عرف المجتمع البشري نظام الأسرة منذ بداياته الأولى منذ عهد آدم أبي البشر عليه الصلاة والسلام الذي خاطبه ربه سبحانه وتعالى غير مرة في القرآن الكريم خطاباً أسرياً، قال تعالى : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) (البقرة:35) بل إن هذا الخطاب الأسري كان مع خلق آدم مما يشعر أن نظام الأسرة والاجتماع نظام فطري، قال تعالى: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيباً) (النساء:1).
وقال أيضاً: ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) ( الأعراف:189) ، وهذه الآيات وغيرها تفيد أن الإنسان اجتماعي بطبعه ولذلك لم يتركه الله عز وجل وحيداً بل جعل له من جنسه من يسكن إليه ويجتمع معه.
وإذن فأقدم أسرة في تاريخ البشرية هي أسرة أبينا آدم عليه السلام الذي عمّر طويلاً ومات بعد أن رأى من نسله أربعمائة ألف نسمة - كما يذكر أهل التاريخ - وهذا يعني أن آدم عليه السلام ترك مجتمعاً كاملاً رسّخ فيه نظام الأسرة وفضائل العمران والاجتماع ، ووصى لابنه شيث فورث عن أبيه النبوة والفضل وكان من نسلهما إدريس النبي الذي عاش من عمره ثلاثمائة سنة مع آدم عليهما السلام حتى لحق آدم بربه ، فتوارث الأنبياء علم أبيهم ومنهجه في هذا المجتمع الإنساني الذي ترك .
ثم كان نوح بعد ذلك واستمرت معه مسيرة الأسرة ، وقصة أسرته عليه السلام معروفة منثورة قد ذكرها القرآن الكريم في غير موضع وذكرتها كتب التاريخ، وكان الطوفان ، وكانت من بعده الشعوب والقبائل ، وانتشر الخلق في أنحاء الدنيا يتوارثون نظام الأسرة جيلاً بعد جيل ، وإن اختلفت أشكال أسرهم وطرق اجتماعها ، لكنها بقيت أسراً مبنية على ذكر وأنثى - رجل وامرأة - يتزاوجان وتكون لهما ذرية ، وسواء كانت الزوجة أخت الزوج - كما كان على عهد آدم عليه السلام في أبنائه - أم كان الزوج يجمع - والتعدد قديم قدم البشرية - بين الأختين ، أو بين الأقارب ، أو ما شابه ذلك مما تثبته كتب التاريخ.
والمهم أن نظام الأسرة وجد مع وجود البشر وهو مستمر ما دام للبشر وجود على الأرض ، ومن يُرِد أن يتتبع الأسرة ونظامها عبر التاريخ فلينظر في سير الأنبياء منذ آدم وأسرته وشيث وأسرته وإدريس وأسرته ونوح وأسرته وإبراهيم وأبنائه من الأنبياء وأسرهم … إلى محمد وأسرته صلى الله عليهم وسلم باعتبار أن الانبياء والرسل هم عيون البشر ، وهم أشرف الخلق عند الله عز وجل...