راجي أنور هيفا
من الصعب حقاً أن نجد مستشرقاً منصفاً ونزيهاً تمام النزاهة في كتاباته عن الإسلام وكتابه السماوي، وعن مبادئه ورسوله(ص) ورجاله، وعن التاريخ الإسلامي وحوادثه الماضية بكل ما فيها من حلاوة أو مرارة، ولكن عندما نقول انه من الصعب أن نجد المستشرق المنصف، فلا يعني هذا أن الأمر مستحيل بحيث لا يمكن إدراكه أو بلوغه، فالاستشراق علم قائم بذاته يعتمد على دراسة تاريخ شعب وجغرافيته ويعتمد أيضاً على عقائده الروحية والميثيولوجية، بالإضافة إلى ذلك يعتمد على الدراسات النفسية لهذا الشعب أو ذاك في (الشرق)، ولا ينسى علم الاستشراق دراسة الفنون المختلفة لهذا الشعب ودراسة نظمه السياسية في أطوار متعددة، ولا يخفى على القارئ الكريم أن للاستشراق مدارس مختلفة، فهناك المدرسة الفرنسية والمدرسة الألمانية والمدرسة الأسبانية والإنكليزية و...الخ.
لعلّ الدراسة الفرنسية في الاستشراق من أقدم وأعرق المدارس التي تناولت التاريخين العربي والإسلامي، إذ راح المستشرقون فيها يكتبون عن هذين التاريخين ما تمليه عليهم المصادر التاريخية المتوفرة لديهم حيناً، وتمليه عليهم ضمائرهم ونواياهم حيناً آخر، وقد لعبت الحملات الصليبية دوراً كبيراً في تعريف الغربيين على المنطقة العربية وعلى الحضارة الإسلامية المزدهرة وقتذاك.
وقد زاد الاهتمام الفعلي بالدراسات الاستشراقية من قبل الباحثين والسياسيين الفرنسيين منذ بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، حيث كان رجال الدولة من سياسيين ورجال اقتصاد يرسلون المبعوثين والباحثين أو يقومون بتكليف بعض المعتمدين في القنصليات الفرنسية في المشرق: المنطقة العربية، استنبول، لشراء وجمع المخطوطات العربية والشرقية(1)، ولم يوفروا جهداً للحصول على أية مخطوطة أو تحفة فنية يمكن الحصول عليها من الأراضي الإيرانية الغنية بالتراثين الفارسي والإسلامي، تلك التحف والمخطوطات التي تعرف الإنسان الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً على الطبيعة الحياتية والفكرية والروحية للإنسان العربي وللمسلم الذي يقطن في مساحة جغرافية لا يستهان بها أبداً، لهذا السبب كان أولئك الفرنسيون، خاصة رجال السياسة والاقتصاد منهم، يخططون لفتح أسواق تجارية لهم في هذه المنطقة من أجل الإفادة من تراثها وثرواتها وجعلها سوقاً رابحة لمصالحهم التجارية.
ولا يجهل أحد الدور الذي لعبته الحملة الفرنسية لاحقاً في هذا المجال على العديد من البلدان العربية حيث كانت حصيلة جمع المخطوطات أكثر من ثلاثمائة وعشرين مخطوطة (2)، وقد تم جمعها بشكل دقيق ومدروس من قبل بعض الباحثين وعلماء المشرقيات من الذين كانوا يرافقون نابليون في حملاته أمثال (بارادي دوفنتور) والباحث (آميدي جوبير).
ولكن من اللافت للانتباه حقاً أن معظم هؤلاء المستشرقين الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين كانوا يعتمدون في دراساتهم عن الإسلام على مصدر ذي اتجاه محدد لا غير، فجاءت دراساتهم غير كاملة وغير ناضجة تماماً، لأن الذي ينظر إلى الأمور بعين واحدة ستبقى نظرته ناقصة وغير مكتملة تماماً، بل ستظل رؤيته للأمور ضبابية وكأنه ينظر إلى الأمور بواقعيته الخاصة لا كما هي في حقيقتها أبداً، فالمصدر الوحيد الذي اعتمده المستشرقون هو المصدر التاريخي الذي كتبه رجال السلطة وأصحاب القوة المادية الذين تربعوا على كرسي الحكم باسم الإسلام وهم أبعد ما يكونوا عن مبادئه وأحكامه وروحانيته، فتحول كرسي الخليفة إلى عرش ملك.
إذاً فالتاريخ الإسلامي كتب بيد السلطان أو الملك المدعي للخلافة الذي كان يغدق بالأموال على الشعراء والكتاب والمؤرخين كي يكتبوا ما يشاء من أحاديث وأحداث، ذلك التاريخ الذي أغفل عمداً الجوانب الروحية في الرسالة الإسلامية، تلك الجوانب التي مثلتها مدرسة أهل البيت (ع) خير تمثيل، وبالرغم من كل ما حدث من خلط أوراق مهمة في التاريخ الإسلامي وتشويه لكثير من الحقائق فيها، إلا أن إسلام الكلمة والروح بقي أقوى وأكثر إشراقاً من إسلام السيف وإيمان المظاهر الخادعة، وبقيت مدرسة أهل البيت (ع) المدرسة الأولى التي كانت ولا تزال تمثل الحبل المتين والعروة الوثقى التي تربط أتباعها بين عالمين، عالم الأرض وعالم السماء كي تحقق بذلك التوازن المادي - الروحي في النسيج الفكري - الجسدي للإنسان المسلم حقاً.
وعلى ما يبدو فإن المستشرق الفرنسي الدكتور (هنري كوربان) من القلائل الذين فهموا هذه الحقيقة عن التاريخ الإسلامي وعن الممثل الحقيقي للجانبين الفكري والروحي في هذه العقيدة السماوية، وكان أيضاً من القلائل جداً الذين كتبوا بنزاهة وجدية عما اكتشفوا من حقائق لا تقبل الطعن، عن الدين الإسلامي الحنيف.
ومن المعروف عن الدكتور كوربان أنه كان أستاذاً محاضراً في جامعتي السوربون وطهران وكان أيضاً رئيساً للمعهد الفرنسي -الإيراني، وقد استغل كوربان فترة وجوده الطويلة في إيران أفضل استغلال، فاطلع على كثير من المخطوطات والوثائق الاسلامية، وكان على اتصال وثيق مع كبار رجال الفكر والدين هناك، خاصة اتصاله الوثيق والصداقة الوطيدة التي نشأت بينه وبين العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي الذي يعتبر رائداً في منهج البحث العقائدي الحديث، وقد بدأت قصة كوربان مع فكر أهل البيت (ع) عندما طلب عام 1959 لقاء مع السيد الطباطبائي، صاحب تفسير الميزان الذي بلغت شهرته الآفاق، وكان طلب كوربان لقاء الطباطبائي من أجل المناقشة والحوار القائم على تقبل وجهات النظر المنطقية ومن ثم الخروج بنتيجة مفيدة تلخص النقاط التي أراد كوربان طرحها ومناقشتها مع السيد الطباطبائي.
والحقيقة أن السيد الطباطبائي انطلق في حواره مع كوربان من تصور مؤداه أن الإسلام الأصيل وعلوم أهل البيت (ع) لم تعرف طريقاً لها إلى العالم الغربي، وهذا لأن رؤية جميع المستشرقين الذين أخذوها عن الإسلام والتشيع عكست بعداً أحادياً في أذهانهم من خلال اعتمادهم على مصادر فريق واحد وإهمالهم للفريق الآخر، حيث كان من نتيجة ذلك، حسب رأي الطباطبائي، أن الصورة التي تشكلت لدى أولئك عن التشيع لم تزد عن كونه فرقة منشقة عن المجرى الأصلي للاسلام، اختلفت مع الأكثرية على قضايا سياسية في طليعتها موقفها من الخلافة والحكم(3).
وقد ذكر كوربان نفسه -كما يقول السيد الطباطبائي- أن ما جناه المستشرقون حتى الآن من معلومات عن الإسلام اقتصر على مصادر أهل السنة ولم يتجاوزها إلى غيرها أبداً، بحيث لم ينفتح هؤلاء المستشرقون على غير هذا المحيط فيما يحفل به من مصادر ورجال، بل نراهم عادوا إلى مصادر أهل السنة وعلمائهم في تشخيص المذاهب الإسلامية المختلفة(4).
ومن أبرز النقاط التي يسعى كوربان لفهمها في المذهب الشيعي قضية الولاية، بالإضافة إلى قضية أخرى لا تقل أهمية عن النقطة الأولى، إنها قضية الإمام المهدي(عج) وإيمان الشيعة الاثني عشرية بعودته بعد ظهور عدة دلائل وإشارات بغية إحياء علوم وسنة جده الرسول المصطفى (ص) من جديد، وقد رفض كوربان منذ البداية الانقياد والجري وراء منطق التعصب والجهل الذي تميزت به النظرة الاستشراقية فيما يتعلق بالكثير من القضايا الإسلامية الحساسة، وبشكل خاص قضيتي الولاية والإمام المهدي(عج)، وقد رفض كوربان أيضاً -كما يقول الأستاذ جواد علي- موقف التشنيع والتحامل الأعمى الذي تتعامل من خلاله بعض الاتجاهات المذهبية الإسلامية مع هاتين القضيتين الحساستين(5).
إن هذا الموقف من قبل كوربان القائم على المنطقية والموضوعية في معالجة الأمور ومحاكمتها، سهَّل عملية التفاعل والإفادة من حواره مع العلامة الطباطبائي، وقد وصف العلامة الطباطبائي عقلانية وصفاء سريرة هنري كوربان بقوله: (كان كوربان-رجلاً سليم النفس يتسم بالموضوعية والإنصاف، وغالباً ما كان يقرأ أدعية الصحيفة المهدوية وهو يبكي) (6).
إن كوربان الذي درس القرآن الكريم بعمق وجاهد نفسه للوصول إلى الحقائق الإسلامية من خلال مدرسة أهل البيت (ع) جعلت منه إنساناً لا يخشى في الحق لومة لائم، وليس هذا بالشيء الغريب لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في محكم تنزيله أن الذي يأتم بالذكر الحكيم الذي لا يعلم حق تأويله إلا هو سبحانه والراسخون في العلم، أي أئمة الهدى (ع)، فإن الله سيقوده إلى شاطئ الأمان؛ (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (7).
لقد أسفر اطلاع كوربان على مذهب أهل البيت (ع) من خلال ما قرأ لكبار رجال هذا المذهب من السابقين ومن اللاحقين المعاصرين، وتأثره الشديد بتراث الميرداماد وبمؤلفات صدر المتألهين الشيرازي، بالإضافة إلى حواراته مع العلامة الطباطبائي، كل هذا أسفر عن نتيجة حاسمة ونهائية توجت أبحاثه عن هذا المذهب النقي، ويمكن لنا أن نورد شيئاً من هذه النتيجة معتمدين في هذا على ما قاله كوربان نفسه عن هذا المذهب: (في عقيدتي أن التشيع هو المذهب الوحيد الذي حفظ بشكل مستمر، رابطة الهداية بين الله والخلق، وعُلقة الولاية، حية إلى الأبد، فاليهودية أنهت العلاقة الواقعية بين الله والعالم الإنساني، في شخص النبي موسى (ع)، ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السيد المسيح والنبي محمد (ع) فقطعت الرابطة المذكورة، والمسيحية توقفت بالعلاقة عند المسيح (ع) ، أما أهل السنة من المسلمين فقد توقفوا بالعلاقة المذكورة عند النبي محمد (ص)، وباختتام النبوة به لم يعد ثمة استمرار في رابطة العلاقة (في مستوى الولاية) بين الخالق والخلق، التشيع يبقى هو المذهب الوحيد الذي آمن بختم نبوة محمد (ص) وآمن في الوقت نفسه بالولاية- وهي العلاقة التي تستكمل خط الهداية، وتسير به بعد النبي- وأبقى عليها حية إلى الأبد) (
.
إن هذه النتيجة التي توصل إليها كوربان تتناقص كلياً، بل تدحض بشكل كامل كل مزاعم الذين يقولون إن المذهب الشيعي الذي ينهل علومه من فكر أهل البيت (ع) هو مذهب نشأ لاحقاً نتيجة لصراعات سياسية فرضتها ظروف تاريخية خاصة، بل استطاع كوربان أن يعزز النتيجة السابقة بقوله: (ما تحصل لي من خلال مطالعاتي وبحوثي العلمية-كوني مستشرقاً مسيحياً بروتستانتياً- أنه يجب النظر إلى حقائق الإسلام ومعنوياته من خلال الشيعة، الذين يتحلّون برؤية واقعية للإسلام) (9).
وعلى الرغم من أن أغلب المستشرقين قد حاولوا نقل صورة مشوهة عن الإسلام والتشيع إلى العالم الغربي وتقديم تلك الصورة على أساس أن الإسلام بمفاهيمه العامة، والتشيع بمفاهيمه الخاصة عبارة عن بناء واه خال من الفكر والثقافة وبعيد عن كل المستجدات والتطورات الحضارية إلا أن كوربان ونفراً قليلاً من المستشرقين كان لهم وجهة نظر مخالفة تماماً لهذه الصورة المشوهة، وحاولوا جاهدين إزالة الحجب والسواتر عن الوجه الحقيقي للإسلام المضيء وإعادة وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالمذهب الشيعي الذي يمثل الوجه الروحي والفكري للدين الإسلامي الذي جاء به محمد (ص) كرسالة سماوية خالدة، هذه الرسالة التي توجه بها الرسول المصطفى(ص) - كما يقول المستشرق (مكسيم رودنسون)- لكل البشر(10) وليس لأمة واحدة دون غيرها.
إن معارضة كوربان للفكرة التي نقلها المستشرقون عن الإسلام والتشيع إلى أبناء الغرب جعلت منه باحثاً متفرداً وعالماً متميزاً في طريقة البحث والدراسة، وفي طريقة إيصال نتائج هذه الدراسات والبحوث إلى عالم الغرب المادي الذي تشرب بالأفكار الخاطئة عن دين لا يعلم عن حقيقته إلا ما نقل إليه من صور مشوهة عنه، بل ربما عرف المستشرقون الكثير من حقائقه لكن نواياهم السيئة وسوء سرائرهم أبت أن تتلفظ بالحقيقة الساطعة كقرص الشمس ساعة الهاجرة، وهذا ما دعا كوربان إلى نذر نفسه وقلمه في سبيل إعلاء كلمة الحق عند من جهل أو تجاهل هذا الحق، وها هو يقول مؤكداً: (من هذه الجهة بذلت جهودي، على قدر ما أستطيع، لتعريف العالم الغربي بمذهب التشيع على النحو الذي يليق به ويتّسق مع واقعية هذا المذهب، وسأبقى أبذل الجهود في هذا الطريق) (11).
وبالفعل فقد وفى الدكتور كوربان بوعده وبقي مخلصاً لمبدئه فيما يتعلق بنشر الفكر الإسلامي الشيعي المرتكز على فكر وتعاليم أهل بيت الرسول المصطفى (ع)، ولم ينس كوربان أيضاً الفكر العرفاني في العمق المذهبي الشيعي، بل أولاه اهتماماً كبيراً وركز اهتمامه على مؤلفات الميرداماد وعلى مجموع مؤلفات صدر المتألهين الشيرازي وعلى كتابات السهروردي ، مؤسس حكمة الإشراق في الإسلام، وكان من حصيلة هذه الدراسات المعمقة التي قام بها كوربان أن خرج بالعديد من الكتب عن المذهب الشيعي، ولعل من أبرز هذه الكتابات الكتاب الذي يحمل عنوان (عن الإسلام في إيران- مشاهد روحية وفلسفية) وقد قام الأستاذ نواف الموسوي بترجمته إلى اللغة العربية، ويتوزع الكتاب المذكور على سبعة فصول وهي:
1- التشيع وإيران.
2- مفهوم التشيع الاثني عشري.
3- معركة التشيع الروحية.
4- ظاهرة الكتاب المقدس.
5- في الباطن والتأويل.
6- مبحث النبوة ومبحث الإمامة.
7- معنى الإمام للروحانية الشيعية.
وقد أضاف المترجم مشكوراً فصلاً خاصاً عن التحقيقات والحواشي والملاحق والفهارس العامة، ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يقع في أربعة أجزاء وتمت ترجمة الجزء الأول منه فقط حتى الآن للمترجم المذكور.
ورب سائل يسأل: ما هو الأثر المباشر الذي تركه الإسلام عموماً والمذهب الشيعي خصوصاً على (هنري كوربان) بعد أن أمضى ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن في دراسة هذا الفكر العميق؟.
إن الأثر المباشر يتجلى في مظهرين واضحين تماماً، فالمظهر الأول يتجلى بتغير النظرة المشوهة في العالم الغربي عن الإسلام، كدين سماوي وعن المذهب الشيعي كفكر إسلامي أصيل احتل منذ بيعة الدار الصدارة الروحية في الساحة الإسلامية، إذ لم يعد المذهب الشيعي -كما تصوره فيما مضى- ذاك المذهب الذي شق طريقاً خاصاً له بعد أن خضعت الساحة الإسلامية لمعارك سياسية وحروب من أجل أمجاد ومطامع شخصية لا علاقة لها بالولاية أو بالسيادة الروحية المنصوص عليها شرعاً بالنص القرآني تارة وبالأحاديث النبوية الشريفة تارة أخرى، لقد استطاع كوربان إذاً أن يقلب المفاهيم الخاطئة تماماً بعد أن سادت فترة طويلة من الزمن، بل صار له اتباع في منهجه العلمي وفي بحثه العقائدي عن عالم الشرق الروحي وتراثه الفكري والعقائدي ولعل من أبرز أتباعه المعاصرين السكرتير العام لكتلة نواب الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي ومدرس مادة الاستراتيجية في جامعة السوربون، الأستاذ (فرانسوا توال).
ومن المعروف أن التشيع كان من اهتمامات (توال) الكبيرة،ومن أشهر ما كتبه في هذا المجال، كتابه الذي يحمل عنوان (جيوبوليتيك التشيع) الذي تمت ترجمته إلى اللغة الفارسية، ويقول توال مؤكداً على تأثره بمعلمه الدكتور هنري كوربان: (منذ وقت طويل انصب اهتمامي على التشيع بعد أن اطلعت على مؤلفات هنري كوربان التي التهمتها كلها) (12).
ويؤكد (فرانسوا توال) على أن الإسلام بمفاهيمه الروحية والعقائدية العامة لن يتم فهمه ما لم نفهم نحن، أهل الغرب، المذهب الشيعي القويم، ويؤكد توال قائلاً: (سيبقى هذا العالم الإسلامي غير مفهوم منا سواء كان بشكله السياسي أو بشكله الجيوبوليتيكي أو بشكل حوار الأديان إذا كنا لا نعرف التشيع) (13).
إنها نفس الفكرة التي كان يكررها ويؤكد عليها أستاذه هنري كوربان، أما المظهر الثاني للتأثير الإسلامي الشيعي على كوربان فيتجلى بشكل مباشر وشخصي تماماً، فالباحث الذي يتعمق بدراسة الأبعاد الروحية للدين الإسلامي سيعشق هذا الدين بلا شك، وعندما يتعلق هذا الباحث أو ذاك بروحانية هذا الدين وبتعاليمه الإنسانية السمحاء، فسيلجأ إلى النبع الصافي لهذه التعاليم وسيترك ما عدا ذلك من فروع، لأن الصفاء والنقاء الحقيقيين سيكونان في عين النبع ومصدره الأساسي، لا في فروعه وتشعباته المختلفة، فالصفاء سيكون، كما كان دائماً، في مدرسة بيت الوحي، في مدرسة أهل بيت المصطفى (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، لقد أدرك كوربان ذلك وهو في خضم البحث والتنقيب عن هذه الحقائق، نعم، لقد مات هنري كوربان عام 1980 ولكنه، كما يقول عنه (ضياء الدين دهستري) مترجم كتاب كوربان (أرض ملكوت) بالفارسية: (إن كوربان أشهر إسلامه سنة 1978(14)، بعد أن قدم خدماته العلمية الجليلة للعالم الغربي وأفنى حياته في سبيل إعلاء ونصرة الفكر الشيعي المحتضن والمقتفي للآثار والمبادئ الفكرية الخالدة لأهل البيت المطهر(ع) ).
وهنا تحديداً يجب علينا أن نذكر قول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (15) صدق الله العلي العظيم..
المراجع والمصادر:
(1) د. محمد المقداد: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا (سلسلة عالم المعرفة) ص62، تشرين الثاني 1992/ الكويت.
(2) نفس المصدر: ص65.
(3) جريدة كيهان العربي: العدد 3696، السنة السادسة عشرة، 6 تموز 1996، راجع الملحق 4.
(4) العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي: الشيعة؛ نص الحوار مع المستشرق كوربان تعريب جواد علي ص46، طبع مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، ط1/ 1416هـ.
(5) جريدة كيهان: مصدر سابق/ ملحق 4.
(6) المصدر السابق/ ملحق 4.
(7) سورة المائدة: الآية 16.
(
الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، مصدر سابق، ص49.
(9) المصدر السابق: ص47.
(10) العرب: مكسيم رودنسون، ترجمة: د. خليل أحمد خليل ص37 دار الحقيقة بيروت ط1 1980
(11) الشيعة: نص حوار مع المستشرق كوربان ص48.
(12) مجلة النور: العدد 109 ص57، حزيران عام 2000، تصدر عن دار النور-لندن.
(13) المصدر السابق: ص57.
(14) كيهان العربي: مصدر سابق، الملحق4.
(15) سورة العنكبوت: الآية 69.