لا شك في أن الإمام الحسين هو الإمام المفترض الطاعة، وأنه الإمام الثائر الشهيد، وأن حياته وشهادته خالدة، وأن إحياء ذكراه شعيرة بما تمثله تلك الشعيرة من رسالة تغيير في الأوساط الإسلامية وبما تمتلكه تلك الثورة من أهداف سامية ونبيلة تخدم الإنسانية وتنير الدرب لكل من يكون قريباً من أي حكومة فعلية، ولكن يبقى السؤال:
كيف تُحيا هذه الشعيرة بما يتناسب وقدسية الإمام وأهدافه الشريفة؟
وكيف يتجلى في تلك الشعيرة كل أثر تربوي وأخلاقي وعقدي؟
إن في عاشوراء كثير من المراسم بعضها كان في زمن الرسول وأهل بيته الطاهرين وبعضها من ابداعات وابتكارات الناس خصوصاً وبعض العلماء عموماً، لذا حاولت أن أظهر بعض تلك المراسم لنتعرف على مشروعيتها من عدمها حسب ما نقله لنا أئمة أهل البيت، وقبل تعداد ذلك نتوقف مع توقيفية الشعائر، فماذا يراد منها؟
توقيفية الشعائر
ومعنى التوقيفية هو ورود نص شرعي على لسان النبي أو أئمة أهل البيت الطاهرين ، أو فعل يدل على ذلك أو تقرير لعمل حدث أمامهم ، وعليه فإذا آمنا بذلك فلا يمكن الحكم بشعائرية هذا العمل أو ذاك إلا إذا ورد نص بذلك يوحي بأنه شعيرة من الشعائر.
أو أننا نرفض ذلك المصطلح التوقيفي ويبقى للناس – عموماً – حرية إظهار الشعيرة بما يراه هو لا بما يراه الشرع وبأي طريق يتناسب مع ذوقه ومزاجه ، فلا الحدود تملكه ولا النصوص الشرعية تقيده ، ولا أظن بأن أحداً يقبل بذلك .
ومن هنا نقول لا بد لنا من الالتزام بما ورد في نصوص أهل البيت ولكن ليس على جموده بل على ما هو عليه كالنياحة مثلاً حيث ورد فيها العديد من الروايات، وإلى هنا كان لزاماً علينا تعداد بعض المراسم وبيان مشروعيتها من العدم:
1-إقامة المآتم على الحسين .
وهذا مما وردت فيه الأخبار المتعددة وقد ذكر العلامة الأميني في كتابه (سيرتنا وسنتنا سيرة وسنة رسول الله) عشرات المواقف التي نعى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين منذ ولادته – الحسين - إلى قبيل وفاته ، وهذا أكبر شاهد على شعائرية إقامة المآتم على الحسين نذكر منها شاهدا واحدا هو:
أخرج الحافظ الكبير أبو القاسم الطبراني (المعجم الكبير) لدى ترجمة الحسين السبط وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني عباد بن زياد الأسدي، نا عمرو بن ثابت عن الأعمش عن أبي وايل شقيق بن سلمة عن أمّ سلمة قالت: كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبىّ في بيتي فنزل جبريل فقال: يا محمّد إنّ امّتك تقتل ابنك هذا من بعدك، فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله : وديعة عندك هذه التربة، فشمّها رسول وقال: ريح كرب وبلاء.
قالت: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قتل، قال: فجعلتها أمّ سلمة في قارورة. ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم.
وأخرج: الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي في (تاريخ الشام) قال: أخبرنا أبو علي الحدّاد وغيره - اجازة - قالوا: أنا أبو بكر بن ريذه، نا سليمان ابن أحمد - يعني الحافظ الطبراني - نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، بالاسناد واللفظ غير أنّ فيه: ويح كرب وبلا. مكان: ريح كرب وبلا.
وأخرج الحافظ الكنجىّ في (الكفاية) ص 279 قال: وأخبرنا الحافظ يوسف ابن خليل بن عبد الله الدمشقى بحلب، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أبي زيد الكراني، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد الجوزدانية، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن زيده أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان ابن أحمد الطبراني، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل بالاسناد وبلفظ ابن عساكر.
2-البكاء على الحسين :
ولا شك في مشروعية البكاء على الحسين لورود النصوص الكثيرة من بكاء رسول الله عليه وعلى غيره كالحمزة مثلاً كما مرّ في الرواية السابقة وغيرها ولو أخذنا مسحة سريعة على كتاب (سيرتنا وسنتنا) لوجدنا كيف كان رسول الله يبكي عند تذكر ما يحدث للإمام الحسين بل لو تفحصنا كتب السنة لوجدنا الكثيرة منها ناهيك عما جاء في القرآن من بكاء يعقوب على يوسف عليهما السلام حتى بيضت عيناه من الحزن .
3-اللطم على الصدور:
من المراسم التي تقام في عاشوراء اللطم على الصدور ، وإذا قلنا بتوقيفية هذه الشعيرة فإننا نقول بعدم ورود نص من أئمة أهل البيت عليهم السلام ينص على استحباب اللطم أو أن هذا وسيلة مشروعة في هذه الشعيرة ولم يفعلوا هم بأنفسهم ذلك ولم يرو أحد أنهم رأوا أحداً يلطم على صدره وقرروا فعله ، أما إذا قلنا بعدم توقيفية الشعائر وأن لكل فرد الحرية في الإتيان بأي طريقة تعبر عن الشعيرة فإن اللطم يعتبر من الشعيرة.
4-التطبير:
وكنت قد تحدثت عن هذا الفعل في أكثر من دراسة كانت إحداها (التطبير بدعة أم شعيرة) والثانية ( بساطة التفكير في حكم التطبير) وخلصت هناك بأن هذه لا تعد من الشعيرة في شيء ولا دليل شرعي ولا عقلي ينهض هذا العمل ليكون عملاً حسناً كي نعتبره جزءاً من الشعيرة فراجع إن شئت.
وهناك أمور أخرى تأتي إن شاء الله .