د. مراد الصوادقي
أزفت الساعة ولا عاصم من الغرق إلا الشعب , فعودوا إلى الشعب, بعد أن أذهبت الكراسي بصائركم وأخرجتكم من الواقع ووضعتكم في صوامع ملونة.
يؤكد ذلك ما يلوح بين السطور لكبار الكتاب في الصحف العالمية والذين يمثلون جهات لها شأن فعال في تقرير الحاضر والمستقبل. وخلاصة ما يريدون قوله أن الديمقراطية العراقية ورطة لا بد من الخروج منها وتحرير الذاكرة والضمير من تداعياتها ونتائجها السلبية المرعبة. خصوصا بعد أن قدم الشعب العربي شهادات حقيقية عن معنى الحرية والديمقراطية المطلوبتين في المنطقة, وإنتشرت صرخة "الشعب يريد" ودوت في كل مكان , وصارت ملحمة محمد البوعزيزي على لسان أقوى رئيس دولة كبرى.
والدول التي صنعت الحالة تفكر بكيفيات الخلاص منها لأنها تعفير لمعاني الديمقراطية في أوحال الفساد والسيئات والضلال , وإمتهان سافر لحقوق الإنسان وتطلعاته المشروعة.
وربما أدرك البعض السينورياهات الخفية وما يجري خلف الكواليس , فراح يبحث عن مخرج لكي يفلت بجلده من قبضة النهايات المحتومة.
فالواقع العراقي لا بد له أن يتغير , والشعب يجب أن ينال حقوقه الإنسانية , والفساد لا يمكنه أن يتواصل برعاية القوى التي أوجدت رموزا حسبتها ذات نفوس ديمقراطية , وإذا هي تبث سموم الطائفية والأنانية وجميع الخصال اللاوطنية السيئة.
ومن المعروف أن القوى الكبرى تفكر بمصالحها , وما يجري في العراق رغم توافقه مع المصالح لكنه يحطم القيم والمعايير ويرسم صورة قبيحة ومريرة عن الديمقراطية والحرية , ويزعزع الأخلاق الدستورية والضوابط السلوكية. وبين ديمقراطية العرب الشعبية الثورية الأصيلة وديمقراطية العراق الدامية القاسية الباهضة التكاليف , مسافة لا يمكن قطعها أو قياسها , وإنما يتطلب الأمر دفن تلك التجربة بكل عناوينها ورموزها وما يمثلها ويشير إليها. وهذا يعني أن الكراسي ستتهاوى تباعا وبأساليب معروفة وغير معروفة وربما قاسية وشديدة , فكل مَن فعل ما فعل ستدور الدائرة عليه , خصوصا وأن الكثيرين قد فقدوا أدوارهم , وإنتهت اللعبة بالخسران على أيديهم , ولن يكون مصيرهم مختلفا عن مصير الذين سبقوهم , لأنهم سلكوا ذات الدرب وبشراسة غير مسبوقة.
وعليه فأن الذين أدركوا ما بين السطور ربما سينسحبون , والبعض ربما سيتمادى حتى يقع في الحفرة التي حفرها للعراقيين.
ومن الواضح أن الكراسي قد أصبحت في مأزق نفسي ومصيري وسياسي لا تحسد عليه , وأن الذي يلوح في الأفق لا يسرها , وقد تحترق في مواضعها أو تتهاوى في جحيمات الختام التي بدأت بالإستعار.
لقد خسروا كل شيئ وخسر العراقيون الكثير من الفرص , ولن ينفعهم بعد اليوم أي عذر أو تبرير وكذب وتضليل حتى ولو جاؤوا بألف عمامة وعمامة, فالمنية قد أنشبت أظفارها , والمصالح كشرت أنيابها , وما هي إلا أعاصير داهمات حتى تفتح الأهوال أبوابها , فيدخلها الذين تعبّدوا في كراسي فسادها.
فلن تنفعهم تلك الكراسي التي صاروا عبيدها وركعوا لأسيادها وحماتها والقابضين على مصيرها, فالعد التنازلي قد بدأ , ورياح التغيير قد هبت وبعنفوان حضاري غير مسبوق , والدول الكبرى تعرف جيدا معنى ذلك وترى إتجاهات حركة التاريخ , التي تتوافق مع إيقاع الإرادة العربية المنطلقة إلى حيث الموقع الإنساني اللائق بالعرب.
فعراق الغد لن يكون كعراق اليوم , وما نراه اليوم لن نراه في الغد القريب , وإن النصر أكيد , وصوت الشعب سيعلو , وسيخمد صراخ الكراسي وصراعها المهين.
فالمطلوب ديمقراطية حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة , والعراقيون أهل لها وأكثر.