رئيس الوزراء نوري المالكي يقول إن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية التي يملكها ويديرها ويحتكر استخدامها قادرة على تحمل المسؤولية كاملة بعد أن يتم انسحاب القوات الأميركية في نهاية العام الجاري. لكن المفتش العام الأمريكي الخاص بشؤون إعادة إعمار العراق ستيوارت بوين جونيور يقول غير ذلك. يؤكد زيادة وتيرة أعمال قتل الجنود الأمريكيين واغتيال المسؤولين العراقيين والانفجارات والهجمات على المنطقة الخضراء في بغداد. ويستدرك قائلا، لكن معدلات وقوع تلك الهجمات لم تقترب من المستوى الذي وصلت له في الفترات التي شهدت أسوأ موجات أعمال العنف، خلال السنوات التي تلت غزو العراق.
حكاية ثانية. يرسم "ميغان مكاردل" محرر مجلس الأعمال والإقتصاد لبلدان المحيط الأطلسي في مجلة أتلانتيك الامريكية، ملامح قاتمة لواقع الإستثمار والإقتصاد في العراق في ظل أنتشار الفساد وآليات حكومية تنمي وتشجع الفساد وتؤسسه. يقول مكاردل في تقريره إن على من يخطط لإقامة مشروع في العراق أن يجلب معه نحو 20 مجلدا للوقوف على التعليمات المعتمدة في البلاد، فضلا عن حمل حقيبة كبيرة تحمل مبالغ مالية هائلة لصرفها على أجراءات فتح هذا الإستثمار.
حكاية ثالثة. قال الميجر جنرال مايكل باربيرو نائب مدير العمليات الاقليمية في هيئة الأركان الأمريكية المشتركة "إن قوات المخابرات الإيرانية تقدم الدعم للمسلحين السنّة في العراق إضافة إلى الشيعة".
وردا على سؤال حول أسباب مساندة إيران للسنّة العراقيين قال باربيرو إنهم يسعون "لزعزعة استقرار العراق ولإشغالنا. وهي نفس الأهداف الاستراتيجية تقريبا التي قدموا الدعم للمسلحين الشيعة من أجلها."
هذا هو العراق الديمقراطي الجديد، دون تزويق ولا تلوين ولا تلميع. وكل تصريحات المالكي وجماعته رقص على الحبال، وذر للرماد في عيون الحاسدين.
إذن، فمن يطلب من نوري المالكي وأياد علاوي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر ومسعود البرزاني وجلال الطالباني وطارق الهاشمي وأسامة النجيفي وصالح المطلق وابراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وأعوانهم وأتباعهم ومريديهم إصلاحَ ذات البين، فيما بينهم أولا، وبينهم وبين شعبهم ثانيا، كمن يطلب عسلا من صُبير، وماء من حجر، ونارا من جليد.
فإصلاح نظام فاسد من رأسه إلى ذنَبه بأيدي قادة النظام الفاسدين أنفسهم نفخٌ في قربة مثقوبة، ونفاقٌ وكذبٌ على الله، قبل الكذب على سواه. فهذا النظام تعدى مرحلة الإصلاح والترقيع، ولم يعد ينفع معه سوى الكي، وهو آخر دواء. قلناها كثيرا، حتى مللنا من تكرارها، وملَّها معنا قراؤنا الكرام.
بدون لف ولا دوران، إن العملية السياسية التي يتمسك بقدسيتها المالكي ورفاقه الآخرون، سواء كانوا في السلطة أو في معارضتها، عملية ٌ فاشلة بامتياز. بل هي أصل المشكلة، بل هي المشكلة الحقيقية الوحيدة في حياة العراقيين اليوم، وفي حياة أجيالهم القادمة كذلك. بل هي صانعة جميع المصائب والمآسي والمآتم والحرائق التي ذاق وسيبقى يذوق مرارتها كلُ شارع في كل مدينة وقرية من هذا الوطن السليب.
وعلى ذلك تصير جميعُ الحلول أنصافَ حلول. فمصالحة نوري المالكي مع أياد علاوي، ومقتدى مع أمريكا، والعرب مع الكورد، والعرب مع العرب، والكورد مع الكورد، والكورد مع التركمان، والشيعة مع السنة، والشيعة مع الشيعة، والسنة مع السنة، والعراق مع العراق، والعراق مع إيران، والكويت مع العراق، والعرب مع إيران، وإيران مع أمريكا، ودرعا وحماه مع بشار الأسد، وأحمد الجلبي مع بنك إنترا وملك البحرين، هواء في شبك. إن مأزق العراق أكير كثيرا من كل هذه الحلول.
إن التركيبة السياسية العراقية من أساسها خطأ. مجموعة من الشطار الكذابين مزوري الشهادات وحرامية البنوك وأساتذة القتل والاغتيال والتفخيخ سرقونا، ونحن في الغربة، نعارض صدام حسين ونحلم بعراق جديد لا ظلم فيه ولا فساد ولا طائفية ولا عنصرية ولا عمالة ولا عملاء. نعم سرقوا منا معارضتنا العراقية الوطنية النزيهة وجعلوا كل شيء تجارة، وجعلوا كل مبدا وعقيدة بضاعة قابلة لبيع وشراء. تصدروا مؤتمراتنا، ونصبوا أنفسهم علينا قادة، بالحيلة والخديعة والصوت العالي.
ويذكر رفاقنا المعارضون أن خلطة عجيبة وغريبة بين إيران الخميني ثم إيران خامنئي ونجاد، وسوريا حافظ ثم سوريا بشار، وأمريكا كلنتون ثم أمريكا بوش، تفاهمت وتعاونت وأصرت على جمعهم وإرضاعهم، وتسمينهم، من أول أيامهم الذليلة في مقاهي طهران ودمشق ولندن والرياض.
وليس من المستبعد أن تكون مخابرات الدول الثلاث جمعت عنهم ملفات ووثائق ومستندات عن صفقات وعمولات وفضائح وموبقات. فملكت قلوبهم وجيوبهم، حتى لم يعد لأي عراقي أمل في عيش عزيز وكريم ما داموا على رأس الوليمة.
يزعم بعض زملائنا الكتاب الطيبين أن الحل الوحيد الباقي يكمن في إعادة الانتخابات لطردهم بعد افتضاح أمرهم وانكشاف معادنهم.
مستحيل. فهيئة الانتخاب باقية صامدة بكل سوئها وفسادها، وما زالت تهيمن عليها مليشياتهم وتتقاسمها عمائمهم وسدايرهم و)عُقل( شيوخ عشائرهم المائلة.
وحتى انتفاضة ٌ شعبية عظيمة، ولكن مسالمة، لن تنجح في العراق. فقد زرع المتحاصصون متاريسهم وجنودهم وجواسيسهم بين شباب العراق، وتهيأوا لوأد أي انتفاضة، من أي نوع.
وهذه ساحة التحرير في كل جمعة تريكم شطارة نوري المالكي في تجميع المرتزقة والطبالين، من أولاد الحلال والحرام، لضرب المنتفضين، وتشتيت شملهم بالعصي والهراوات والخناجر والسيوف، حتى قبل أن تنضج الانتفاضة، وقبل أن تعم الوطن كله من البصرة إلى أربيل.
ليس لبشار سوى )شبيحة( واحدة، وليس للقذافي سوى )كتائب( واحدة، وليس لعلي عبد الله صالح سوى )حرس جمهوري( واحد، ولم يكن لحسني مبارك سوى )بلطجية( واحدة، وليس لفضل الله سوى حزب الله واحد، ولا لإيران سوى مخابرات واحدة.
أما نحن فلدينا شبيحة وبلطجية لكل رئيس حزب وقائد تيار وزعيم قائمة أو ائتلاف، ولكل صاحب عمامة وسدارة وعقال.
وعلى أيامهم، طيلة السنوات الثماني الماضية، لم يشهد العراقيون يومَ راحة وهناء. فمن خراب إلى خراب. ومن اقتتال إلى اقتتال. وحتى حين وضعت حروبهمُ الطائفية اللعينة أوزارها، وانخرط الأعداء الألداء في حكومات المائدة المستديرة لم يتوقف القتل بالمفخخات، ولا السرقة، ولا الفساد، ولا تزوير الشهادات.
هل يعني هذا أننا لن نرى العراق الآمن العامر القوي العزيز؟ إذا لم يكن الخلاص في انتخابات جديدة مبكرة، ولا في انتفاضة، كما يحاول بعض شبابنا الخيرين أن يفعلوا هذه الأيام، فما العمل؟
عاملان فاعلان مؤكدان جاد بهما الربيعُ العربي العظيم على العراقيين، ولن ينتهي عامهم هذا إلا وقد تحقق لهم الخلاص. الأول رحيل القوات الأمريكية، والذي لابد أن يتحقق معه انتهاءُ التدخل الأمريكي في اختيار حكامهم وتقرير مصيرهم، أو ضعفه، على أقل تقدير. والثاني رحيل نظام بشار الأسد.
فبعيدا عن كل حسابات طائفية أو عنصرية أو حزبية لابد من الإقرار بأن الثورة الشعبية السورية على النظام الدموي الفاجر نقلة نوعية في حراك الجماهير في المنطقة، أهم حتى من ثورة المصريين.
فبقدر الجهد المبذول من قبل نظام الولي الفقيه، ومن إسرائيل وأمريكا، ضمنيا، لإطالة عمر النظام السوري ومنح قوته التدميرية الشريرة وقتا إضافيا لوأد الانتفاضة، أو تأخير انتصارها على الأقل، لتدجينها وتطويعها كما حدث في ليبيا، يكون انتصار الشعب السوري عقابا أكيدا لكل هؤلاء. خصوصا وأن أحداث الانتفاضة وتطورها وانتشارها لتشمل مناطق علوية خالصة أثبتت أنها انتفاضة شعبية شاملة، لا طائفية فيها ولا عنصرية ولا مناطقية ولا حزبية كذلك. وأول ما سوف يمنحه سقوط البعث السوري للشعب العراقي، قبل غيره، وأكثر من سواه، أنه سيوقف نشاط البعث الصدامي المنطلق من سوريا، ويُسقط من يد إيران كماشتها التي تطبق بها على رقبة العراق، ويكسر هيبتها ويشغلها بهمومها الداخلية، خصوصا وأن انتفاضة جماهيرها الإيرانية العريضة ما زال جمرها تحت الرماد يترقب الفرصة السانحة.
عندها فقط سوف يعود جبابرة المنطقة الخضراء إلى أحجامهم، صغارا كما كانوا، ثم يحين الحساب. وهذا ما يدعو الجماهير العراقية الثائرة على الفساد والمفسدين، في كل مدن العراق وقراه، إلى التحرك العاجل والجاد والفاعل لدعم ثورة الشعب السوري ، والتعجيل في انتصارها.
فشمس العراق الحر لن تولد في العراق، مادام هؤلاء يحتكرون السلطة، وما دامت إيران تديرهم، علنا ودون خوف ولا حياء. إن شمس العراق الحر تولد هذه الأيام في سوريا، وستشرق عما قريب من ضواحي درعا وبساتين حماة وسهول دير الزور. وإن غدا لناظره قريب.
ابراهيم الزبيدي