله:
فأوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.
وخرج شعيب والمؤمنين, وجاء أمره الله كما وصف بالمصحف الشريف: { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود } (95) (سورة هود).
جاءتهم غمامة كبيرة أظلتهم ففرحوا بها وتصوروا أنها تحمل لهم المطر ثم فوجئوا بالغضب, وأنهم أمام عذاب عظيم في يوم عظيم.
لقد انتهى الأمر.
أدركتهم صيحة جبارة من السماء جعلت كل واحد منهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه, لقد صعقت الصيحة كل مخلوق حي, فلم يستطع أي منهم أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه, كل ما استطاعه هو أن يجثم في مكانه مصروعا بالصيحة.