وقد نعزّز هذه النظرية بجملة شواهد، أبرزها:
1 ـ لما خرج الحسين % من المدينة لم تكن قد وصلته أيّ رسائل، وما قيل عن وصول رسائل إليه من مكّة غير دقيق ولا حتى واضح، لاسيما بعدما سيأتي من أنّه لم يدم وجوده في المدينة أكثر من ثلاث ليالٍ عقب وصول خبر وفاة معاوية إلى بلاد الحجاز[42] ؛ فلا مؤشر في المدينة على حركة نحو منطقة يعتزم إجراء ثورة فيها. أمّا مكّة، فثمّة نصوص تتحدّث عن أنّ الإمام الحسين كان يريد الخروج من مكّة حمايةً لحرمة هذه المدينة؛ لأنّه بلغه أنّ يزيد بن معاوية أرسل من يغتاله ولو فيها، ولم يحبّ الإمام أن يكون سبباً في هتك حرمة الحرم؛ لهذا كان مضطراً للخروج ناحية منطقة أخرى؛ ففي حواره مع أخيه محمد بن الحنفية يصرّح الإمام بخوفه من أن يغتاله يزيد في الحرم، فيكون ممّن تستباح به حرمة البيت، وفي حواره مع عبد الله بن الزبير ـ أو ابن عباس ـ يذكر شيئاً من ذلك أيضاً[43] ؛ وقد نسب العلامة المجلسي إلى ما وصفه: "بعض الكتب المعتبرة" أنّ يزيد بن معاوية أنفذ عمرو بن سعد بن العاص في عسكر عظيم وأمّره على الحاجّ، وأوصاه بقتل الحسين، وأنّه دسّ بين الحجيج ثلاثين رجلاً لفعل ذلك؛ فلما علم الحسين بالأمر حلّ من إحرامه وجعلها عمرة مفردة[44] ؛ وهذا معناه أنّ الخروج كان اضطراريّاً؛ لا لمشروع يستقبله في العراق.
2 ـ ما ورد عن الإمام الحسين في حواره مع ـ ابن الحنفية أو ابن عباس أو عبد الله بن جعفر الطيار ـ من قوله: "لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض، لاستخرجوني حتى يقتلوني"[45] ؛ فهذا النصّ واضح في أنّه يعلم بخطّتهم وأنّه لا مجال أمامه ـ إذا لم يرد البيعة ـ سوى الخروج من مكة والمدينة، وليس من مكان أفضل من العراق. ومثله قوله %: "والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي"[46] .
3 ـ إنّ الإمام الحسين لم يقبل بأمانهم ووعودهم لعلمه بغدرهم، يشهد على ذلك قتلهم لمسلم بن عقيل بعد إعطائه الأمان، وقول مروان لوالي المدينة بأخذ البيعة من الحسين ثم يرون فيه رأيهم، وهذا معناه أنّهم يريدون ـ بعد أخذ البيعة منه ـ أن يغدروا به[47] ، فهو ـ على حدّ تعبير الشهرستاني ـ مقتول بايع أم لم يبايع[48] .
4 ـ ما جاء في كتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة والي المدينة، من أخذ البيعة من أهل المدينة: ".. وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن علي.. "، وأنّ الوليد استثقل ذلك جداً، وطلب الحسين ليأتيه، فخرج الحسين من ليلته تلك نحو مكة وهو يقول: "فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين"، وقصّة استدعاء الإمام الحسين إلى والي المدينة فيها الكثير من الإشارات للرغبة في قتله على تقدير عدم البيعة[49] ؛ وربما لهذا ورد في المصادر التاريخية أنّه % لما استدعي إلى الوليد ـ والي المدينة ـ طلب من أهل بيته وعشيرته أن يقفوا بالباب، وأن إذا سمعوا صوته دخلوا لمنع من يريد قتله أو المساس به[50] ، مما يدلّ على أنّه منذ اليوم الأوّل كان يتوقع أن يقدموا على خطوة من هذا النوع. فهذا كلّه يدلّ بوضوح على أنّه كان يوجد قرار بقتله، وأنّه كان يعلم بالأمر؛ لهذا كان خروجه من المدينة على عجلة وخوف وترقب فراراً من البيعة والموت؛ فالمصادر التاريخية تتحدّث عن أن خروجه كان بعد اجتماعه بالوليد بساعات في الليلة نفسها[51] ، وبعضها يقول: في غداة اليوم اللاحق[52] ، وبعضها في ليلة آتية، وبعضها بعد ليلتين.. [53] ، ومهما يكن فهذه العجلة غير طبيعية أبداً لشخص يأمر عشيرته بالتهيؤ لهجرة شاملة؛ ويعزز فرضية حالة من الفرار من أمر ما، ورغبة في عدم المواجهة. يضاف إلى ذلك ما ذكره السيد هاشم معروف الحسني «1403هـ» من أن مسلسل الإقالات والعزل، كان جارياً مع المتساهلين مع الحسين في مكّة والمدينة، لهذا عزل يحيى بن حكيم لتركه الحسين وشأنه، ليستعمل بدلاً عنه على مكّة عمرو بن سعيد بن العاص، ثم عزل الوليد بن عتبة لاعتداله في موقفه من الحسين، وعدم استجابته لما قلناه أعلاه[54] .
5 ـ ما جاء في رسالة عمر بن سعد لعبيد الله بن زياد عقب لقائه الحسين%، حيث قال: "هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه.. "، ولكن شمر بن ذي الجوشن هو الذي خرّب جهود الصلح التي قام بها ابن سعد، وأقنع ابنَ زياد بقتل الحسين، ولولا ذلك لما وقعت الحرب[55] . ولعلّ هذا النص الذي جاء ـ أيضاً ـ في إرشاد الشيخ المفيد «413هـ» هو ما جعل تلميذه السيد المرتضى «436هـ» يذكر أنّ الإمام الحسين كان يريد ـ بعد الحيلولة بينه وبين التوجّه إلى الكوفة ـ سلوك طريق الشام؛ ليذهب إلى يزيد بن معاوية؛ لعلمه بأنّه أرأف به من ابن زياد، لكنّه واجه جيش عمر بن سعد في كربلاء فلم يستطع الاستمرار في المسير[56] ؛ فهذا الكلام يدلّ على أنّه ما كان يريد المواجهة وإنّما فرضت عليه الحرب فرضاً.
6 ـ ما جاء في قصّة وصول عثمان بن محمد بن أبي سفيان الثقفي، الذي أرسله يزيد بن معاوية إلى بلاد الحجاز ليتولاها، فإنّه بعد أن أنهى الصلاة في مكّة، وعلم بخروج الحسين، قال: "اركبوا كلّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوه"[57] . فهذا نصّ واضح يعطي دلالة على السياسة التي كانت ستتّبع لو لم يخرج الحسين من بلاد الحجاز.
7 ـ ما جاء في رسالة عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية، حيث قال له: ".. فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسّك عليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة؛ فخرج منها خائفاً يترقّب.. ولكن كره أن يكون هو الذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول الله، فأكبر من ذلك ما لم تكبر؛ حيث دسست عليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم.. ثم طلب الحسين بن علي إليه الموادعة، وسألهم الرجعة، فاغتنمتم قلّة أنصاره، واستئصال أهل بيته؛ فعدوتم عليهم.. "[58] ؛ فهذا كلام واضح في أنّ السلطة كانت تريد قتله وحربه وهو في الحرمين الشريفين، وأنّه خرج منها خائفاً يترقّب، فهو نصّ صريح في نظرية الفرار من البيعة. ويتعزّز هذا النص بما جاء في لقاء الإمام % لقرّة بن قيس الحنظلي في كربلاء، حيث قال: "فإن كرهوني أنصرف عنهم من حيث جئت"[59] ، وقوله لابن سعد: ".. أرجع فأقيم بمكة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور فأقيم به كبعض أهله.. "[60] ، وكذلك يتعزّز بقوله % في رواية أخرى: ".. وطلبوا دمي فهربت.. "[61] ، فهذا أيضاً صريح في نظرية الفرار. ونحو ذلك أيضاً قوله % في خطاب له مع أهل الكوفة أو في الطريق: ".. وإن كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم"[62] . وكذلك دعاؤه % في كربلاء قائلاً: "اللهم إنا عترة نبيك محمد - قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا.. "[63] . كما ورد في حواره مع جيش عمر بن سعد أنّه قال لهم ـ فيما قال ـ: "أيّها الناس! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض.. "[64] . يضاف إلى ذلك كلّه، وجود نص ينقل عن عقبة بن سمعان الذي صحب الحسين %؛ حيث يقول: "صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده في يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين: إمّا أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يَدَعُوه يذهب في الأرض العريضة، حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه.. "[65] . إنّ هذه الشواهد بأجمعها تدعم فرضية أنّ الحسين ما كان لديه مشروع ثورة وإسقاط أنظمة، لكن كان يريد أن لا يبايع ولم يكن يجد مكاناً للعيش مع رفض السلطة فحاصروه، وفرضوا الحرب في النهاية عليه، فحصل ما حصل.
2 ـ 2 ـ مطالعة نقدية في نظرية المواجهة المفروضة
ومع ما رأينا من إمكان أن نحشد لهذه النظرية من شواهد، إلا أنّه يمكننا تسجيل بعض الملاحظات عليها؛ وذلك:
أولاً: إنّ الحسين % كانت وصلته رسائل أهل الكوفة في مكّة، وقد أعطاهم كلمته وأرسل إليهم مسلم بن عقيل، فخروجه من مكّة جاء عقب شروعه في التخطيط والتواصل لحركة سياسية ثورية واضحة، وهذا لا ينافي أنّه خرج منها نتيجة علمه بمخطّط تقوم به السلطة لاغتياله، بمعنى أن الاستعجال في الخروج كان اضطرارياً نتيجة خوف الاغتيال، لا أصل الخروج، بعد أن كانت الرسائل قد بدأت بينه وبين أهل العراق، وهذه نقطة مهمة جداً في مسألة طبيعة خروج الحسين من مكّة وعدم إكماله الحج. نعم خروجه من المدينة لا توجد مؤشرات على كونه قد سبقه تخطيطٌ ما لثورة في مكان ما من جغرافيا العالم الإسلامي؛ لأنّه حصل بسرعة فائقة كما رأينا.
ثانياً: كل الشواهد التي تتعلّق ـ فقط ـ بمعلومات عن خطّة للسلطة لاغتيال الحسين أينما كان، لا تقف في مواجهة وجود مشروع سياسي ما له %، على الأقلّ في بعض الفترات، وأعني بذلك أن نتصوّر الحسين يعلم بمخطّط السلطة الأموية في اغتياله، ثمّ يفسح له في المجال لقيادة ثورة، فيقدم على فعل ذلك بعد وصول الرسائل إليه والاطمئنان على الوضع من خلال ما بعثه له مسلم بن عقيل، هنا لماذا لا يمكن الجمع بين علمه بخطّة الاغتيال وإقدامه ـ ولو فيما بعد ـ على مشروع ثوري؟! لست أرى تنافياً بين الأمرين، وهذا ما يدعم فرضية أنّ الفرار من البيعة فكرة صحيحة إلى ما قبل وصول رسائل أهل الكوفة، أي بعد خروجه من المدينة، فالخروج من المدينة لم يكن لوجود مخطّط ثوري، لكن لماذا لا يكون الخروج من مكّة لوجود هذا المخطط؟! فهذه الشواهد لا تنفي أصل المشروع السياسي الثوري للحسين، وإذا تمّت فهي تنفي هذا المشروع في بدايات خروجه من المدينة المنوّرة.
ثالثاً: إنّ بعض نصوص الإمام الحسين % نفسها تعلن مبرّرات الثورة وتغيير الواقع، كما تقدّمت وسيأتي، فكيف يمكن تفسير هذه النصوص؟ ألا تعارض الدلالة الإطلاقية الموجودة في نظرية المواجهة المفروضة والفرار من البيعة؟! إن أنصار هذه النظرية مطالبون بتفسير هذا النوع من النصوص والخطب التي صدرت عن الحسين % في مواطن متعدّدة.
رابعاً: إنّ رسالة ابن سعد لعبيد الله بن زياد «الشاهد رقم 5» الدالة على عرض الصلح من الحسين لوضع يده في يد السلطة، ينقلها الطبري ـ واتبعه في ذلك المفيد والمرتضى وغيرهما ـ وهي غير موثقة تاريخياً؛ فلم نعثر عليها سوى عنده، وغيره إما ينقلها عنه أو يرسلها بلا سند واضح، أما سند الطبري ففيه مجالد بن سعيد الهمداني المهمل في مصادر الرجال الشيعية والمتعارض توثيقه مع تضعيفه في مصادر الرجال السنيّة، حتى أنّ ابن حبّان المعروف بالتوثيقات جعله في المجروحين[66] ، وكذلك فيه الصقعب بن زهير المهمل شيعياً[67] ، نعم سنيّاً وثقه الحاكم النيسابوري وابن حبّان، ونقل الأوّل توثيقه عن أبي زرعة الرازي[68] ، والأولان من المحسوبين على الإفراط في التوثيق. وكذلك الحال في رسالة ابن عباس إلى يزيد؛ فإن مصدرها الرئيس ـ على ما يبدو ـ إنّما هو تاريخ اليعقوبي، ولم يذكر سندها، وفي مثل هذه الحال يصعب مع تفرّد مؤرّخ واحد بالنقل وأهمية الرسالة، الأخذُ بها، سيما مع عدم وجود سند معتبر لها، وكذلك خبر الفتوح وأمالي الصدوق الذي دلّ على أنّه طُلب دمه فهرب، حيث هو في المصادر القليلة التي نقلته بين مرسل وضعيف ببهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي، وهي مهملة في مصادر الرجال السنية والشيعية، وكذلك كلّ من صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية ومريسة بنت موسى بن يونس، اللتين لا ذكر لهما عندهم كما أشرنا سابقاً، ومثل ذلك خبر الإرشاد الذي يفيد طلب الحسين من أهل الكوفة أن يتركوه يرجع من حيث أتى، فهو خبر تفرّد به المفيد «413هـ» والخوارزمي «568هـ» ـ حسب الظاهر ـ بلا سند، ثم ظهر عند متأخري المتأخرين، وكذلك دعاؤه في كربلاء يخبر فيه أنه أخرج من حرم جدّه فهو مرسل قليل المصادر جداً اشتهر بين المتأخرين فقط حسب الظاهر. وأما خبر عقبة بن سمعان فهو غير قابل للتصديق؛ فكيف يمكن أن يكون رجل قد تابع الحسين طوال هذه الفترة حتى اطّلع على كل أسرار الحركة الحسينية ومفاوضاتها، ولم يغب عنه شيء إطلاقاً؟ ومتى أخبر عقبة بهذا الخبر وقد كان من شهداء كربلاء على بعض المصادر على الأقلّ وإن تحدّث بعضهم عن فراره[69] ، فإن كان شهيداً فمتى نقل هذا الخبر، وإن فرّ فالرجل لا دليل على وثاقته بعد ذلك؛ لأنّه لم يوثقه أحد مع صرف النظر عن شهادته. هذا إضافةً إلى أنّ هذا الخبر نفسه يعارض بعض الأخبار الأخرى كما هو واضح منه؛ حيث ينفي أن يكون الحسين قد عرض وضع يده في يد السلطة أو الذهاب إلى ثغر من ثغور المسلمين، فهو يضعّفها وهي تضعّفه نتيجة التعارض بينها من بعض الجوانب، وإن اشتركت معه في قدر من القاسم المشترك. وبهذا يتبيّن أن هذه النظرية صائبة بقدر، لكنّها غير دقيقة بقدر آخر، وسوف نتعرّض لاحقاً لمحاولة جمع نقرّب من خلالها المقدار الصحيح من هذه النظرية، إن شاء الله تعالى.
3 ـ النظرية السياسية ومحاولات التعقيل : يذهب أنصار هذه النظرية ـ وهم كثير من المؤرخين كما يقول السيد محمد باقر الحكيم[70] ـ إلى أن الإمام الحسين % كان يريد بحركته إسقاط النظام الفاسد في دولة بني أمية، ورسائله ومراسلاته لأهل الكوفة كلّها تشهد على صحّة ذلك، ومن يقرأ هذه الثورة ويحلّلها تحليلاً تاريخياً لا يفهم منها سوى إرادة تأسيس نظام إسلامي عادل في العراق مقدّمةً لعودة دولة الإمام علي % كي يكون ذلك بهدف إسقاط نظام الظلم والجور في الشام. وقد نسبت هذه النظرية إلى السيد المرتضى فيما ذكره في كتابيه تنزيه الأنبياء والشافي[71] ، حتى قيل: إن السيد ابن طاووس «664هـ» ألّف كتابه اللهوف على قتلى الطفوف، للردّ على المرتضى، وكذلك حصل مع السيد عبدالوهاب الحسيني الاسترآبادي «قرن 9هـ»، صاحب تنزيه الأنبياء، وعبد الله البحراني، ورضي بن نبي القزويني[72] . كما يذهب إلى هذه النظرية كل من الشيخ علي بن عبد الله البحراني الستري «1319هـ» في رسالته: قامعة أهل الباطل بدفع شبهات المجادل[73] ، والشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي «2006م» في كتابه الشهير «الشهيد الخالد»، والأستاذ محمد علي خليلي[74] ، والسيد علي الأمين العاملي المعاصر، على ما سمعنا شفاهاً عنه.
والشواهد على هذه النظرية ـ غير أنّ هذا هو المتبادر عقلانياً من دراسة أيّ حركة ثورية ـ لا تكاد تعدّ ولا تحصى؛ فأخذه % أهل بيته معه معناه أنه كان يريد الاستقرار في مكانٍ ما، وكذا أخذه الأموال الكثيرة على ما جاء في بعض النصوص، وتنسيقه مع أهل الكوفة لا يفهم سوى على هذه الطريقة، سيما وأنه طالبهم وذكّرهم بخذلانه والتخلّي عنه، فما معنى ذلك كلّه إلا أنه أراد إسقاط الفساد في نظام الحكم عند المسلمين، يضاف إلى ذلك النصوص السابقة التي ذكرناها والتي يطرح فيها الإمام مشروعه بطريقة عقلانية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسير بسيرة رسول الله وتغيير الوضع القائم، بل في واحدة من أواخر رسائله لأهل الكوفة، قال: ".. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملأكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله، والسلام"[75] ؛ فهذا النص واضح في أنّه كان يريد العمل بالكتاب والأخذ بالقسط و.. بل في كتابه إلى أهل البصرة قال: ".. وكنا أهله وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة.. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد"[76] ، وهذا النص صريح في التذكير بأمر الإمامة بعد رسول الله، وبالإطاعة والولاية وغيرها من المفاهيم التي تتصل بالتفسير السياسي الشامل للثورة.