هل المراجع والعلماء يقلدون الناس أو أن الناس يقلدون المراجع والعلماء؟
لا غرابة من هذا التساؤل فقد مرّت في التاريخ الشيعي خصوصاً، وفي التاريخ الإسلامي عموماً، أحداث ومراحل لم يستطع فيها المرجع الفقيه أن ينطق بما يراه، وقد ذَكَرْتُ أكثر من مرة قول المرجع البروجردي كما نقله الشهيد مطهري عنه بأنه كان يتوقع حين يتسلم زمام المرجعية بأن عليه أن يفتي وعلى الناس أن يتقيدوا بفتاواه دون أدنى شك حيث جاء عنه: ( ليس ثمة ما يدعو للعجب، فالتقية من أصحابنا أهم وأعلى. أنا نفسي في أوائل بلوغي مرحلة المرجعية العامة كنت أظن أن عليَّ أن استنبط الأحكام وعلى الناس العمل بها، فما أفتي به يعمل به الناس، رأيت أن الأمر ليس كذلك) .
لكن ذلك لم يتم بل كانوا يقولون للسيد البروجردي: إننا نقلدك في كل أيام السنة إلا في عشرة عاشوراء! وماذا يعني هذا؟
سؤال أترك جوابه للناس عموماً وللعلماء خصوصاً.
ولسنا بعيدين عن السيد البروجردي وما كان يجري حوله وقبله وبعده ، ودون الكلام الكثير نتساءل:
هل أن المرجع الفلاني اليوم يستطيع أن يفتي بكل ما يراه حتى لو خالف الناس؟
وهل أن العالم الفلاني يستطيع أن يبدي رأيه المخالف للناس؟
أصبحنا اليوم هكذا:
المرجع لا يستطيع أن يفتي بما يخالف الناس، وإمام الجماعة لا يستطيع أن يتكلم بما لا يقبل به الناس، والكاتب لا يستطيع أن يكتب ما يعلم خوفاً من أن يهيج الناس، والعالم العلاّمة لا يستطيع أن يتفوه بما يعارض الناس. فالناس هم المعيار للفتوى والمعيار للحق والباطل والصدق والكذب.
سبحان الله!! يخافون من الناس ويخشونهم أكثر من خوفهم وخشيتهم من الله، بل إنهم ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ﴾. أي يستترون من الناس حياء منهم وخوفاً من ضررهم كما جاء في بعض التفاسير. ونسوا أن ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾. من كانوا!.
وعجباً أن ترى بعض العلماء يقولون ويرددون: لا تربك الناس ولا تهيجهم ولا تزعزع أفكارهم حتى وإن كانت خاطئة، فلا بد من كتمان الحق خوفاً من الناس، ولابد من تغييب الحقيقة فما كل يُعرف يُقال.
الله الله في الناس! لا تزعجوهم ولا تقولوا ما يخالفهم ولا تتفوهوا بما يزعجهم ويخالف أفكارهم.
الله الله فيهم فهم أهل الفتوى وهم أهل الأفكار الصحيحة والعقائد الحقة التي لا يستطيع أي عالم وأي مرجع أن يخالفهم، بل إنهُم هم المقلَدون.
ولنا في القضايا التاريخية والعقائدية أشد الأثر فليس لأحد الجرأة على مخالفة معتقدات الناس ومرتكزاتهم الذهنية الذاتية ، وليس لأحد الجرأة على مخالفة موروثات الناس التاريخية المكتسبة حتى أكبر مرجعية شيعية لا تستطيع أن تخالف الرأي السائد للناس وإلا أُسقطت مرجعيتها وصارت علكة في أفواههم لا تُستساغ.
وأقول للعلماء: الله الله في الناس لا تتجرؤوا على مخالفتهم ولا تمدوا أعينكم أبعد من نظرهم، ولا تفكروا بما يخالف آراءهم.
اكتموا الحقيقة واخفوا عنهم كل أثر عقائدياً كان أو فقهياً، بل إن الأمور العقائدية لابد أن تخفى عنهم أكثر من القضايا الفقهية. اسمعوا للناس وقولوا ما يقولون واعتقدوا بما يعتقدون وافتوا حسب ما يرون فهم المراجع وأنتم المقلدون.
إننا في واقع مأساوي! يُحارب فيه العالم الجريء الذي يصدح بالحق أمام الناس، وممن يُحارب؟! من أبناء صنفه ونوعه والأدهى والأمّر أن يستخدم الناس وسيلة لمحاربته والفتك به وبأفكاره وإسقاطه من أعينهم، إرضاءً للناس وتطييباً لخواطرهم وأفكارهم القرآنية السليمة وعقائدهم النيّرة!.
فسبحان الله حين تمسون وحين تُصبحون.
الشيخ عباس الموسى