السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الأخوة الأعزاء:
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسين عليه السلام ومصرع أهل بيته وأصحابه.
في هذه المشاركة أحب أن أطرح مسألة تاريخية بعيدة عن الانتماء الطائفي، أو العاطفة الولائية أو أو، بل هي مسألة للتباحث فقط.
السؤال كالتالي:
هل للإمام الحسين عليه السلام بنتاً اسمها رقية؟
الجواب:
وحسب تتبعي لبعض المصادر أنه لم يثبت ذلك، ومن ضمن المصادر التي اعتمدتها كالتالي:
1. الإرشاد - للشيخ المفيد.
2. إعلام الورى - للشيخ الطبرسي.
3. الفصول المهمة - لابن الصباغ المالكي.
4. أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين.
5. معظم من حقق هذه المسألة لا يرى أن للإمام الحسين عليه السلام بنتاً اسمها رقية.
من الذين لم يذكروا أن للإمام الحسين عليه السلام بنت اسمها رقية هو:
محمد بن طولون الدمشقي في كتابه الأئمة الاثنا عشر.
فرغم اختلاف الروايات التي تقول بأن للإمام الحسين عليه السلام له من البنات أربع فإنهم يذكرون (سكينة - فاطمة - زينب) وبعضهم يقول أن له أربع بنات ولا يذكرونها، ويفترض بعض المحققين أن الرابعة قد تكون رقية بدون دليل أو قرينة قاطعة.
ولعل المشهور بين المؤرخين والمحققين أن للإمام الحسين عليه السلام له بنتان هما (سكينة - فاطمة) وبعضهم يقول (زينب)، والشيخ المفيد يذكر بأن له بنتان هما (سكينة - فاطمة) في الإرشاد ج2، وكلمة العلامة السيد محسن الأمين في الأعيان جريئة في حق القبر المنسوب لها، فهو يقول بما مضمونه (ولها قبر مزوّر)، مع العلم أن البعض يستشهد بالقصة المعروفة وهي جلب الرأس للطفلة التي فزعت من نومها في الشام، وهذا ليس دليلاً كافياً لوجود طفلة للإمام الحسين عليه السلام، فقد تكون إحدى العلويات المصونات!!.
مع العلم أن بعض المؤرخين يستشهدون ببيت من الشعر مكتوب على قبرها، وهذا أظنه ليس دليلاً كافياً، لأن الذين قالوا بوجود السيدة رقية هم من المتأخرين وليس من المتقدمين، فالمتقدمين لم يذكروا أن القبر الموجود في الشام لبنت اسمها (رقية) للإمام الحسين عليه السلام.
نحن ذكرنا المصادر التي تناقش هذه المسألة وكما رأيتِ أن المصادر لا تذكر بنتاً للإمام الحسين عليه السلام اسمها (رقية)، هذا في كتب التراجم، أما كتب الأنساب كذلك لا تذكر بنتاً للإمام اسمها (رقية)، وعلى المصادر التي ذكرناها آنفاً، أضيف مصادر الأنساب التي تعتبر أوثق من كتب التراجم، وهي: مرتبة على النحو التالي:
1. كتاب (سر السلسلة العلوية)، أبو نصر البخاري (القرن الرابع)، يقول: له بنتان، ولم يصرّح باسمهما.
2. كتاب (المجدي)، ابن طباطبا (القرن الخامس)، يقول: له فاطمة وسكينة.
3. كتاب (الشجرة المباركة)، الفخر الرازي (القرن السادس)، يقول: له فاطمة وسكينة.
4. كتاب (عمدة الطالب)، ابن عنبة (القرن الثامن)، يقول: له بنتان، ولم يصرّح باسمهما.
هذه بعض كتب الأنساب لا تثبت للإمام الحسين بنتاً اسمها (رقية)، الثابت هو (فاطمة وسكينة)، وهذا يجري على القبر الموجود في لبنان المنسوب لبنتٍ للإمام الحسين عليه السلام اسمها (خولة)، فهذا يحتاج إلى إثبات وقرائن، فلعلّ القبر الموجود في دمشق والذي يشق عنان السماء قبرٌ لأحد أطفال العلويين الذين قتلوا في واقعة الطف،
وأنا في طرحي هذا قصدت به النقاش والبحث، ولم أقصد التشكيك، فمن كان لديك دليل فأتمنى دحض كل ما أوردته، لأننا - الشيعة الإمامية - أصحاب منطق وأصحاب دليل، حتى في المسائل التاريخية، ويجب أن لا نتهاون في المسائل التاريخية وإن كانت بعيدة الصلة عن القضايا العقائدية.
والحديث يطول في هذا الصدد .. ولكن لا أتفق مع ما ذكرته من حيث أنه لابأس من الطرح القصصي الذي لا يؤثر على العقيدة.
أولاً : لا بدّ من التفريق بين تهذيب المنبر الحسيني من الأساطير والخرافات وبين بحثنا هذا .. فعند البحث عن مثل هذا الموضوع وعلى فرض عدم ثبوته عند اي باحث لا يعني انه اصبح اسطورة او خرافة !!
اذ لا يصح الخلط بين معنى الخرافة والاسطورة وبين ما نحن بصدده ..
ثانياً : إن عدم عثورنا (على فرض عدم العثور فعلاً) على مصدر تاريخي يذكر ان للإمام الحسين عليه السلام ابنة اسمها رقية لا يكفي لنفي وجودها، اذ ان المصادر التاريخية بمعظمها قد كتبها أبناء العامة وأتباع السلاطين المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام، ولم يكن همهم استقصاء ما يتعلق بالعترة الطاهرة، بل ولم يكونوا على اطلاع على كل ما يتعلق بهم ..
وأما من أرّخ من الشيعة فإننا نجد ان بعضهم يذكر واقعة دون ان يذكرها البعض الآخر فلا يعني هذا عدم وقوعها.. علماً ان كثيراً من كتبنا التاريخية قد فقدت وتلفت ..
ثالثاً : نقلتم عن السيد محسن الأمين قوله بأن قبر السيدة رقية مزوَّرٌ، والحال أن السيد لا يقول بذلك، ولننقل كلامه بتمامه :
رقية بنت الحسين ع ينسب إليها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق الله أعلم بصحته جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدراة في إيران عام 1323 وقد أرخت ذلك بتاريخ منقوش فوق الباب أقول فيه من أبيات :
له ذو الرتبة العليا علي * وزير الصدر في إيران جدد
وقد أرختها تزهو سناء * بقبر رقية من آل احمد
فالكلمة التي استشهدتم بها ليست بمعنى التزوير، وإنما بمعنى مَزوُر على وزن (فَعوُل) أي ان الناس تزوره، والدليل على ذلك هو السياق حيث اعقب هذه الكلمة بتأريخه لتجديد المقام ويذكر في بيتي الشعر أنه قبر رقية من آل أحمد وإن كان يقول ان الله اعلم بصحته من حيث عدم تيقنه من كونه لها، ولكنه ليس بصدد نفي كون القبر لها كما هو واضح ..
رابعاً : بعد بحث سريع عمن ذكر السيدة رقية عليها السلام وجدت قصيدة لسيف بن عميرة النخعي الكوفي وهو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام يذكر فيها السيدة رقية عليها سلام الله:
وعبدكم سيف بن عميرة ** لعبد عبيد حيدر قنبر
وسكينة عنها السكينة فارقت ** لما ابتديت بفرقة وتغيّر
ورقية رقّ الحسود لضعفها ** وغدا ليعذرها الذي لم يعذر
ولأُم كلثوم يجد جديدها ** لئم عقيب دموعها لم يكرر
لم أنسها سكينة ورقية ** يبكينه بتحسّر وتزفّر
خامساً : ذكرتم ان بعض المؤرخين ذكر ان للحسين اربع بنات وذكر اثنان او ثلاثة منهنّ ولم يذكر رقية ، وهذا لا ينفي ان رقية التي عرف قبرها ليست ابنة الحسين عليه السلام بل يساعد على ذلك خاصة مع ما اشتهر من كرامات لها، وخاصة مع ما ينقل من ان قبرها عرف منذ القرن السادس الهجري وما تواتر من كرامات صدرت منها ..
وأخيراً .. عودٌ على بدء
نكرر على أهمية عدم الخلط بين البحث العلمي عن مسالة تاريخية وبين التهويل على قراء العزاء والمؤمنين بان علينا ان نهذب المنبر الحسيني من الاساطير والخرافات ..
المنبر الحسيني بعيد كل البعد عن الاساطير والخرافات .. وما يذكر فيه على انواع :
فمنه ما تواتر نقله تاريخياً ..
ومنه ما نقل ولو بأخبار آحاد وهذا كافٍ في الامور التاريخية ..
ومنه ما تناقلته الاجيال جيلاً بعد جيل وهو أقوى من أخبار الآحاد وان لم يصل حد التواتر ..
ومنه ما ينقل كونه بلسان الحال لا بلسان نقل الواقع ولا اشكال في ذلك ابداً ..
هذا كله مضافاً إلى أن ما وصلنا من فاجعة الطف الأليمة هو جزء من هذه الواقعة لا كل الواقعة .. وفي كل حدث من احداثها جرح لا يندمل .. فلا ينبغي ان نفتح جروحاً بأنفسنا باثارة الاشكالات والتشكيكات التي لا تجدي نفعاً وليست في محلها .. إنما علينا ان نعرِّف الناس على شهيد الطفوف وعلى مظلوميته ومظلومية آل بيته الطيبين الطاهرين ..
والسلام عليكم