نقلت وسائل الأعلام الموالية لحزب الدعوة الحاكم فى العراق مؤخرا ، خبرا مفاده ان السيد نورى المالكى رئيس الوزراء " إستقبل بمكتبه الرسمي عائلة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم.
واطلع سيادته على أحوالهم المعيشية والمشاكل التي تواجههم ، ووعد بالعمل على توفير الرعاية اللازمة لهم، وإعادة حقوقهم.
من جهتها أعربت عائلة الزعيم عبد الكريم قاسم خلال اللقاء عن شكرها وتقديرها للرعاية التي أبداها السيد رئيس الوزراء لهم ، وإهتمامه بشؤونهم المعيشية" و ذلك حسب بيان صادر عن مكتب المالكى
أول ما يتبادر الى الذهن لدى قراءة هذا الخبر ان المالكى " الذى تحول خلال السنوات الخمس الماضية من جواد المالكى المغمور الى نورى المالكى المشهور و الى الزعيم الأوحد و القائد الضرورة للعراق الجديد " يقدر عاليا خدمات قائد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة ، مؤسس الجمهورية العراقية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم . و لكن الجيل الذى عاصر الأحداث التى أعقبت ثورة الجيش و الشعب فى يوم 14 تموز الخالد ، يتذكر جيدا ان كل القوى الرجعية المحلية ( القومية و البعثية و الدينية ) ، قد حاربت الثورة و تآمرت عليها و على قائدها منذ اليوم الأول للثورة و كان حزب الدعوة تحديدا من ألد أعداء ها، و هذه حقيقة لا يمكن للمالكى و أبواقه الدعائية أنكارها ، لأنها بكل بساطة موثقة فى أدبيات حزب الدعوة الصادرة فى عهد الزعيم عبد الكريم قاسم و من السهولة الرجوع اليها ، و نحن نتذكر جيدا الموقف الشائن لمحسن الحكيم و بيانه الشهير الذى دعا فيه الى أستباحة و هدر دم العراقيين ( الكفار) المؤيدين للثورة و قائدها .
و استقبال المالكى لعائلة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم لا يمكن ان يغير من هذا الموقف العدائى لثورة 14 تموز و قائدها و للأغلبية الساحقة من الشعب العراقى . و المالكى يعرف ذلك جيدا فى قرارة نفسه و لكنها ( السياسة ) بمفهومها المبتذل التى يمارسها المالكى و زعماء الأحزاب الدينية الأخرى. و هذه السياسة القائمة على الكذب و الدجل و النفاق هى التى اوحت للمالكى بترتيب لقاء مع من تبقى من عائلة الزعيم الشهيد ، من أجل أستغلال اسم الزعيم و منزلته الرفيعة فى قلوب العراقيين ، لتحقيق مكاسب سياسية و تلميع صورته بأعتباره من المخلصين للمبادىء السامية التى ضحى الزعيم الشهيد من أجلها . .
ان عداء حزب الدعوة الحاكم لثورة 14 تموز و قائدها كان مكشوفا و صريحا ، سواء خلال عهد الزعيم او بعد أغتياله و حتى يومنا هذا . و قد تجلى هذا العداء ، على نحو سافر قبل حوالى سنتين حين أقدم المالكى على ألغاء اليوم الوطنى العراقى المصادف للرابع عشر من تموز 1958 و أحل محله يوم دخول العراق الى ( عصبة الأمم ) و هو يوم لا يمكن مقارنته بيوم الثورة المجيدة .
و المالكى أزال كل أثر يشير الى ثورة 14 تموز، من رموز و نصب و تماثيل و أسماء . فعلى سبيل المثال لا الحصر مدينة ( الثورة ) التى شيدها الزعيم عبد الكريم قاسم من اجل حياة كريمة لفقراء العراق ، أصبحت تسمى الآن بمدينة (الصدر ) رغم عدم و جود اية علاقة للصدر بهذه المدينة. و لو كان المالكى صادقا فى تقييمه لثورة 14 تموز و قائدها ، كان بأمكانه تشييد صرح او نصب أو متحف للزعيم ، كما هو متبع فى الدول المتمدنة التى تكرم و تمجد القادة المؤسسين ، و الزعيم هو مؤسس الجمهورية العراقية .و لكن المالكى على خلاف العراقيين الشرفاء الذين يسكن الزعيم قلوبهم ، لم يهتم يوما بالزعيم ولم يصدر عنه ما ينم عن هذا الأهتمام ولم يذكر اسم الزعيم فى المناسبات العديدة التى حضرها و خطب فيها خلال السنوات الثمانية الماضية .
و المالكى بأستقباله لعائلة الزعيم فى هذا الظرف تحديدا . يريد ان يوحى للعراقيين بأنه من المعجبين بنزاهة الزعيم و أعماله الجليلة لخدمة العراق و العراقيين . و لكن الحقيقة هى ان المالكى يحاول التغطية على الفساد المستشرى فى كافة مفاصل الدولة وعلى فشله فى تقديم أى انجاز يذكر خلال السنوات الخمس المظلمة من حكمه الأسود و بضمنها مهلة المائة يوم التضليلية التى اراد من ورائها أمتصاص غضب الشارع العراقى و خداع شباب العراق المنتفضين ..
كيف يمكن التفكير ، مجرد تفكير فى أقتران اسم المالكى بأسم الزعيم الشهيد ؟
خلا ل الفترة الزمنية القصيرة التى لم تتجاوز اربع سنوات و نصف السنة ، حقق الزعيم أنجازات كبرى شملت كافة مجالات الحياة السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية و لست هنا فى معرض تعدادها ، لأن العراقيين – كل العراقيين - يعرفونها جيدا و لكن لا بد لى فى مجال المقارنة ان انوه بما يلى :
1- كان الزعيم عبد الكريم قاسم ينظر الى كافة العراقيين بمنظار واحد و من دون أى تمييز دينى او طائفى او قومى أو سياسى ، فى حين ان المالكى جمع حوله أتباعا من طائفة واحدة بعينها و هم يشغلون اليوم أهم المناصب و المواقع الحساسة فى الدولة ، و أتبع سياسة الأقصاء و التهميش بالنسبة الى بقية مكونات الشعب العراقى . و فى ظل الحكم الطائفى المتخلف أصبح بقية العراقيين مواطنين من الدرجة الثانية و بخاصة أبناء الأقليات القومية و الدينية ، و يكفى ان نقول بأن عدد المسيحيين العراقيين – و هم من أعرق سكان بلاد الرافدين الأصلاء – قد تقلص من مليون و نصف المليون نسمة الى اقل من نصف هذا العدد حيث تشرد أكثر من 750 ألف مسيحى عراقى - بينهم عدد كبير من العلماء و أساتذة الجامعات و الأطباء و المهندسين و الخبراء فى شتى الحقول - فى أصقاع الدنيا هربا من ( نعيم ) المالكى .
2 – أشرف الزعيم أشرافا مباشرا على أعداد الدستور العراقى المؤقت الذى نص على ان العرب و الكرد و القوميات الأخرى شركاء فى هذا الوطن ، فى حين ان الدستور العراقى الحالى الذى أسهم المالكى فى أعداده ، دستور رجعى غريب و عجيب جمع كل المتناقضات وكرس مبدأ المحاصصة ، و هذا الدستور الغائم العائم احد الأسباب الرئيسة لما يعانيه العراق اليوم من أزمات و مصائب و قتل و تدمير .
3 – اصدر الزعيم القانون رقم 80 لسنة 1961 الذى حدد مناطق الأستثمار لشركات النفط الأحتكارية فى حين فتح المالكى الباب على مصراعيه لعودة الشركات الأحتكارية بموجب عقود غير متكافئة فيها اجحاف كبير بحقوق العراق و ثرواته النفطية و الغازية .
4 – بادر الزعيم بعد أسابيع قليلة على قيام الثورة بأصدارقانون الأصلاح الزراعى رقم 30 لسنة 1958 لتصفية الأقطاع ، فى حين ان المالكى شكل ما يسمى بمجالس الأسناد العشائرية و أغدق عليها الأموال و يستخدمها عند الحاجة ( لحشد التأييد و التصويت لصالحه فى الأنتخابات ) و فى ( قمع التظاهرات الشعبية المطالبة بالأصلاح ) و غيرها من المهام القذرة أى أنه عمليا أعاد العراق الى عهود الأقطاع و التخلف و الظلام و القمع و تزوير الأنتخابات عن طريق شراء الذمم .
5 - – أشرف الزعيم شخصيا على أعداد ( قانون الأحوال الشخصية ) رقم 188 لسنة 1959 وهو القانون الأكثر حداثة و تقدمية فى الشرق الأوسط ، ان لم يكن فى العالم النامى عموما ، حيث حقق هذا القانون المساواة التامة بين الذكور و الأناث فى الحقوق و الواجبات و ليس أدل على المكانة الرفيعة التى احتلتها المرأة العراقية بفضل حكمة الزعيم و بعد نظره من أن عهده شهد تعيين أول أمرأة فى الشرق الأوسط فى منصب وزارى .,فى حين ان حال المرأة فى عهد المالكى بائس و مخجل ، بل مأساوى الى أبعد الحدود ، حيث تتعرض حقوق المرأة فى عراق اليوم الى انتهاكات خطيرة موثقة فى تقارير منظمات حقوق الأنسان العالمية ، سواء فى السجون السرية او فى الحياة العامة ، ناهيك عن الفصل بين الجنسين فى كل مكان ، و فرض الحجاب و النقاب و زواج المتعة حتى بالنسبة للبنات الصغيرات ... الخ
6– فى عهد الزعيم شهد العراق نهضة تنموية شاملة و تطورا فى كافة ميادين الحياة، كما أزدهر الأدب و الفنون التشكيلية و المسرح و السينما و الموسيقى ، اما فى عهد المالكى ، فقد تم القضاء المبرم على الصناعة الوطنية و تردت الزراعة الى الحضيض نتيجة للجهل المركب و الأثراء غير المشروع و و ضع أنصاف المتعلمين و أشباه المثقفين فى اعلى المناصب فى دولة الفساد المالكية . ومن مظاهر التخلف فى العراق ( الجديد ) منع و تحريم أو تحجيم كل ما هو جميل و أنسانى فى الحياة ،مثل الفنون بأنواعها و أشكالها امتنوعة .
7 - يشهد كل العراقيين بأن عهد الزعيم كان عهد النزاهة و الحرص على المال العام و ادارة شؤون البلاد و العباد على اسس حديثة و معاصرة تحتل فيها الكفاءات و أصحاب الخبرة مكان الصدارة فى تسيير دفة الحكم – أما عهد المالكى فهو عهد الفساد السياسى و الأدارى و المالى و سرقة المال العام . و المالكى حامى الفساد الأكبر فى عراق اليوم ، بل أنه يشجع الفساد و يحميه عمليا ، حيث يرفض الغاء الفقرة ( ب ) من المادة ( 136 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التى تنص على منع محاسبة أى سارق للمال العام او فاسد الا بعد موافقة الوزير المختص ، و قد نشر مؤخرا تقرير للكونغرس الأميركى جاء فيه ان أعضاء الكونغرس الذين زاروا العراق أصبحوا على قناعة تامة ان المالكى هو حامى الفساد الأول فى العراق
و لا نريد الأسترسال فى الحديث عن سياسة المالكى وحزبه الرجعى المعادى لتطلعات الشعب العراقى. و لكننا نقول أن أستقبال المالكى لعائلة الزعيم لن يخدع أحدا و لن يسهم فى تجميل صورة المالكى ، لأن العراقيين يعرفون معدن الرجال . وكعب عبد الكريم قاسم أشرف من رؤوس ساسة الفساد و النفاق و الدجل فى العراق ( الجديد )
بقلم: جودت هوشيار