حينما أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) هدف الثورة المباركة بـ ((إنما جئت لطلب الإصلاح في أمّة جدي آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)) معنى هذا أن هناك خلل وظلم واعوجاج استحوذ على المجتمع آنذاك واحتاج إلى صدمة وجدانية عنيفة لاستثارة وعيه وإعادة ثوابته من جديد، ولعلّ جوهر أي خراب في الأمة مصدره الجهل حتى وإن كانت هذه الأمة زاخرة بالأدباء والعلماء والمثقفين لكن الأهواء الباطلة والنوايا الفاسدة والسرائر الخبيثة هي التي توظف هذا العلم وتلك الثقافة توظيفاً باطلاً وتسخّر أدواتها لإشاعة الفساد في الأمة كي تتناغم مع مصالحها الخاصة.
ومشكلتنا في الواقع أننا لا نستقرء تاريخنا قراءة واعية ونفهم كل حركة تغييرية فهماً موضوعياً إذ نندفع دائماً بعواطف متشنجة لنفسر كل حدث تفسيراً سلبياً وضيقاً ولهذا نعيد أخطاء الماضي ونكرر التجربة بإدراك ناقص.
((فالمجتمع)) الذي قتل حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيد شباب أهل الجنة كان مسلماً ومؤدياً لجميع فروضه لكنه مغيباً عن الوعي، مستغرقاً في المظاهر والأنانية ممّحياً لثوابته، متأرجحاً بين الحق والباطل، متذبذباً بين الرشاد والضلال، والإعلام كان متواطئاً مع السلطة بشكل يسيّس الحقائق ويشيع الفتنة ويمزّق الصفوف ليتشرذم المجتمع بفئوية هشة يمكن استضعافها والسيطرة عليها.
ولماذا الوعي؟
الوعي يعني أن تدرك الموقف بعقلانية وموضوعية بعيداً عن الاحتقانات المذهبية والعرقية والعنصرية وأن تتقبل معايشة الآخر ومواطنته بروح السلم والمحبة ثم تفهم أن هذا التفاوت والتباين والتمايز في الطبقات والتعددية في المذاهب والفروقات في الانتماءات أمور بديهية وآية من آيات الله في خلقه وهي ما اختلفت إلاّ واتفقت في هدف التكامل الإنساني والالتفاف حول محور واحد هو الله سبحانه خالق الخلق، قطعاً هي مبررات البناء لا الهدم وهكذا تُفهم حقيقة الخلق الإنساني ودوافع هذه الاختلافات في الأجناس والأعراق والألوان والأمم فقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف ونبني الحضارات ونعمّر الأرض.
وحركة الإمام الحسين (ع) الإنسانية ثورة على الفتنة ومدعاة لوحدة الصف واجتثاث لجذور المفاسد العقائدية والفكرية ودرءاً للمغالطات والشائعات المغرضة التي تفكك مشاعر الأمة وتغيبها عن هدفها الأسمى ولهذا عملت كل هذه الأسباب المتراكمة على دفع المجتمع باتجاه منحرف فقتلت إمامها بعد أن ضللها الإعلام وشككها بهويته الحقيقية فظنت أنه أحد الخوارج ممن يستحق المقاتلة فأباحت دمه وسبي نسائه وارتكاب مجزرة دموية مفجعة.
لقد قدم الإمام الحسين (ع) رقبته على مذبح الكرامة لاستفزاز العقول المغيبة والضمائر النائمة كي تعود إلى رشدها ووعيها وتقشع عن عينيها تلك الرؤية الضبابية المغبشة.
`]فحينما نستوعب أبعاد ثورة الحسين (ع) وتداعياتها النهضوية نفهم أن الوعي من أولويات وحدة الصف ومسوّغ لمخاطبة الآخر بلغة إنسانية محبة تستبطن نوايا سليمة وذهنية راشدة ومبرراً لخلق مناخ المؤاخاة بأجوائه الحضارية الصافية، فهذا هو الهدف الذي ناضل من أجله الأنبياء والرسل والأئمة والخلفاء والعلماء.
مع الاسف الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هوة الحد المعطل في وقتنا الحاظر بحجة عدم توفر شروطه عندما يكون الانسان منا على قدر من الوعي وادراك لما حوله من مواقف ومؤثرات بالتالي سوف تكون اجابته لكل هذه الامور
أيجابيه , فعندما يكون هناك وعي في مجتمع ما حتما سيكون الرقي والتقدم نصيب ذلك المجتمع في شتى المجالات
والامام الحسين في كل فعل في ثورته يقدم لنا درسا عظيما , يقدم لنا كيف ننهض بمجتمعاتنا كيف نتوحد جميعا..