هل يكذب صاحب «السماحة»؟

تتجلى في واقعنا صورة المجتمع المتدين المشرق، الجميل بكل لوحاته الزاهية في ألوانها، المتألقة بصفائها ونقائها، وسريرتها الطاهرة. واقعٌ فرضه فينا وعلينا المسجد والحسينية وتعاليمنا الدينية مذ كنا صغاراُ. نعيش سوية ونذهب سوية، ونعمل سوية أيضا. يجمعنا أننا جميعا ولدنا في الجو الديني الجميل، الذي علّمنا الوفاء، والحب، والتآخي. ربما أكثر ما ميّز المدار الذي نعيش فيه أنه يدور حول فلك واحد، سواء من المحيط أو التكوين أو التفكير، فنشترك في العمل والمكان، ونختلف أحيانا في الفكرة والتطبيق، لكن يجمعنا الحب، والإخلاص، فالإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية مادمنا صادقين مع بعضنا لأن الاختلاف بلغته الجميلة، وحقيقته التي تثري الواقع الذي نعيش سيكون لغة حضارية تجعلنا نسمو نحو مجتمع يرتقي بنفسه بكل شفافية ووضوح.

إن الصدق والشفافية هما ميزتان مهمتان من ميزات التواصل والرقي في العلاقات الإنسانية، فهما يجسدان رابطة مهمة في سلوك التعامل بين المجتمعات البشرية في إطار سعيها نحو تقوية أواصر المحبة والاجتماع ونقاط التلاقي، حيث إنها تساعد وبشكل كبير جدا في النهوض بالآخر، وتقوية الثقة وحلحلة الخلافات والمسائل العالقة التي تشكل أحيانا محطات مفصلية في تغيير الكثير من الآراء والتوجهات.

رغم ذلك فإننا مع الأسف نصل في بعض الأحيان الى نقاط التباس بينة جلية في واقعنا الذي نعيش فيه، نتغاضى عنها بحجة أن فلانا من الناس رجل دين، وأن رجل الدين لا يكذب أبدا، فهو مهما قال ومهما فعل فعمامته تشفع له!

لقد رأيت في أحد الأيام رجل الدين الذي يرتبط بعلاقة وطيدة ومباشرة معي وأصدقائي ومحيطي الذي أعيش فيه يتكلم مع مجلس من الأصدقاء وقد كان يذكر شخصا آخر وينعته بالسوء، ويصفه بالكذب، والفساد، وقلة الأمانة.

وعندما ترتب الأثر عند الأشخاص الذين كانوا في المجلس، وصاروا ينقلون الكلام عن رجل التقوى بعينهم " صاحب السماحة "، وهم مطمئنون بفساد الرجل الذي غابه صاحب السماحة، بادر أحدهم لسؤال صاحب السماحة عن ما ينقلوه عنه فبادره بكل صفاقة بقوله: كذب، وهذا الكلام غير صحيح أبدا!!

أثارت هذه الحادثة شجوني، وهيجت مشاعري، لعلمي أن هذا الكلام مجانب للصحة تماما، لأنني كنت ممن حضر المجلسين وأعلم ما قاله صاحب السماحة، لكن ظل السؤال الذي يؤرق مضجعي هل يمكن أن يصدق الآخرون بأن رجل الدين يكذب؟! ولماذا فعل صاحب السماحة هذا الفعل؟

أسئلة كثيرة قد تحوم حول أي إنسان يرى هذا الأمر بأم عينيه، ويبصر حالة التفكك الاجتماعي والأسري بين أحبائه وهو غير قادر على تغيير الحال.

أحمد الله أن ما رأيته كان حلماً، لأنه لو كان حقيقة فأنا سأكون شاهدا بكل ألم على حالة التفكك، وانقطاع الصلة بين أحبائي وأصدقائي، فلا أحد ربما يصدقني حينما أقول بأن " سماحة العلامة " كان كاذبا، أو أنه سبب في الشتات الذي سنعيشه.

لذلك فإن من وجهة نظري أن كذبة رجل الدين ليست أمرا طبيعيا يجدر بنا محاكاته بأسلوب أن كل ابن آدم خطاء، لأن الرجل الدين الذي يرتدي العمامة والصاية عليه أن يحترم زيه الديني، والرسالة التي من المفترض أن يكون حاملا لها بدلا من أن يشغل الناس في تحقيق أهوائه ومصالحه الدنيوية، والا فإن زي رجل الدين لا يليق أبدا بمن يُكتب عند الله سبحانه وتعالى " كذابا ".

وقد شدني توصيف بشار بن برد للكذب عندما قال:

لايكذب المرء الا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جد وفي لعب


وقانا الله وإياكم شرور الكذب ومساوئه، ولا جعلنا الله من الكذابين.. وتقبل الله أعمالكم!



السيد هاشم آل اسماعيل