من يحاول البحث في تاريخ المؤسسة الدينية في العراق ستواجهه عدة استفهامات وستوقفه بعض الاستغرابات خاصة بعد ملاحظة منهج الحوزة العلمية الذي كان منهجا كلاسيكيا تقليديا سائدا لفترة ليست بالقصيرة الى ان طرح وأشاع بعض الفقهاء مسألة ولاية الفقيه وبعد هذه المرحلة ظهر هناك اتجاهان في الحوزة الدينية أحدهما يعارض ولاية الفقيه ويقتصر على الولاية الحسبية ، ولاية الخمس والزكاة والابتعاد عن فكرة التدخل في السياسة والاتجاه الآخر يعتقد بالولاية العامة ويرى عدم فصل الدين عن السياسة ..
ولم تقف المسألة الى هذا الحد بل اخذ أصحاب فكرة الولاية الحسبية يشنون الهجمات بأشكالها المختلفة ضد أصحاب الولاية العامة لأن أصحاب ولاية الخمس والزكاة كانوا يعتبرون التدخل والكلام في السياسة من المحرمات ولا يجوز التدخل في هذا المجال مهما حصل ..
ولكن بعد عام 2003 واحتلال العراق حصل انقلاب في مواقف الحوزة العلمية من أصحاب وأتباع فكرة عزل الدين عن السياسة فلوحظ بوضوح تدخلهم في الشؤون السياسية بصورة فاعلة وقوية ومؤثرة وتحولوا من أشخاص ينددون بالعمل السياسي والتدخل فيه الى أصحاب الحل والعقد في الأمور السياسية في الصغيرة والكبيرة ولم يقتصر عملهم على الدين فقط كما كانوا يقولون بذلك ..
فهل ان منهج وخط أصحاب الولاية العامة أرغم الطرف المقابل ممن يقول بالولاية الحسبية فقط ان يغير سلوكه وينتهج نفس أسلوب من يقول بالولاية العامة ومؤسسته الإصلاحية ؟؟
وهل للسلطات الحاكمة دورا في هذا النفاق والانتهازية لامتصاص نقمة الشعب ومحاولة تهدئته وتخديره من خلال دعم أتباع الولاية الحسبية او صناعة مرجعية تابعة للسلطة والدولة تخدم مصلحتها ؟؟
وإلا فما هو تفسير الانقلاب من منهج التقوقع والانزواء والسكوت والراحة والدعة والمهادنة والولاية الحسبية الى منهج الولاية العامة والتدخل بفاعلية في الشأن السياسي ؟؟
وهذه من العجائب والمفارقات الغريبة في زماننا وعراقنا اليوم ان يتحول الخط الساكت والصامت فجأة وبدون مقدمات الى ناطق عامل متفاعل مع المجتمع حسب الظاهر وكما يصوره الإعلام المزيف ولكن حقيقة العمل والتفاعل لا يصب في صالح المجتمع بقدر ما يخدم مصلحة السلطة والحكومة كل هذا يحصل في زمن الاحتلال اللاعب الرئيس في دعم هذا السلوك والنهج الجديد وهذا الموقف الذي يجسد معنى المكر والنفاق بجدارة ..
فما هو أساس هذا الانقلاب وعناصره الأساسية ؟؟
يبين البعض السبب ويعلله بكلام المصلح وسلوكه ونظريته ولأنها تتمتع بالسمو والأحقية والقبول الفكري عند المجتمع مما جعل الطرف المقابل يقر ويعترف بصحة ذلك ولأن المجتمع ارتبط فكريا ونفسيا مع منهج ونظريات المصلحين وعندما توفرت الظروف السهلة للخط الحوزوي الانتهازي الساكت وبدعم من الحكومة والاحتلال استغل الظروف ووظف تضحيات المصلحين لجانبه فأظهر سلوكا ظاهريا من أجل خداع المجتمع وجعله يصدق أن هذا الخط المرجعي الساكت يمثل نفس الخط والمنهج الرسالي أو هو امتداد له !! ولكن الحقيقة ان ما فعله أصحاب الولاية الحسبية وما ظهر من تحول وانقلاب في المواقف ما هو إلا لأجل محاكاة ومجاراة المجتمع وكسب المنافع المالية والسمعة والواجهة وكسب رضا السلطة الفاسدة او قوى محتلة كافرة وبهذا الأسلوب ظهرت حقيقة يرددها البعض أن المرجع المصلح يكون قائدا للمجتمع وموجها له بينما المرجع الساكت الصامت يكون منقادا للمجتمع والسمعة والواجهة وهذا الخط من ابرز من يمثله اليوم في العراق على وجه التحديد مرجعية السيستاني والفياض والحكيم والباكستاني ..
وبصراحة ان هذه الانتهازية لا يتحملها جانب المؤسسة الدينية وحسب بل حتى المجتمع لما كان له من دور في هذا التأسيس حيث رضاه وسكوته على هذه الخديعة وإيجاد مقدماتها و شروطها ..
حسام صفاء الذهبي