سليمان بن صالح الخراشي
خرج علينا قبل أيام عبر قناة الجزيرة : الماركسي القديم ( صادق العظم ) خلال محاورة فكرية ، وكنت أظن أن مثل هذه المخلوقات قد انقرضت بعد سقوط أمها وحاضنتها روسيا الشيوعية ؛ ولكن يظهر أن بعض بني قومنا ماركسيون أكثر من ماركس نفسه ! وقد أحببت أن أعرف القراء بحقيقة هذا الرجل الذي ربما يجهل البعض تاريخه ... فأقول – مستعينًا بالله - :
- هو صادق جلال العظم، ملحد سوري (من أصل تركي) يدين بالفكر الشيوعي البائد. ولد في دمشق سنة 1934م. - والده جلال العظم كان أحد العلمانيين المعجبين بتجربة كمال أتاتورك في تركيا (انظر ص 14-15 من كتاب " حوار بلا ضفاف "، الذي أجراه صقر أبو فخر مع العظم ). وزوجته هي فوز طوقان (عمها الشاعر إبراهيم طوقان وعمتها الشاعرة فدوى طوقان).
- يعترف العظم بأنه نشأ في جو علماني متحرر لا يعرف أحكام دينه ولا ينفذها. يقول (ص 15 من المرجع السابق) : (كان هناك -أي في بيته- تدين عادي ومتسامحٍ وغير متمسك بالشعائر والطقوس)!! ويقول أيضاً (ص22): (لم يكن أحد حولي يصلي أو يصوم)! - سأله صقر أبو فخر (ص 63): (هل ترى في السلفية الجديدة خصماً حقيقياً؟) فأجاب: (نعم، هي خصمٌ جدي) !
- درس الفلسفة، وكانت رسالته عن الفيلسوف (كانط)، عمل في الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم أستاذاً بجامعة عمَّان سنة 1968م، ثم باحثاً في مركز الأبحاث الفلسطيني، ثم عاد إلى دمشق وتولى رئاسة قسم الفلسفة، بجامعة دمشق.
- اعتنق العظم الفكر الشيوعي (وجهر) بإلحاده في كتابه الشهير "نقد الفكر الديني" المطبوع عام 1969م، الذي خلاصته الزعم بأن الدين (لاسيما الإسلام!) يناقض العلم الحديث! كما هي دندنة الشيوعيين سابقاً قبل أن ينكشف زيفهم وتنتكس شعاراتهم وأفكارهم.
وإليك شيئاً من أقواله في هذا الكتاب :
- (إن كلامي عن الله وإبليس والجن والملائكة والملأ الأعلى لا يُلزمني على الإطلاق بالقول بأن هذه الأسماء تشير إلى مسميات حقيقية موجودة ولكنها غير مرئية) ! (ص59من الطبعة الثامنة).
- (أصبح الإسلام الأيدلوجية الرسمية للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي وخارجه: السعودية، أندنوسيا، الباكستان) (ص 16-17).
- (إن الدين بديل خيالي عن العلم) (ص17).
- (يعترف رجال الدين الإسلامي! وكتابه بوجود تناقض ظاهري –على أقل تعديل- بين العلم الحديث وثقافته ومناهجه من ناحية، والدين الإسلامي) (ص23) ولا ندري من هؤلاء المعترفون؟!
- يطعن العظم في القرآن (صراحة) بقوله (ص25): (يشدد القائلون بالتوافق التام بين الإسلام والعلم أن الإسلام دين خالٍ من الأساطير والخرافات باعتبار أنه والعلم واحد في النهاية، لنمحص هذا الادعاء التوفيقي بشيء من الدقة! بإحالته إلى مسألة محددة تماماً. جاء في القرآن مثلاً أن الله خلق آدم من طين ثم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس، مما دعا الله إلى طرده من الجنة. هل تشكل هذه القصة أسطورة أم لا ؟ نريد جواباً محدداً وحاسماً من الموفقين وليس خطابة. هل يفترض في المسلم أن يعتقد في النصف الثاني من القرن العشرين بأن مثل هذه الحادثة وقعت فعلاً في تاريخ الكون؟ إن كانت هذه القصة القرآنية صادقة صدقاً تاماً وتنطبق على واقع الكون وتاريخه لابد من القول أنها تتناقض تناقضاً صريحاً ! مع كل معارفنا العلمية..)!! الخ هرائه. ولا ندري ما هي هذه المعارف العلمية التي تناقض كلام الله؟! إلا إذا كانت معارفه المادية التي لا تؤمن بالغيب.
- يقول الشيخ عبد الرحمن الميداني في كتابه "صراع مع الملاحدة حتى العظم" (ص12-13) بأن العظم ألف كتابه السابق: (خدمة للماركسية والداروينية والفرويدية، وسائر النظريات بل الفرضيات اليهودية الإلحادية. وهو في كل ذلك يتستر بعبارات التقدم العلمي والصناعي والمناهج العلمية الحديثة، ولا يقدم من البينات إلا قوله مثلاً: إن العلم يرفض هذا، أو لا يُسلم بهذا، أو يثبت هذا، دون أن يطرح مناقشات علمية نقدية تتحرى الحقيقة).
- ويقول العظم عن عقيدته الشيوعية (ص 29): (إنها أهم نظرية شاملة صدرت في العلوم)!
- ومما يثير العجب: أن العظم –رغم إلحاده- عقد فصلاً في كتابه السابق "نقد الفكر الديني" يدافع فيه عن (إبليس) !! سماه (مأساة إبليس) (ص55 وما بعدها) ردد فيه شبهات إبليس التي نقلتها بعض الكتب السابقة في اعتراضه على القدر؛ ككتاب "الملل والنحل" للشهرستاني (7-10) . ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في الفتاوى (8/115): (هذه المناظرة بين إبليس والملائكة التي ذكرها الشهرستاني في أول المقالات ونقلها عن بعض أهل الكتاب ليس لها إسناد يعتمد عليه).
وقال –رحمه الله- معدداً طوائف القدرية (القسم الثالث: القدرية الإبليسية الذين صدقوا بأن الله صدر عنه الأمران [أي أنه قدَّر وأمر ونهى]، لكن عندهم هذا تناقض.. وهؤلاء كثير في أهل الأقوال والأفعال من سفهاء الشعراء ونحوهم من الزنادقة) (الفتاوى 8 /260).
ثم ختم العظم كلامه بقوله عن إبليس (ص85): (يجب أن نرد له اعتباره بصفته ملاكاً يقوم بخدمة ربه بكل تفان وإخلاص!... يجب أن نكف عن كيل السباب والشتائم له، وأن نعفو عنه ونطلب له الصفح ونوصي الناس به خيراً) !! فتأمل هذا (الكفر) ما أعظمه ؟
قد يقول قائل: كيف يكون العظم ملحداً ثم يعترف بوجود إبليس ؟! فأقول: قد صرح الملحد في بداية كلامه –كما سبق- أنه لا يعترف بوجود إبليس لأنه لا يعتقد أصلاً بوجود خالقه ولكن بحثه –كما يدعي- (ص57): (يدور في إطار معين لا يجوز الابتعاد عنه على الإطلاق؛ ألا وهو إطار التفكير الميثولوجي الديني الناتج عن خيال الإنسان الأسطوري وملكاته الخرافية) فهو يريد دراسة شخصية إبليس (باعتبارها شخصية ميثولوجية أبدعتها ملكة الإنسان الخرافية، وطورها وضخمها خياله الخصب) (ص 57).
ومع هذا: فقد قال الشيخ محمد حسن آل ياسين في كتابه "هوامش على كتاب نقد الفكر الديني" (ص61) بأن بحث العظم عن إبليس: (لم يكن من بنات أفكاره، ولا من وحي ثقافته العلمية، وإنما استقى خطوطه الأساسية من بحث المستشرق "ترتون" عن الشيطان، وبحث المستشرق "فنسنك" عن إبليس المنشورين في الانسكلوبيديا الإسلامية). قلت: انظر البحثين في دائرة المعارف الإسلامية (14/46-57).
أخيراً : فقد قام بالرد على العظم كثير من العلماء والكتاب؛ من أبرزهم:
1- الشيخ عبد الرحمن الميداني في كتابه "صراع مع الملاحدة حتى العظم".
2- الشيخ محمد حسن آل ياسين في كتابه "هوامش على كتاب نقد الفكر الديني".
3- الأستاذ جابر حمزة فراج في كتابه "الرد اليقيني على كتاب نقد الفكر الديني".
4- الأستاذ محمد عزت نصر الله في كتابه "تهافت الفكر الاشتراكي".
5- الأستاذ محمد عزة دروزة في كتابه "القرأن والملحدون" .
6- الدكتور عبداللطيف الفرفور في كتابه "تهافت الفكر الجدلي".
7- الباحث حسن بن محمد الأسمري في رسالته "موقف الاتجاه الفلسفي المعاصر من النص الشرعي". ( لم تطبع بعد ) .
8- الأستاذ أحمد أبو عامر في مقاله "إلى متى تنطح صخور الإسلام" في المجلة العربية (رجب 1413هـ).