لم تكن تلك الدماء التي أريقت في عملية التطبير عاكسة لفكر حصين وثقافة عملاقة تشد العقل إلى منابعه وأصوله , ولم ينحدر الفكر الشيعي إلى مهاوي الضرر ومزالق السخرية لكي يضع الإعلام الغربي والعربي صور الدماء والسيوف والسكاكين في الجرائد والمجلات كعنوان لمذهب آل محمد في محاولة يائسة للحد من انتشاره وذيوع صيته وإذعان القلوب للتصديق به والإيمان بحقيقته .
إنه من المؤسف أيما أسف أن تتجاهل فئة لها التأثير البالغ بعملها هذا نداء العقل ومحاولة الكف عن مثل هذه الشعارات الجوفاء من الدماء المسفوكة على الأرض والتي لا تخدم إلا المتربص والمعادي,
ولعمري فإن روج لها أناس فإنه لا يعترينا الشك في مقاصدهم وأهدافهم .
و كيف لا نأسى ونتحسر على منجزات ومكتسبات دعوة الرسول الأكرم والأئمة الطاهرين والجهود التي بذلت لتحقيق رسالة السماء كواقع عملي مطبق على الأرض ونحن نرى بأم أعيننا تلك الأفعال المشينة التي تنفر منها النفوس و تشمئز منها القلوب تنخر كمرض مستشري يستعصى علاجه .
التطبير وسيلة بلا هدف
إن ممارسة مثل هذه الأعمال يمكن تصنيفها على أنها وسيلة للتعبير ليس عن موقف الرفض للظلم والطغيان الذي وقع على الحسين وأهل بيته بل يفوق ذلك إلى ترجمة الرفض على أنه تضحية وفداء بالنفس والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
وهذا من الحجج والمغالطات التي برر لها المطبرون شرعية ممارساتهم وهو مخرج يعتد به أصحاب تلك الأعمال والممارسات , وهي في الواقع لها ردود فعلية قاسية على المذهب من تشويه وتشهير وتوهين .
ويجب أن يدرك المطبر والممارس للتطبير أن فعله وسلوكه وسيره على مثل هذا الخط يشكل مثلبة ونقيصة تسجلها أطراف معادية تسخرها قنواتها الإعلامية لنشرها بشكل مقزز وذلك لقلب صورة مذهب آل محمد من مذهب الحق والعقل إلى مذهب الدم والوحشية و بالشكل الذي تريده لوقف المد الشيعي الهادر وانتشاره وتشكيك عامة الناس في دينهم ومذهبهم .
حجة أخرى
ومن الأسباب الواهية والتي يتمسك بها المطبرون أنه لا يمكن التنازل عن مثل هذه الشعائر (بقولهم ) لمجرد أن ذلك لا يروق لفلان أو فئة ما , وإذا تنازلنا عن مثل هذه الأعمال فإننا لا نستبعد أن تكون مطالبهم الامتناع عن العزاء واللطم , ولهذا نحن لا نبالي بأحد شاء من شاء وأبى من أبى .
وهنا نشير إلى أن الامتناع والكف عن هذه الأفعال لا يعني التنازل عن أسس الثورة الحسينية لان تلك الثورة هي نفسها أول من وظفت الدم الطاهر للإمام الحسين لحماية الإسلام المحمدي وسقت من فيضها ركائز الدين الحنيف لكي تضمن السماء بقاء هذا الدين بعيداً عن الأهداف الأموية والفكر الوثني الجاهلي , والمطبر وللأسف يخدم تلك الأهداف بشكل أو بأخر بقصد أم بغير قصد لأنه لم يجعل من سقيا هذا الدم المراق هدفاً يخدم تلك الثورة ولم يوظف مواقفه (المقززة والوحشية) كصورة جميلة تحمل الرحمة الحسينية في بكائه على أعدائه والتي من شأنها ترقق القلب .
وبما أن العالم أصبح كقرية صغيرة فإن المشاهد لمثل هذه المناظر ( منظر التطبير ) لا يحمل روح التفاعل مع مظلومية الإمام الحسين قدر ما يحمل في نفسه وحشية هذا الفعل ومدى منفعته لفاعله أو للإمام الحسين , وبعبارة أخرى إن عملية التطبير تغير وتبدل صورة مظلومية الإمام الحسين إلى صورة دموية مقززة مشينة تنفر مشاهديها من صورة الثورة الحسينية الهادفة إلى صور مسيئة ومنفرة .
عن عمر بن أبان قال : سمعت أبا عبد الله يقول ( يا معشر الشيعة إنكم نسبتم إلينا , كونوا لنا زيناً ولا تكونوا شيناً )[1]
و لقائل أن يقول : إن مراجع التقليد وفطاحل الاجتهاد لم يحرموا ذلك بل هناك من رائ باستحبابه .
وفي مقام الجواب يجدر بالقارئ والمتابع الحصيف أن يدرك أن مسألة التطبير كانت ولازالت مسألة خلافية فهناك من حلل وهناك من حرم , ولكن الشئ الأكيد وحسب علمي القاصر لا يوجد منهم من اوجب هذه المسألة أو أفتى بوجوبها , وعليه ليس هناك من يلزم المطبر على فعله وخاصة إذا أدرك العواقب الوخيمة المترتبة عن ذلك , ناهيك عن تحريم كثير من المراجع العظام مثل هذه الممارسات كما أفتى بذلك الكثير منهم لتفويت فرصة النيل من الإسلام أو حتى استنقاصه .
والحل
إن الحل الوحيد الذي من خلاله تثمر جهود ثورة الحسين وتؤتي شجرة التضحية والفداء أكلها أن تستثمر هذه الدماء الطاهرة في بناء الكيان الإنساني الإسلامي وتحويل تلك الوسيلة المشينة إلى هدف سامي ينقذ حياة المحتاجين وأصحاب الأمراض المستعصية مثل التكسر وفقر الدم , لمنح هؤلاء حق الحياة ومنحهم هدية الإمام الحسين دماً ولكن ليس مسفوحاً بل رياً روياً لحياة جديدة تمنحهم المستقبل ويحدوهم الأمل , وبذلك تتحقق الأهداف النبوية كأصل والحسينية كامتداد.
وإذا كان الإصرار والعناد هو المسيطر فلهم أن يسألوا أنفسهم
ماذا قدموا المطبرون للحسين ؟
السيد علي عبدالمحسن السلمان