تعتبر الطقوس البدائية أداة للتذكير واستجابة لنزعة جماعية في الحفاظ على الماضي وعلى المألوف فيه وهي وسيلة لمواجهة كل تغيير.
فالطقس البدائي يميل الى ديمومة الحدث الاسطوري أو الاجتماعي الذي أوجده.. وهو اعادة خلق لأساطير تعمل بطريقة مستقلة عن الوقائع الدينية، ولم تحدد بتأريخ وهي طقوس تنصهر فيها الخرافة والبدعة.. الا أنّ الطقوس الدينية ورغم التفاوت في الأديان السماوية الثلاثة الا انها تختلف عن الطقوس البدائية، فالطقوس الدينية محكومة بتاريخ وحدث مؤرخ له والبدائية لا مكان أو زمان محدد لها، وان أكثرها طقوس سرية وتمارس حسب الفصول في بعض الدول، والبعض منها أصبح عادات وتقاليد لا علاقة لها بوعي الانسان ونضج عقله وتقدم معارفه وعلومه، والدينية ترتبط بأشكال من السمو الروحي والتطهير العقلي..
والطقوس البدائية حركات سحرية وأقنعة رعب وجنون يقلد فيها الإنسان الحيوانات، وهي شعائر لازالت تمارس في استراليا والبرازيل والكثير من الدول الافريقية، وأمريكا من خلال الهنود الحمر، وهناك (80) مليون ياباني يمارسون طقوس عبادة الأجداد، ويعتبر دوركهايم طقوس الاستراليين الاصليين واليابانيين بأنها احياء للشعور الجماعي، والمحافظة على الترابط الاجتماعي، أما الطقوس العاشورائية، ورغم بعض الشوائب التي سادتها، الا انها تحمل قيمة معنوية ومبدئية عالية، وفكراً إصلاحياً تسامحياً، وبما ان ظمير الاديان ايقاضاً مستمراً وتذكيراً دائماً بالمبادئ فالحسين كان ويبقى الفادي للاديان.. وعاشوراء محفزة للابداع.. وهي مبدئية تدعو الانسانية الى مزيد من التأمل لمعرفة الحق الذي يحُرر.. وقد استفاد الكثير من القادة والثوار في العالم من ملحمة ومأساة كربلاء، وخاصة قادة الثورة الجزائرية، والثورة الصينية، والمهاتَما غاندي، بل ان روجيه دوبريه المفكر الفرنسي اليساري يقول لم أجد أفكاراً ثورية تحفز الجماهير مثل احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين في كربلاء، وانتظار يسوع المسيح المختبئ الذي سيعود.. ويعتقد ان هذه المعتقدات ترتكز على افكار متماسكة قوية تحرك الجماهير وتعدل اتجاه التاريخ وتعتبر الطقوس وخاصة المقدسة أفضل الطرق للفهم الدنيوي، لانها لا تهم المؤمنين فحسب، لأن لديهم ما يحتاجونه، اما غير المؤمنين فعليهم ان يتأملوا وان يتعلموا منها الكثير لخدمة الواقع، فالاعتقاد بالمسيح والحسين يوفر طاقة ثورية حقيقية، ويطرح الممارسة طرحاً صحيحاً، (انظر مجلة الثقافة التونسية/العدد157) صحيح ان نهضة الامام الحسين كانت ولا زالت ملهمة للحركات الثورية وحالات الاضطهاد والظلم الذي كانت ولا زالت تعيقه بعض المجتمعات.. الا ان عاشوراء ثورة اللاعنف، بل انها ثورة سلمية مبدئية، كان الحسين يسعى جاهداً لترسيخ قواعد السلم والعفو والرحمة.. في ذلك المجتمع المنهار والمبتعد في بعض اخلاقياته عن القيم الاسلامية السمحة.. وهذا ما يجده كل فاحص متأمل لخطب الامام الحسين قبل الواقعة وبعدها، فالحسين حفيد الرسول الاعظم (ص) ومتمّم رسالته، قدم أروع تضحية سجلها تاريخ الفداء كانت من أجل الاصلاح والمبدأ، (جئت لطلب الاصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فالطقوس العاشورائية كانت ولازالت طقوساً مبدئية، لمأساة لانظير لها في التاريخ لحفيد نبي، وهي طقوس للذين ينتمون لقمم الخلود والسمو والعظمة، وهي صفات لا تنفصل عن الزمان والمكان، لأنها ملك للحياة والانسان وعظمة صنعها الايمان بالله تعالى، وصاغتها عقيدة السماء، نتمنى أن تشذب هذه الطقوس من ممارسات لا علاقة لها بالواقعة ويفيض عطاء الحسين (ع).. فعلينا ان ننظر لهذه الطقوس نظرة عصرية.. مع احتفاظنا بأصالتها.. وبمضمون رسالتها الإلهية.. بإبعادها عن الاستعراضات والمظاهر الدموية.. التي شوهت هذه الطقوس المبدئية، وابتعدت عن جوهرها الاصلاحي، ونسماتها الروحية والانسانية وأهدافها الدينية.
حسين علاوي