منذ أن ظهر الخميني على الساحة السياسية في إيران بعد أن قدم من فرنسا واستلم الحكم فيها، وهو يرفع شعارات (الموت لليهود) ومسحهم عن وجه الخارطة، وسط حرب إعلامية بين الطرفين لم يظهر منها إلا الصريخ والعويل وتحذير كل طرف من الآخر وتخوفه منه، وزوبعات كانت تنذر بحدوث حرب عالمية، ما تلبث إلا وتنتهي بانتهاء الحدث والمناسبة، وفي الخفاء كانت الفضائح تترى لتكشف أكاذيب كلا الطرفين في ادعاء العداء، وأن العلاقات وطيدة بين الدول التي تدعي المقاومة والصمود من جهة وبين الصهاينة وأمريكا من جهة أخرى.
وكان أكبر هذه الفضائح فضيحة "إيران كيت" والتي كشف النقاب عنها عام 1986م وتم تكليف السناتور "تاور" رئاسة لجنة تحقيق أعدت تقريراً مكوناً من 250 صفحة جاء فيه:" إن الولايات المتحدة الأمريكية يتعين عليها أن تشجع حلفائها الغربيين وأصدقائها على مساعدة إيران في الحصول على طلباتها واحتياجاتها بما في ذلك المعدات الحربية التي تحتاج إليها..!" ويشير التقرير كذلك: " إن إسرائيل لها مصالح وعلاقات طويلة مع إيران، كما أن هذه العلاقات تهم أيضا صناعة السلاح الإسرائيلي فبيع السلاح إلى إيران قد يحقق الهدفين في نفس الوقت؛ تقوية إيران في حربها ضد العراق وهو عدو قديم لإسرائيل كما أنه يساعد صناعة السلاح في إسرائيل" .. لتؤكد كذب مقولة الموت لليهود، وأن العلاقات في الخفاء ليست كالعداء المزعوم في العلن!!
ومن بعد فضيحة إيران كيت عمل النظام الغربي والصهيوني ومعهم النظام الإيراني على اختراع لعبة جديدة وهي لعبة السلاح النووي المزعوم، وتخوف هذه الدول من هذا السلاح وسط صراع استمر سنوات طويلة، قامت خلاله حروب إعلامية جديدة، ولكن الثورات العربية والتي امتدت أطرافها إلى دول تسمي نفسها (المقاومة والممانعة) وخصوصاً سوريا وليبيا عملت على كشف حقيقة العلاقة بين هذه الدول وبين الصهاينة، وذلك كما صرح به كل من القذافي ومخلوف بأن أمن دولتيهما واستقرارهما من أمن إسرائيل.
وأخيرا نفاجئ بـ "إيران كيت" جديدة كشفت أكاذيب هذه الحرب الإعلامية الدائرة على التخوف من المشروع النووي الإيراني، إذ ذكرت تقارير يوم الخميس الماضي بأن 200 شركة صهيونية تقيم علاقات تجارية مع إيران بينها استثمارات في مجال الطاقة الإيرانية، في الوقت الذي كان يعوي فيه المجرم " النتن ياهو" في مجلس الشيوخ الأمريكي بتخوفه من إيران، جاءت هذه التقارير لتفند أكاذيب الأطراف جميعها في مزاعمها بوجود عداء قائم بينهم، ولتؤكد أن العلاقات قائمة على قدم وساق.
وليعيدنا هذا إلى كتاب "التحالف الغادر.. المعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية" للكاتب "ترينا بارسي" خبير العلاقات الدولية الأمريكية الإيرانية، والذي أكد عن مدى هذه العلاقات الوطيدة وأنه كانت تجري مفاوضات بين إيران وأمريكا في العديد من الدول الغربية، منذ بداية عام 2001م وتحديداً بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول، ومنها مؤتمر أثينا عام 2003م، وأن إيران تحاول إجراء صفقة كبرى مع الأمريكان تنفذ به جميع ما تطلبه الإدارة الأمريكية، مقابل تعهد الأمريكان بتنفيذ الطلبات الإيرانية، وكانت إيران تعرض شفافية كاملة للتأكيد أنها لا تطور أسلحة دماء شامل، وأنها على استعداد للالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدون قيود، وهذا ما أكد عليه تقرير السيناتور "تاور" الذي رأس لجنة تحقيق فضيحة إيران كيت!!
وفي ظل هذه الفضائح ويقظة الشعوب المسلمة تكون قد انتهت لعبة هذه الدول في ادعاء المقاومة، واتضح للعالم بأن دول الاعتدال ودول ما يسمى بالصمود ليست سوى أدوات يحركها سادتها من الأمريكان والصهاينة، وأن الشعوب الإسلامية في طريقها لإنهاء بقية الحكم الخياني لشذاذ الطرق الذين يعتلون عروش الدول الإسلامية بإذن الله، والعاقبة للمتقين.
......................
هذا وأكدت شركة "عوفر برذرز غروب" الإسرائيلية للملاحة البحرية أن رسو سفنها في موانئ إيرانية لنقل النفط خلال السنوات الماضية كان بموجب مصادقة الجهات ذات العلاقة في حكومة الاحتلال الإسرائيلي. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاثنين إنها حصلت على تصديق لرواية شركة عوفر ولذلك لم تنضم الصحيفة للأنباء التي انتقدت الشركة فيما يتعلق برسو سفنها في مينائي بندر عباس وخرج الإيرانيين 13 مرة منذ العام 2002 وحتى العام 2010 على الرغم من العقوبات المفروضة على إيران في محاولة لوقف تطوير برنامجها النووي.
ونقلت الصحيفة عن مقربين من "عوفر برذرز غروب" قولهم إن "رسو ناقلات النفط في إيران لغرض شراء نفط خام كان بموجب مصادقة وصلاحيات الجهات المخولة بذلك في إسرائيل". ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفيها لأقوال المقربين من شركة عوفر. ويذكر أن قضية شركة الأخوان عوفر تفجرت في أعقاب إعلان الولايات المتحدة عن إدخال الشركة الإسرائيلية إلى "قائمة سوداء" بسبب بيع شركة "ناتكر باسيفيك" التابعة للإخوان عوفر ناقلة النفط "رافلكس بارك" إلى شركة الملاحة البحرية الإيرانية "إيريسيل" بصورة غير مباشرة وبواسطة شركة "كريستال شيبينغ".
وكانت شركة عوفر قد عقبت على إعلان الولايات المتحدة بالقول إنه "لم نبع أبدا سفنا لإيران والجهات الرسمية والمخولة في دولة إسرائيل بإمكانها تصديق أقوالنا". ونقلت "هآرتس" عن أستاذ القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس البروفيسور يوفال شاني قوله إن "القوانين الأميركية متشددة أكثر من القوانين الإسرائيلية بكل ما يتعلق بالتجارة مع إيران، وهي دولة عدو، وليس واضحا ما إذا كانت مجموعة الأخوان عوفر قد خالفت القانون الإسرائيلي".
من جانب، أشار محلل الشؤون الإستراتيجية والاستخبارية في "هآرتس" يوسي ميلمان إلى أن القانون الإسرائيلي ليس واضحا فيما يتعلق بتعريف إيران كدولة عدو أم أنها ليست كذلك وأن كل وزارة تضع تعريفا خاصا بها. وكتب ميلمان أن "وزارة الدفاع تمنع تصدير عسكري لإيران رغم أنها باعت سرا خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات عتادا عسكريا لنظام آيات الله، ولدى وزارة الداخلية تعريفات خاصة بها بشأن الدخول إلى إيران والخروج منها وهكذا هو الأمر بالنسبة لوزارات الصناعة والتجارة والعدل والمالية أيضا".
ووصف ميلمان سياسة إسرائيل تجاه إيران بأنها منافقة وازدواجية ومدعية لأن "إسرائيل تعظ العالم كله بفرض عقوبات على إيران من أجل المس باقتصادها وكوسيلة مركزية ربما من شأنها أن تقنع القيادة "الإيرانية" بالتوقف عن السباق نحو السلاح النووي، لكن إسرائيل في الواقع لا تفعل أي شيء في هذا الاتجاه". وأفادت "يديعوت أحرونوت" بأن عيدان عوفر وهو أحد مالكي "عوفر برذرز غروب" كان وسيطا بين الولايات المتحدة وشركة من إمارة دبي لشراء الأخيرة موانئ أميركية. واضافت الصحيفة أن عيدان عوفر لا يخفي نشاط شركاته في منطقة الخليج عموما ودبي خصوصا وأنه يرى بذلك "إسهاما كبيرا للغاية لدفع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وبين العالمين العربي والإسلامي وأن التجارة هي مفتاح التطبيع السياسي".
بقلم: أحمد النعيمي