الحادثة الاولى- حكاية تعذيب عمار وبلال:
ما جاء في مصادر الطرفين ، في قصة تعذيب عمار بن ياسر وتعذيب بلال الحبشي.
اذ تذكر المصادر ، ان عمارا لم يستطع صبرا على تعذيب المشركين، فضلا على قتلهم والديه ، وكما يذكر الكليني بسنده - ج2 ص 219 قول الامام علي بن ابي طالب
(والله ما ذلك عليه وماله إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان ، فأنزل الله عز وجل فيه " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندها : يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا )).
اذا كانت هذه الاية هي شهادة الهية بفضيلة ما قام به عمار ، وهي كذلك ، فإن فضيلة الصبر للمؤمنين الصابرين افضل منها، لانها – على اقل تقدير – وردت اكثر من مرة .
ففرق كبير، بين ان تصبر على الاذى حتى يصل بك الحال الى الموت – الاستشهاد – وبين ان تفرغ نفسك من فضيلة الصبر لتسلم ما في يديك الى معذبك ، وكل ذلك في سبيل اعلاء كلمة الدين والتوحيد .
فجلد وصبر بلال امام تعذيب المشركين( [15])، جعله من الصابرين الذين مدحهم الله سبحانه في اكثر من اية قرآنية:
(( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)). [الصافات: 102 ]
(( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)). [البقرة:153 ]
(( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)). [البقرة:155 -157 ]
((فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)). [البقرة:249 ]
***
الحادثة الثانية- حكاية مراسلة حاطب للمشركين:
جاء في السيرة النبوية - لابن هشام الحميري - ج 4 - ص 858 وما بعدها:
(( قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الامر في السير إليهم ، ثم أعطاه امرأة ، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بنى عبد المطلب ، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم . فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بنى أبى أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئا ، فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فما رأت الجد منه قالت : أعرض ، فأعرض ، فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا ، فقال له : يا حاطب ، ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فلا ضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدرك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم . فأنزل الله تعالى في حاطب : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) . . . إلى قوله : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم ، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده الممتحنة : 1 - 4 ) . . . إلى آخر القصة )).
ولانه كان مؤمنا صادقا بالله وبرسوله، فلم يكذب امام النبي(ص) و اعترف بفعلته، فقد سامحه رسول الله (ص).
هذه الحادثة تبين ان حاطبا قال الصدق لانه يعرف جيدا ان النبي (ص ) هو ولي المسلمين ،وثانيا لايمانه الصادق بالله ورسوله كما قال هو.
اتساءل : ايهما اكثر اجرا وفضلا الذي يصبر على الاذى نصرة لدينه (رأيه ، عقيدته) ام الذي يهتز الصبر عنده، لاسبابه الانية ؟