لا شك في أن علياً عليه السلام هو ولي الله وحجته على خلقه والدليل الدال على الله الذي من تمسك به نجا ومن تخلف عنه غرق وهوى وضل ضلالاً بعيداً، ولا شك أنه لا أحد يوازيه أو يساويه أو يقاربه في الفضل والمنزلة والكرامة من الصحابة وعامة الناس، فهو أفضل الجميع بعد رسول الله، كيف لا وقد تربى في كنفه وتعلم منه وهو القائل علمني رسول الله ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.
ولا شك في أنه أمير المؤمنين والأولى بالخلافة من غيره بمقتضى الدليل القطعي الثابت عن الشريعة.
وليس الحديث عن هذا فهذا معتقد عندنا نحن الإمامية فهو كالجبال الراسية لا تزلزله التحديات والمحاربات والمجادلات العقيمة وليس هذا أصل الموضوع والكلام وإنما الكلام في أنه: هل كل ما هو معتقد عندنا يصح أن ندخله في العبادات المحددة من قبل الشارع أم؟
وبدواً نقول: قد أوضح الشهيد الأول والثاني في شرح اللمعة الدمشقية عدم صحة ذلك حيث قالا: كما [«ولا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه» الفصول «في الأذان والإقامة كالتشهد بالولاية» لعلي عليه السلام «وأن محمدا وآله خير البرية» أو خير البشر «وإن كان الواقع كذلك» فما كل واقع حقا يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعا، المحدودة من الله تعالى فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعا، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهدا، أو نحو ذلك من العبادات، وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان، لا من فصول الأذان. [1]
ونحن انطلاقاً من كلام الشهيدين ننطلق لنبحث هذا الموضوع في عدة نقاط:
الأولى: هل يصح إدخال المعتقدات في الأذان بحجة الاعتقاد بها أو مشروعيتها
الثانية: هل الشهادة الثالثة جزء من الأذان؟
الثالثة: ما معنى إدخال شيء في الأذان مع توقيفيته؟
إدخال المعتقدات في الأذان:
مع أن الشهيدين أنكرا ذلك[2] إلا أن هناك من يقول بأنه لا ضير في أن يكون ما هو معتقد وثابت شرعاً استحبابه أن يدخل في الأذان لاستحبابه المطلق.
وفيه: لماذا الحصر بالشهادة الثالثة في الأذان؟ فلندخل كل ما هو ثابت شرعاً في الأذان كالتسبيح والتحميد والتمجيد وقراءة القرآن، وقول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»، والاستغفار بشتى الأساليب والصلاة على محمد وآل محمد، وغيرها من المستحبات المؤكدة في جميع الأوقات والأمكنة فهذه أمور مستحبة شرعاً في كل الأوقات، فما المانع من قراءة الفاتحة مثلا بعد التكبير أو بعد حي على الصلاة أو بعد أي فصل من فصول الأذان؟
كما أن أولي العزم هم أفضل الرسل كما جاء في الروايات وأثبت تلك الأفضلية القرآن حين قال«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»وقوله تعالى «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ» فهذا ثابت في العقيدة الإسلامية ومضمونها صحيح، فهل يصح حينئذ إدخال الإقرار بالشهادة لأولي العزم بالأفضلية كأن نقول مثلا «اشهد أن أولى العزم خير خلق الله»؟
وما ورد في زيارة وارث مثلا من مضامين صحيحة فهل يصح أن ندخلها بعد الإقرار بالشهادة لله بالوحدانية كأن نقول مثلاً:
«وأشهد أن آدم صفوة الله، وأشهد أن نوحاً نبي الله، وأشهد أن إبراهيم خليل الله، وأشهد أن موسى كليم الله، وأشهد أن عيسى روح الله».
وهل يستحب أيضاً أن نعمم القول باستحباب ذكر بقية الأئمة في الأذان ومن غيرهم منزلة في ولاية الله «أشهد أن الحسن ولي الله، وأشهد أن الحسين ولي الله.... وأشهد أن المهدي ولي الله» ولا مبرر للقول بأن ولاية علي كافية في ذلك أو أن ذكر حجج الله كافية.
ولا شك في أن مريم المقدسة ولية الله وآصف بن برخيا أيضاً وهارون أخا نبي الله موسى وأوصياء جميع الأنبياء، وعليه لا ضير ولا منافاة في ذكر أولئك في الأذان.
ونستطيع أن ننسج ما يتوافق لفظاً مع فصول الأذان بحيث لا يختلف من حيث الصورة التصويرية لفظاً عنها وحينئذ لا مانع منه.
ولو كان كل ما هو ثابت الاستحباب خارج الأذان لا ضير في إدخاله فيه، فسينسج كل فرد أذاناً من عنده مختلفاً عن الآخر وليس هذا مراد الشرع قطعاً.
يقول الشهيد الثاني في روض الجنان:
«وأما إضافة أن عليا ولى الله وآل محمد خير البرية ونحو ذلك فبدعة وأخبارها موضوعة وإن كانوا عليهم السلام خير البرية إذ ليس الكلام فيه بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقى من الوحي الإلهي وليس كل كلمة حق يسوغ إدخالها في العبادات الموظفة شرعا». [3]
لكن من يقول بذلك لا يقول بإدخال أي ما هو مستحب شرعاً في الأذان ولا أي ما هو معتقد قطعي، وعليه يكون ذلك ترجيحاً بلا مرجح، وتخصيصاً بلا مخصص وتقييداً مع إطلاق!!
وقد يقول بعضهم:
إنَّ مضمون الشهادة بالولاية لعليٍّ لو كان منافيًا للشريعة وكان على خلاف ما هو ثابت في العقيدة الإسلاميَّة لكان الإقرار بها والإجهار باعتقادها محرَّمًا، أما إذا لم تكن كذلك وكان مضمونها صحيحًا فلا مانع حينئذٍ شرعًا من الإعلان عن الاعتقاد بمضمونها في الأذان من هذه الجهة.
وفيه: أن الشهادة الثالثة لو كانت مشروعة في الأذان، لوجب أن يقوم دليل شرعي يقطع العذر على ذلك، ولا دليل عليها، ولا خلاف في أن من ترك الشهادة الثالثة في الأذان لا يلحقه ذم، لأنه إما أن يكون مسنونا كما هو قول بعض متأخري متأخري المتأخرين[4] ، أو غير مسنون كما هو قول المتقدمين والمتأخرين بل من وضع المفوضة، وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه، وما لا ذم في تركه ويخشى في فعله أن يكون بدعة ومعصية يستحق بها الذم فتركه أولى وأحوط في الشريعة.
يقول المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد:
«.. أما إضافة أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية وأمثال ذلك فقد صرح الأصحاب بكونها بدعة وإن كان حقا صحيحا إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعي ولم يثبت...»[5]
لذا فإن العلامة الحلي يقول:
«ولا يجوز قول " إن عليا ولي الله " و" آل محمد خير البرية " في فصول الآذان، لعدم مشروعيته». [6]
بل أجمع الأصحاب على خروج الشهادة الثالثة من الأذان كما قال كاشف الغطاء:
«وليس من الأذان قول اشهد أن عليا ولي الله أو أن محمدا واله خير البرية وان عليا أمير المؤمنين حقا مرتين مرتين لأنه من وضع المفوضة لعنهم الله على ما قاله الصدوق ولما في النهاية أن ما روى أن منه أن عليا ولي الله وأن محمدا واله خير البشر أو البرية من شواذ الأخبار لا يعمل عليه وما في المبسوط من أن قول اشهد أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام وال محمد خير البرية من الشاذ لا يعول عليه وما في المنتهى ما روى من أن قول أن عليا ولي الله وال محمد خير البرية من الأذان من الشاذ لا يعول عليه ثم إن خروجه من الأذان من المقطوع به لإجماع الإمامية من غير نكير حتى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب ولأنه وضع لشعائر الإسلام دون الإيمان ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمة عليهما السلام». [7]
وقال أيضاً: «ولأنه لو كان من فصول الأذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يخف على أحد من آحاد نوع الإنسان وإنما هو من وضع المفوضة الكفار المستوجبين الخلود في النار ولعل المفوضة أرادوا أن الله تعالى فوض الخلق إلى علي عليه السلام فساعده على الخلق فكان وليا ومعينا فمن أتى بذلك قاصدا به التأذين فقد شرع في الدين ومن قصده جزءا من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه». [8]
توقيفية الأذان بدون الشهادة الثالثة:
ما معنى التوقيفية؟ وهل أن الأذان أمر توقيفي أو لا؟
التوقيفيّ معناه هو التعبّديّ، أي التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زيادة ولا نقصان.
هل الأذان توقيفيّ بمعنى لزوم إتيان فصوله كما هي، أم إن لنا الحق في الزيادة والنقصان حسب ما تقتضيه المصلحة وهل هناك فرق بين الأمور التوقيفية العباديّة وغيرها، وبين الواجبات والمستحبات، أم لا؟
وهل توقيفية الأذان كالقرآن لا يمكن الزيادة والنقيصة فيه؟ أم أن توقيفيته هي بشكل آخر؟
والجواب على ذلك: أنه ليس هناك فرق بين التوقيفيّ في العبادات والتوقيفيّ في المعاملات، وكذا لا فرق بين التوقيفيّ في الواجبات والمستحبّات، فعلى المكلف أن يؤدّي ما سمعه وعقله على الوجه الذي أمر به سواء أكان في العبادات أو المعاملات، وسواء أكان مستحباً أم واجباً.
وقد يقال: إننا في مسألة الزواج مثلاً ليس عندنا صيغة واحدة فلنا أن نقول «أنكحت» أو «زوّجت» أو «متّعت»، فلو أتى العاقد بأي صيغة منها صح زواجه، فأين التوقيفية هنا؟
ونقول: أن التوقيفية - في المعاملات أو العبادات - لها لحاظ معين فبعضها يتعلق بأمر كلي فمتى ما أتي بمصداق من مصاديق هذا الكلي صح الأمر كما هو في إنشاء الزواج بأي صيغة كانت من الصيغ المذكورة، وبعضها يتعلق بالنص أي أننا نتعبد بالنص كما هو بدون تبديل أو تغيير كما هو الحال في القرآن الكريم فإننا نتعبد بنصه دون زيادة أو نقصان ألا ترى أنك لا تستطيع أن تبدل كلمة مكان كلمة في القرآن ولا تبدل آية مكان آية، ففي سورة الإخلاص مثلا لا نستطيع أن نبدل قوله تعالى «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ» مكان قوله تعالى «اللَّهُ الصَّمَدُ» بل في الآية الأولى «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ» لا تستطيع أن تبدل قوله «لَمْ يُولَدْ» مكان «لَمْ يَلِدْ» مع أن المعنى لا يتغير.
إذا اتضح هذا الكلام وهذا التفريق، فنتساءل عن توقيفية الأذان هل هي من القسم الأول الذي يتحقق بأي وسيلة وبأي طريقة أو أنه من قبيل القسم الذي نتعبد فيه بما ورد في النص؟
والحق أنه من قبيل القسم الثاني فهو كالقرآن فكما أن رسول الله ليس من حقه أن يبدل في القرآن كما قرر ذلك القرآن «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» والشاهد هنا «مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ» لماذا؟ لأنه من الله وما جاء عن الله لا يصح تبديله أو تغييره، وكذلك الأذان فهو من الله ومن الثابت المعلوم أن الأذان توقيفيّ، وقد ذكرنا في الحلقة الأولى نصوص أهل بيت النبيّ الطاهرين الدالّة على أنّه شرّع في الإسراء والمعراج، وللاستئناس نذكر الرواية الأولى هناك وهي ما رواها الشيخ الكليني عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر الباقر - عليه السَّلام - قال: لمّا أُسري برسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلى السماء فبلغ البيت المعمور، وحضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ وأقام فتقدم رسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وصفَّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ. [9]
ألا ترى أنك لا تستطيع تبديل شيء مكان شيء في الأذان، فمثلا لا تبدل قول «حي على الصلاة» مكان «حي على الفلاح» أو «حي على خير العمل» أو العكس، وكذلك لا تستطيع إنقاص شيء من ذلك وكذلك الحال في الزيادة.
إذاً توقيفية الأذان تقتضي أن نلتزم بما جاء في النص وما جاء في النص – مرويات أهل البيت – خالٍ من الشهادة الثالثة وسيتضح ذلك أكثر فيما يأتي بإذن الله.
عدم جزئية الشهادة الثالثة في الأذان:
هل هناك من يعتقد بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان أم لا؟
أولاً: لا يوجد من العلماء من يؤمن بجزئيتها في الأذن ما عدا ما جاء عن السيد صادق الشيرازي «حفظه الله» في كتابه المسائل الإسلامية «المسألة 977: يتألف الأذان من عشرين فصلاً هو:... فذكر الفصول مع الشهادة الثالثة» وفي «المسألة: 978 قال: إن «أشْهَدُ أنَّ عَلِيّاً وَليُّ اللّهِ» جزء من الأذان والإقامة على الأقرب وقد أشير إلى ذلك في بعض الروايات».
وأقول: إنه أول من قال بالجزئية ولا أعلم مستنده لأنه لا توجد ولا رواية واحدة تتحدث عن ذلك إلا إن كان يقصد ما جاء في كتاب السلافة المجهول أو رواية الاحتجاج وسيأتي الحديث عنهما.
وقد أنكر جزئية الشهادة الثالثة في الأذان جميع الفقهاء باستثناء ما ذكرناه ويمكن ذكر جملة منهم:
1- الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط والنهاية.
3- الشهيد الأول في البيان.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفوائد.
5- الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء.
6- والميرزا القمي في غنائم الأيام.
7- والشيخ الجواهري في جواهر الكلام.
8- وآقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه.
9- والعلامة اليزدي في العروة الوثقى.
10-السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة.
11- والسيد الخوئي في كتاب الصلاة.
12- وجميع الفقهاء المعاصرين في رسائلهم الفقهية.
الشيخ المفيد والسيد المرتضى وفصول الأذان:
ولا بد هنا من الإشارة إلى ما نقله الشيخ المفيد، فقد تناول فصول الأذان والإقامة في كتابه المقنعة[10] ولم يتعرض للشهادة الثالثة في الأذان لا من قريب ولا من بعيد بل لم يعلق بالنفي كما فعله الشيخ الطوسي – وهو تلميذه – مما يدلل على أن الشهادة الثالثة ليست مشروعة وليست جزءاً وليست محل نقاش عند الشيخ المفيد، فليس محتاجاً هو للنفي كما هو الحال عند بعض العلماء لأنه لا يراها واردة أصلاً وإلا لعلق بالنفي على أقل تقدير فتأمل.
وكذلك الحال بالنسبة للسيد المرتضى فلم يتعرض في كتبه إلى الشهادة الثالثة عند تعرضه لمناقشة الأذان كما في الناصريات والانتصار[11] فقد حاول فيهما مناقشة التثويب من حيث الكراهة و«حي على خير العمل» من حيث الإثبات ولم يتعرض للشهادة في طيات أبحاثه وذلك لعدم مشروعية ذلك عنده.
وهناك العديد من المتقدمين ممن تناول الأذان والإقامة في كتبهم الفقهية دون الإشارة إلى الشهادة الثالثة لا من قريب ولا من بعيد مما يدلل على التسالم بين الفقهاء على عدم مشروعيتها في الأذان أصلاً ونذكر منهم:
1- سلار بن عبدالعزيز في المراسم العلوية.
2- القاضي ابن البراج في المهذب.
3- ابن حمزة الطوسي في الوسيلة.
4- ابن زهرة الحلبي في غنية النزوع.
5- وابن ادريس الحلي في السرائر
6- والمحقق الحلي في المختصر النافع والمعتبر.
7- والعلامة الحلي في تحرير الأحكام والتذكرة.
وهكذا الوضع إلى أن يصل الحال إلى الشهيدين – كما في شرح اللمعة الدمشقية - حيث بدءا في رفض مشروعية الشهادة الثالثة كما مرّ ذكره أعلاه.
ويؤيد ما نقول، ما قاله الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «ثم إن خروجه من الأذان من المقطوع به لإجماع الإمامية من غير نكير حتى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب». [12]
القول بجزئية الشهادة الثالثة بدعة:
وعلاوة على أنها ليست بجزء فإن القول بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان يعد بدعة لأنها إدخال ما ليس في الدين في الدين، كما ذكر ذلك بعض الأعلام:
قال الشهيد الثاني:
«وأما إضافة أن عليا ولى الله وآل محمد خير البرية ونحو ذلك فبدعة وأخبارها موضوعة وإن كانوا عليهم السلام خير البرية إذ ليس الكلام فيه بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقى من الوحي الإلهي وليس كل كلمة حق يسوغ إدخالها في العبادات الموظفة شرعا». [13]
وقال المحقق السبزواري:
«أما إضافة ان عليا ولي الله وآل محمد خير البرية وأمثال ذلك فقد صرح الأصحاب بكونها بدعة وإن كان حقا صحيحا»[14]
وقال السيِّد الخوئي فيما قال: «لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت من متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإيمان، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعًا وراجح قطعًا في الأذان وغيره وإنْ كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئيَّة بدعة باطلة وتشريعًا محرَّمًا حسبما عرفت»[15] .
والفرق بين كلام الشهيد الثاني والمحقق السبزواري من جهة وكلام السيد الخوئي من جهة أخرى أن كلام الشهيد والسبزاوري في اعتبار الشهادة بدعة على إطلاقه أي دون تحديد اعتبار الجزئية من عدمها، أما السيد الخوئي فقد اشترط اعتبار الجزئية فلاحظ.
وعلى ذلك يعتبر من يقول بجزئية الشهادة الثالثة مبتدع في نظر السيد الخوئي حسب موازينه، وأما على موازين الشهيد الثاني فكل من يدخل الشهادة الثالثة في الأذان فهو مبتدع.
الشهادة الثالثة والروايات:
سنفصل الكلام عن الروايات ومناقشة القول باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان في الحلقة المقبلة ولكن نتعرض إلى الروايات بشكل إجمالي لنقول:
أولاً: في الكتب الحديثية الأربعة وغيرها توجد روايات تتحدث عن فصول الأذان منقولة عن أهل بيت العصمة وكلها لا تحتوي في فصولها على الشهادة الثالثة.
ثانياً: ذكر الحر العاملي في وسائله 24 رواية تتحدث عن فصول الأذان، لا توجد ولا رواية واحدة تذكر الشهادة الثالثة في ضمن فصول الأذان.
ثالثاً: منذ تولي أمير المؤمنين الخلافة وإلى زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لم نجد تقريراً واحداً منهم لإثبات الشهادة الثالثة في الأذان.
وبعبارة أوضح: إن هناك أصحاب خلص وأوفياء للأئمة عليهم السلام وكان هؤلاء الأصحاب ينقلون كل كلمات وحركات وسكنات الأئمة فلم ينقل عنهم – بعد الخوف من السلطان تقية – أنهم كانوا يمارسون الأذان بالشهادة الثالثة خلسة وخيفة. كما لم ينقل في الروايات أن هؤلاء الأصحاب كانوا يؤذنون بهكذا أذان ليقرهم الأئمة على ذلك. لأن المتأمل لروايات أهل البيت يجد أن هناك مواقف حتى في صلاتهم عليهم السلام كانوا ينقلونها فمن باب أولى للراوي أن ينقل أنه سمع الإمام يؤذن في صلاته بالشهادة الثالثة.
لذا قال الشيخ الصدوق أن الشهادة الثالثة مما أضافها المفوضة في الأذان حيث ذكر كيفية الأذان ولم يذكر في فصوله «أشهد أن علياً ولي الله» ثم قال:
هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان " محمد وآل محمد خير البرية " مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله " أشهد أن عليا ولي الله " مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك " أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا " مرتين ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون أنفسهم في جملتنا. [16]
رابعاً: ما المعتبر والحجة عندنا – نحن الإمامية – هل هو روايات أهل البيت أم غيرها – أي المنقولة عن أهل البيت – فإن كان الجواب روايات أهل البيت، قلنا لم يأت في روايتهم سلام الله عليهم ما يدلل على وجود روايات من هذه القبيل.
[1] شرح اللمعة - الشهيد الثاني - ج 1 - ص 573
[2] قد يقال أن رأي الشهيدين غير ملزم لنا فنحن أبناء الدليل أينما مال نميل، فنقول: إذن نتحرك في هذه القضية أيضاً من الدليل ولا عبرة بكلام أحد هكذا.
[3] روض الجنان «ط. ق» - الشهيد الثاني - ص 242
[4] نقصد بهذا المصطلح من جاء بعد القرن الثاني عشر كما سوف يأتي بيانه من أن أول من قال بذلك العلامة المجلسي فلا تستعجل.
[5] ذخيرة المعاد «ط. ق» - المحقق السبزواري - ج 1 ق 2 - ص 254
[6] نهاية الإحكام - العلامة الحلي - ج 1 - ص 412
[7] كشف الغطاء «ط. ق» - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - ج 1 - ص 227 - 228
[8] كشف الغطاء «ط. ق» - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - ج 1 - ص 227 - 228
[9] الكليني: الكافي: 3/302 باب بدء الأذان الحديث 1. ونقلها صاحب الوسائل في ج 5 / 369.
[10] المقنعة – للشيخ المفيد ص 97 - 103
[11] راجع الناصريات – الشريف المرتضى ص 177 وما بعدها وكذلك الانتصار ص 137
[12] كشف الغطاء «ط. ق» - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - ج 1 - ص 227 - 228
[13] روض الجنان «ط. ق» - الشهيد الثاني - ص 242
[14] ذخيرة المعاد «ط. ق» - المحقق السبزواري - ج 1 ق 2 - ص 254
[15] كتاب الصلاة - السيد الخوئي - ج 2 - شرح ص 287 - 289
[16] من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 290 - 291