لماذا قبرها الشريف في الشام وليس في المدينة؟
في قرية نائية من قرى دمشق الشام. يلوح لك من بين ضباب الغربة نورا يشع من صرح من صروح مجد محمد وأل محمد صلى الله عليه واله. ترى ضريحا مقدسا للسيدة مولاتي زينب بنت علي ابن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف صلوات الله عليها وعلى جدها رسول الله خير البشر وعلى أبيها أمير المؤمنين وعلى أمها الزهراء الحوراء الأنسية وأخويها سبطي الرحمة.
ضريح السيدة زينب وغربتها كان ولا يزال شاهدا على مظلوميتها . فالسيدة زينب عليها الصلاة والسلام من ساكني المدينة والمنورة على مشرفها أفضل السلام , ووجود قبرها المشرف في دمشق دليل على تعرضها إلى تهجير قسري على يد السلطة الطاغية ذلك الزمان بعد أن نشرت السيدة زينب عليها الصلاة والسلام مخازيهم وجرائمهم, وبعد أن كشفت _لكونها شاهد عيان_ مجزرة الطف الفضيعة التي قطع فيها بنو الظلم وريدا لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وأثكلوه بولده وريحانته. فمضت تروي ما جرى على السبط المطهر وأهله وأصحابه حتى جعلت من المدينة المنورة دمعة لا تنطفئ في ليل ولا في نهار, وزفرات حرى لقلوب مكلومة.
فارسل الوالي عمرو بن سعيد الأموي تقريرا الى يزيد اللعين أن أهل المدينة في هياج يسبق الثورة بسبب ما تقوله أبنة علي أبن أبي طالب فيك . ثم يقول : « إن كان لك بالمدينة شغل فأخرج بنت علي منها فإنها ألّبت الناس عليك » . وهكذا أخرجت عقيلة بني هاشم قسرا من بيتها ومن مدينة أبائها وحرمت من مجاورة قبور أحبتها بعد أخذ ورد بينها وبين والي المدينة بسبب رفضها للتهجير وأصرار الوالي على أخراجها. فلبت السيدة أمر الإمام الهمام زين العابدين بعد أن أمرها بالصبر على ظلم الطغاة فخرجت كي لا تتجدد مصائب ال بيت رسول الله صلى الله عليه واله في السيدة زينب. فخرجت وفي العين قذى وفي الحلق شجى , فقضت اواخر عمرها الشريف في دار غربة ليكتموا صوت الطف الذي تمثل في زينب بنت علي. هكذا الطغاة في كل عصر يخافون صوت كل من يعارضهم ولو كان صوت أمرأة ولو كان دمعة, فيعمدون لأسكات الخصم ولو بالقوة. وتلكم طريقة من لا مبدأ له ولا دين.
المبحث الثاني: علاقة زينب بالحسين صلوات الله عليهما
قد يصور البعض بأن علاقة السيدة زينب بالحسين صلوات الله وسلامه عليهما علاقة نابعة من الأخوة فقط. فالبديهي للجميع أن زينب صلوات الله عليها هي أخت الحسين صلوات الله عليه من أمه وأبيه. هذة رابطة قوية حقا ولكنها لم تكن الرابطة الوحيدة التي تربط زينب بالحسين صلوات الله وسلامه عليهما. فهناك أيضا رابطة الإمام بالمأموم تجمع بينهما صلوات الله وسلامه عليهما. فالرابطة الأولى وهي رابطة الأخوة لم تكن المحرك الرئيسي للسيدة زينب صلوات الله عليها . لان السيدة زينب نجدها وخاصة في واقعة الطف الدامية لم تحركها العاطفة في مواقفها.
قد يقول قائل وكيف ذلك؟
فالجواب حينها يكون بان السيدة زينب صلوات الله عليها لو كانت تحركها العاطفة لكانت جزعت من استشهاد ولديها الوحيدين الذين قتلا مع خالهما في معركة الطف. فنحن نعرف يقينا بأن حب الأخ مهما كان كبيرا فأنه لا يطغى على حب الولد وفلذة الكبد. ومع ذلك لا نقرأ في التواريخ كلها بأن السيدة زينب صلوات الله عليها ناحت او بكت او صرخت على ولديها حين استشهادهم, بل لم تذكرهم اصلا. لان السيدة زينب أكبر وأعظم من أن تحركها العاطفة . بل نجدها تبكي وتحزن فقط لأجل أخيها ليس لكونه أخيها بل أنه إمام زمانها وحجة الله على أرضه وعلى كل خلقة. ونجد أيضا بعد كل ما نالها من الأذى في واقعة الطف المفجعة وما بعدها ,تبقى صلوات الله عليها قوية صلبة ولن تجد في خطبها في الكوفة او في الشام كلمة تدل على على أنكسارها وذلها والعياذ بالله. وكيف لها أن تجد طريقا للأنكسار وهي أبنة علي وفاطمة صلوات الله عليهما؟ أنها تعلم علم اليقين بأنها تدافع عن أمام زمانها وتحمي دينها وتبذل في سبيل العقيدة الغالي والنفيس مهما كان.
المبحث الثالث :لماذا أخرج الحسين عليه السلام زينب عليها السلام واهل بيته معه؟
كثير من الناس منذ زمن مولاي الحسين صلوات الله عليه وأله وحتى يومنا هذا ,تستغرب من أخراج الحسين صلوات الله وسلامه عليه لأهل بيته جميعا بما فيهم النساء والأطفال ولا تعلم الحكمة من ذلك طبعا مما لا شك فيه بان ريحانة النبي صلى الله عليه وأله وسلم أعلم بمصلحة الأسلام وبمصلحة أهل بيته. فعندما أخرج أهل بيته معه ألى الكوفة أراد أن يبين للعالم كله على مر العصور بأنه ما خرج للحرب والقتال ولا طالبا للفرقة والفساد والتناحر, فالذي يخرج للقتال لا يخرج نساءه وأطفاله معه, وأنما يخرج بنفسه بصحبة رجال ينصرونه. أما الحكمة الثانية فهي أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وأله وسلم الذين خرجوا مع الحسين صلوات الله عليه مثلوا الجانب الأعلامي في قضية الطف. فلولا وجودهم كشهود عدول على مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه لما وصلت ألينا أحداث الطف ولما عرفنا أبدا ما دار من أحداث أو حديث بين الحسين صلوات الله عليه وأصحابه وبين جيش يزيد أبن معاوية والذي كان بقيادة عمر أبن سعد اللعين . ولأمكن الظالمين من تلفيق تهم باطلة تبرر لهم قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دون وجود من يشهد بكذب بني أمية على أهل بيت النبي صلى الله عليه وأله وسلم . فلولا وجود زينب صلوات الله عليها وبنات الرسالة مع الحسين صلوات الله عليه وأصحابه وأخوانه في جهادهم, لضاع صوت الحسين صلوات الله عليه. فقد مثلت زينب صلوات الله عليها الجانب التبليغي لقضية الحسين صلوات الله عليه وقد نشرت مجازر بني أمية في حق العترة الطاهرة, وكانت بحق صوت حامل للتوعية الحسينة.
أما الحكمة الأخرى لأخراج مولاي الحسين صلوات الله عليه لأهله وأطفاله معه هو أن الحسين صلوات الله عليه هو رمز الغيرة على أهله وعياله, فلو تركهم في ديارهم في المدينة وخرج مع أصحابه ألى الكوفة لهجم رجال بني أمية على بيوت الرسالة ولأوقفوا النساء والأطفال وكانت بذلك ورقة ضغط على الحسين مولاي صلوات الله عليه , فيعرضون عليه أما بيعة يزيد الفسق عليه اللعنة وأما أيذاء النساء وسجنهم والتنكيل بهم. وبذلك تكون مصيبة كبيرة. فكيف لمولاي الحسين أن يبايع يزيد بن معاوية . ومن جانب أخر كيف يترك نساءه وعرضه في السجون تحت أمرة من لا ضمير لهم لا خوف لهم من الله ؟؟ لذا كانت المصلحة في خروج بنات مولاتي فاطمة صلوات الله عليها مع الحسين صلوات الله عليه.
المبحث الرابع :هل السيدة زينب عليها السلام ضعفت وذلت بسبب مصيبة الطف؟؟
بعض المقاتل وبعض القصص تصور بأن السيدة زينب صلوات الله وسلامه عليها ضعفت ووهنت لما أصابها في يوم عاشوراء من البلاء العظيم. وفي الحقيقة أنه بالرغم من فضاعة واقعة الطف وما حدث فيها من عظائم المصائب لمحمد وأل محمد صلى الله عليه وأله وسلم إلا أن ذلك لم يزعزع قلب زينب صلوات الله عليها ولم يوهن رباطة جأشها ولم يقلل طاقة صبرها. فهي ذات مقدسة رباها أهل البيت صلوات الله عليهم وأعدوها ليوم الطف الأليم لتحمل رسالة الحسين صلوات الله عليه. نعم لقد بكت. ولكن لما حصل بأمام زمانها حجة الله على الأرض. ولم تهن جزعا لأدبار الدنيا عنها. لكن هد قوتها مصيبة خامس أهل الكساء المطهرين.
ذات مولاتي زينب صلوات الله عليها ذات ربانية مقدسة. وكانت معدة من قبل مولدها لهذة المهمة, وكانت بحق أهلا لتلكم المسؤولية الجسيمة. فبلغت عن الحسين صلوات الله عليه نعم التبليغ, وأدت الأمانة التي حملها أياها أهل الكساء. ولو كانت جازعة موهنة لما تحملت ما ألم بها من مصائب. ولما دافعت عن دينها وأمام زمانها بأفضل ما يكون من الدفاع. وحملت على أكتافها شرارة ثورة عارمة ضد النظام الأموي , من الكوفة حتى دمشق وألى المدينة. فكيف للضعيف الواهن قيادة ثورات ضخمة للأطاحة بنظام فاسد كافر؟؟
هذه لمحة بسيطة ونظرة سريعة لبعض مواقف الأباء والشموخ في سيرة حياة زينب أبنة علي أبن أبي طالب حفيدة خير البشر محمد المصطفى صلى الله عليه وأله وسلم. فسامحينا مولاتي أذا اخطأنا أو قصرنا((يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ )).فأليك يا أم الشموخ والصبر أهدي السلام والتحية وأهدي ما كتبت.