لشيخ المفيد: العالم والموسوعي المحاور
336 ـ 413هـ
محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي العكبري، المعروف بابن المعلم، والمفيد، كنيته أبو عبد اللّه، أحد علماء الإمامية ومتكلّميها، ولد في قرية عكبرا على بُعد عشرة فراسخ من بغداد سنة 336هـ، وقيل سنة 338هـ.
نشأته ومكانته
نشأ وترعرع في كنف والده الذي كان معلّماً بواسط، ولذلك كان يكنّى بابن المعلم، بعد أن تجاوز سني الطّفولة، وأتقن مبادئ القراءة والكتابة، ارتحل مع والده إلى بغداد ـ مركز العلم والثقافة آنذاك ـ فأخذ يتلقى العلم عن شيوخ ذلك العصر، حتّى إنَّه تتلمذ على يد أكثر من خمسين شيخاً.
برزت مواهبه وهو لا يزال في دور التلمذة، حتّى انبهر به كبار أساتذته، ما دفعهم إلى تلقيبه بالمفيد.
بلغ مرتبةً علمية عالية، حتّى انتهت إليه رئاسة المذهب الشيعي الإمامي في وقته، فكان بارعاً في الكلام، والجدل، والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة، حتى عدّ من أبرز أعلام عصره في فن المناظرة.
عاصر بعض حكام بني بويه، فكانت له في هذه الدولة مكانة عظيمة، خاصة من جانب عضد الدولة البويهي، الذي كان يجلُّ الشيخ كثيراً، حتّى إنَّه كان يزوره في داره، ويعوده إذا مرض.
حياته العلمية:
أخذ العلم وروى عن جماعة من الأعلام، منهم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، وأبو جعفر بن بابويه الشهير بالصدوق، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد القمي، وأبو غالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد، وأبو علي عبد الله محمد بن عمران المرزبان، وأبو بكر الجعاربي، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم.
تتلمذ على يديه جملة من الأعلام، منهم الشريف المرتضى، والشريف الرضي، والشيخ الطوسي، وأبو بعل محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والشيخ النجاشي، وسلار بن عبد العزيز الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح الكراجلي.
عصر زاخر بالحوادث والفتن:
زخر عصره بالأحداث والمحن، خاصة بالنسبة إلى الشيعة في الكرخ وباب الطاق في بغداد، حيث كانت هذه المواقع مسرحاً لكثير من الرزايا والبلايا، وقد تعرضت للحرق والنهب عشرات المرات، فضلاً عن قتل وحرق الرجال والصبيان والنساء، وذلك إبان الاحتفالات بعاشوراء أو يوم الغدير.
تعرض للنفي من بغداد على أثر حوادث شغب حصلت سنة 392هـ، حيث كان قد زاد نشاط الشطار، فقتلوا وبدّعوا وأضلوا، ما دفع بهاء الدولة إلى تسيير عميد الجيوش إلى العراق لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فقتل وصلب، ومنع السنة والشيعة من ممارسة الشعائر التي تتسبب بحوادث الشغب،فمنع الشيعة من النوح على الحسين في يوم عاشوراء، ومنع السنّة من النوح على مصعب بن الزبير.
تعرض للنفي ثانيةً في سنة 395هـ، على أثر فتنة حصلت بين السنة و"الإمامية"، وتعرضوا له بالسب والشتم...
منهجه وعلومه
كان الشيخ المفيد يتعامل مع كلِّ ما يريد أن يقدِّمه للآخرين، وكل ما يورده الآخرون عليه، بحسب ما يراه من الأدلة صالحاً ومقنعاً، ومعذراً له في الإقدام أو الإحجام، حتى إذا تبين له عدم صلاحيّته وكفايته، تدارك ذلك بالبحث عمّا هو أوضح وأجلى وأتم، وكان لا يجد حرجاً في أن يسلّم للرأي الآخر إذا كان ذلك الرأي يملك الدليل السوي، والبرهان القوي.
كان واسع الأفق، غزير المعارف، سبر أغوار العلوم الإسلامية على اختلافها، حتى ليقال: "إنه كان كثير المطالعة والتعليم، ومن أحفظ الناس" وقيل: "إنه ما ترك للمخالفين كتاباً إلاّ حفظه ...".
اطّلع على العلوم المتداولة في ذلك العصر، وتتبّعها ولاحقها، ومارسها حتى أصبح لديه ملكة علمية راسخة، تتمّيز بالدقّة والعمق، فجاءت نصوصه على درجة من الخلوص والصفاء، صقلتها حساسية القضايا.
هذه الحساسية تجاه تلك القضايا، أسهمت في تعميق جذور ثقافة المفيد، ووسّعت من آفاقها، فكان المحاور للآخر دون أن يشعر بالحرج أو يحس بالضعف، أو يوجس في نفسه أدنى خيفة أو تردد، وكان "يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية".
وبعبارة أخرى، كان موسوعةً جامعةً لكل العلوم والفنون، فكان الفقيه المدقق، المؤرخ المحقق، الكلامي اللامع، المناظر البارع والمصنف، إلى جانب كونه رجالياً محدثاً، عالماً بالتفسير، وعلوم القرآن، وأصول الفقه، وغير ذلك من العلوم الإسلامية المتداولة في عصره. ولا نبالغ إن قلنا إنه قد سبق عصره بأشواط ومراحل كبيرة وكثيرة، حتى قال عنه البعض: "كان أوحد في جميع فنون العلم: الأصول والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والتفسير والنحو والشعر". ومما جاء في وصفه أيضاً: "رئيس الكلام والفقه والجدل".
قال الشيخ النجاشي: «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرِّواية، والثقة والعلم».
وقال الذهبي: «كانت له جلالة عظيمة، وتقدّم في العلم، مع خشوع، وتعبّد، وتألّه».
ولكن بالرغم من ذلك، لم يسلم المفيد من النقد والتجريح من قبل مخالفيه.
مؤلفاته:
له حوالي مئتي مؤلف، منها: المقنعة، والأركان في دعائم الدين، والإيضاح في الإمامة، والإفصاح في الإمامة، والإرشاد، والعيون والمحاسن، والفضول من العيون والمحاسن، والردّ على الجاحظ والعثمانية، ونقض المروانية، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات.
ونظرة سريعة على مؤلفات هذا الرجل، تعطينا فكرة واضحة عن مدى استيعابه للمادة والقدرة الفائقة على محورة أفكاره وتناولها بيسرٍ وسهولةٍ ووضوح، من دون المساس بطبيعة النص وبنيته الأولية، بل يستكنه بعمق دقائقه وحقائقه، ويلتقط بسرعة فائفة إشاراته ومراميه، معتمداً في تعاطيه هذا أسلوباً رضياً متّزناً.
توفي في بغداد سنة 413هـ، وصلّى عليه السيِّد الشريف المرتضى في ميدان الأشنان بحضور أعداد كبيرة من النّاس، حتّى ضاق ذلك الميدان بالنّاس رغم كبره، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً وعظيماً، وبكاه المؤالف والمخالف.
نشأته وسيرته العلمية
إن ذاكرة التاريخ تحفل برجال ليس من السهل المرور على أسماءهم من دون توقف لما تحمله شخصياتهم من فاعلية وحضور على المسار التاريخي فكانوا الغائبين الحاضرين في ذاكرة التاريخ والأجيال بل أن تكّون التاريخ وحضوره في ذاكرتنا وتشكله في أذهاننا ينسب الكثير منه إلى هؤلاء الرجال فكانوا أحد المساهمين المهمين في تشكيل وعينا المعاصر بالنسبة للفقه والكلام والتاريخ والفلسفة وغيرها ومن أحد عمالقة هؤلاء الرجال الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) ورحمه ورضي عنه.
وينقل صاحب الأعيان أن الشيخ المفيد ترعرع في كنف والده الذي لم نعرف من أخباره سوى كونه معلماً بواسط ولذلك كان يكنى ولده بابن المعلم وما أن تجاوز المفيد سني الطفولة وأتقن مبادئ القراءة والكتابة حتى انحدر به أبوه وهو صبي إلى بغداد حاضرة العلم ومهوى أفئدة المتعلمين فسارع إلى حضور مجلس درس الشيخ أبي عبد الله الحسين بن علي المعروف بالجعل بمنزله بدرب رباح ثم قرأ على أبي ياسر غلام أبي الجيش بباب خراسان وفي أثناء قراءته على أبي ياسر اقترح عليه أستاذه هذا أن يكثر التردد على مجلس المتكلم الشهيد علي بن عيسى الرماني المعتزلي ففعل ويحدثنا المفيد في زيارته الأولى للرماني فيقول:دخلت عليه والمجلس غاص بأهله وقعدت حيث انتهى بي المجلس فلما خف الناس قربت منه فدخل عليه داخل وطال الحديث بينهما فقال الرجل لعلي بن عيسى ما تقول في يوم الغدير والغار، فقال أما خبر الغار فدراية وأما خبر الغدير فرواية والدراية لا توجب ما توجبه الرواية وانصرف فقلت أيها الشيخ مسألة فقال هات مسألتك فقلت ما تقول في من قاتل الإمام العادل قال يكون كافراً ثم استدرك فقال فاسق فقلت ما تقول في أمير المؤمنين علي أبي طالب (ع) قال: إمام فقلت ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير فقال تابا فقلت أما خبر الجمل فدراية وأما خبر التوبة فرواية فقال كنت حاضراً وقد سألني البصري فقلت نعم، رواية برواية ودراية بدراية فقال بمن تعرف فقلت اعرف بابن المعلم واقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل فقال موضعك ودخل منزله وخرج ومعه ورقة قد كتبها والصقها فقال لي أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه ثم قال:ايش جرى لك في مجلسه فقد وصاني بك ولقّبك المفيد فذكرت المجلس بقصته. وهكذا بدأ هذا الصبي الطموح بتسلق سُلّم العلم والمعرفة ويزاحم بركبتيه الصغيرتين محافل العلماء وعمالقة العقول في عصره ليصبح رمزاً من رموز العلماء الذين تميزوا ببصماتهم العلمية على التراث الإسلامي.
تلامذته ومصنفاته
إن التاريخ يطلعنا على أن الشيخ المفيد كان قد بذل جهوداً كبيرةً في طلب العلم واتصاله بالعلماء وعدم تضييع أي فرصة كان يراها تحقق له سبقاً علمياً ومعرفياً وينقل صاحب الأعيان في المجلد التاسع فيقول: ولتوضيح مدى الجهود التي بذلها المفيد في سبيل التفقه والتعلم نورد فيما يأتي ثبتاً بأسماء الرجال الذين قرأ عليهم واتصل بهم واتصلوا به ويذكر العلامة الأمين طائفة من الأسماء وصلت إلى ستة وخمسين اسماً ثم يذكر العلامة تلامذته المبرزين أمثال الشريف الرضي محمد بن الحسين المتوفى سنة406هـ والشريف المرتضى علي بن الحسين المتوفى سنة 436هـ وسلار بن عبد العزيز الديلمي المتوفى سنة 448هـ ومحمد بن علي الكراجكي المتوفى سنة 449هـ واحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة 450هـ والشيخ الطوسي محمد بن الحسن المتوفى سنة460هـ ومحمد بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفى سنة 463هـ وكثيرين غيرهم.(1)
أما مصنفاته فكان (رضوان الله عليه) كثير التصنيف حتى أن صاحب نقد الرجال يقول: كان فقيهاً متقدماً فيه حسن الخاطر دقيق الفطنة حاضر الجواب قريب من مأتي مصنف كبار وصغار.
ونحن نورد بعض المصنفات الكثيرة التي ذكرها صاحب اعيان الشيعة والتي تجاوزت الـ195 مصنفاً في الفقه والكلام والتاريخ والتفسير والحديث وغيرها من العلوم ومنها المقنعة في الفقه، الإيضاح في الإمامة، الارشاد، العيون والمحاسن، نقض المروانية، نقض فضيلة المعتزلة، المسائل العشر في الغيبة، نكاح الكتابيات، أصول الفقه، وقعة الجمل، النكت في مقدمات الأصول، إيمان أبي طالب، مسائل أهل الخلاف، أحكام النساء، رسالة إلى أهل التقليد، الكلام في الإنسان، وجوه إعجاز القرآن، الكلام في المعدوم، أوائل المقالات، في فضل القرآن، نقض الإمامة على ابن جعفر ابن حرب، جوابات الفيلسوف في الأشرار، البيان في تأليف القرآن،الكلام في الخبر المختلف بغير اثر، مسائل الزيدية، تفضيل الأئمة على الملائكة، حدوث القرآن، الجوابات في خروج المهدي، الرد على الشعبي، مسألة في ما روته العامة: مسألة في القياس مختصر، مسألة اني مخلف فيكم الثقلين، خبر مارية، جوابات ابن الحمامي، كتاب في الغيبة، تفضيل أمير المؤمنين على سائر الصحابة، مسألة في ميراث النبي (ص)، مسألة في معرفة النبي بالكتابة، دلائل القرآن، مسألة في المعراج، مسألة في انشقاق القمر، مسألة في رجوع الشمس وعشرات غيرها من كل علم وفن ومسألة.
الشيخ المفيد والدولة البويهية
لقد عاش الشيخ المفيد ابان قيام الدولة البويهية بعد انكماش الدولة العباسية وحاول أن يعمل بكل ما يمتلك من قوة في كسب الاطراف السياسية بجانبه لصالح المذهب الاثنى عشري وعندما تولى بنو بويه شؤون السلطة في بغداد حظي هذا الشيخ بسبب تشيع بني بويه بما لم يحظ به غيره من امثاله من ضروب الاعزاز والتقدير والجلالة العظيمة في الدولة البويهية فكانت له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة كما كانت له وجاهة عند ملوك الاطراف لميل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيع وبلغ من احترام عضد الدولة له انه (كان يزوره في داره ويعوده اذا مرض وعلى الرغم من كل هذه الوجاهة والجلالة فقد اضطرت السلطات الحاكمة - قمعاً للفتن الطائفية والاضطرابات المذهبية إلى نفيه مرتين إلى خارج بغداد حيث بعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر امره فوصل إلى بغداد فزينت له وقمع المفسدين ومنع السنة والشيعة من إظهار مذاهبهم ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الإمامية فاستقام البلد ونفي الشيخ المفيد من قبل الدولة في سنة 398هـ كما يذكره صاحب الأعيان السيد حسن الأمين عندما جرت في عاشر شهر فتنة بين الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب أن بعض أهل البصرة قصد أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رباح وتعرض به تعرّض امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا أهل الكرخ ونشأت من ذلك فتنة عظيمة وبلغ ذلك الخليفة فانفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بان يخرج عن البلد ولا يساكنه ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان فسأل علي بن مزيد في ابن المعلم فُرّد. وكان الشيخ المفيد ذا مكانة مرموقة بين العلماء وذا دور بارز في المجامع العلمية وكانت شخصيته وشهرته وصلت إلى المخالف والمؤالف بحيث قلما تجد من لم يذكره من المؤرخين والمترجمين وساق لفيف من المؤرخين خلال الترجمة كلمات الاطراء وجمل الثناء بما لا مزيد عليه وانساق لفيف آخر منهم من وحي عواطفهم فاندفعت اقلامهم نحو الطعن والشتم والتشهير(2) ووصف المؤرخون حياته الخاصة وصفاته الشخصية فذكروا من جملة ما ذكروا منه (كان شيخاً ربعة نحيفاً اسمر كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم حسن اللباس كثير التقشف والتخشع والاكباب على طلب العلم وكان لا ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يتلو القرآن.
أقوال العلماء فيه
لقد كان الشيخ المفيد من علماء القرن الثالث الهجري مع بضع سنوات من القرن الرابع الهجري وحيث كانت أوضاع المسلمين في ذلك الوقت تمر في انتكاسات وفتن ومشاكل سياسية واجتماعية كان موقف الشيخ المفيد إزاء هذه التطورات موقف المدافع عن حريم الإسلام ومفاهيمه وقيمه وكان معروفاً بحنكته على المناظرة حتى قال عنه أبو بكر الباقلاني(3) إن لك من كل قِدْر غرفة بعد ما افحمه الشيخ المفيد في مناظرة جرت بينهما فكان خبيراً بالكلام دقيقاً في مسائله قوياً ببرهانه فكان حرياً من العلماء أن يشيدوا به في مصنفاتهم.
يقول الشيخ النجاشي شيخنا واستاذنا رضي الله عنه وفضله اشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم ثم عدد له نحواً من ثمانية عشر مصنفاً في الفقه والاصول والكلام وغيرها(4).
وقال العلامة الحلي في حقه كما جاء عن صاحب الأعيان: من أجلّ مشايخ الشيعة ورئيسهم واستاذهم وكل من تأخر عنه استفاد منه وفضله اشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية اوثق أهل زمانه واعلمهم انتهت رئاسة الامامية إليه في وقته وكان حسن الخاطر دقيق الفطنة حاضر الجواب له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار وقال الشيخ - الطوسي - انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه في العلم وكان مقدماً في صناعة الكلام وكان فقيهاً متقدماً في حسن الخاطر واثنى عليه ابن كثير الشامي في تاريخه ثناءً بليغاً عجيباً وقال انه شيّعه يوم وفاته ثمانون الفاً وقال عنه أبو حيان التوحيدي وأما ابن المعلم فحسن اللسان والجدل صبور على الخصم كثير الحيلة ضنين السر جميل العلانية ورغم كراهية بعض العلماء له إلا انه لم يمنعهم ذلك من الثناء عليه والاشادة به فهذا الخطيب البغدادي المعروف بعدائه للامامية يقول في حق الشيخ المفيد (شيخ الرافضة والمتعلم على مذهبهم وصنف كتباً كثيرة).
أما ابن حجر العسقلاني فيقول: كان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم وبرع في مقالات الإمامية حتى كان يقال له على كل امامي منة وقال ابن ثغري: فقيه الشيعة وشيخ الرافضة عالمها ومصنف الكتب في مذهبها(5) وأما اليافعي فذكر في مرآة الجنان: توفي سنة ثلاث عشر واربعمائة عالم الشيعة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم البارع في الكلام والفقه والجدل وكان يناظر كل عقيدة بالجلالة والعظمة ومقدماً في الدولة البويهية وقال ابن طي: كان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة حسن اللباس وكان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد وكان شيخاً ربعة نحيفاً اسمر وجاء في الفهرست لابن النديم انه قال: ابن المعلم أبو عبد الله في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه دقيق الفطنة ماضي الخاطر شاهدته فرأيته بارعاً وأما ما ينقله السيد مهدي بحر العلوم فيقول: هو شيخ المشايخ الأجلة ورئيس رؤساء الملة اتفق الجميع على علمه وفضله وعدالته وثقته وجلالته وقال السيد هبة الشهرستاني هو - الشيخ المفيد - نابغة العراق ونادرة الآفاق غرة المصلحين واستاذ المحققين ركن النهضة العلمية في المائة الرابعة الهجرية آية الله في العوالم معلم الأعاظم وابن المعلم(6).
مراثيه
قال الشيخ عبد المحسن الصوري يرثيه في قصيدة:
يالــــه طارقـــاً من الحـــــدثان *******ألحق ابـن النعمــــان بالنعمـــــان
برئت ذمـة المنــــون مـــن الأ********يمان لمـا اعتدت علــى الإيمــــان
وامتحل الورى محارم دين اللـ*******ـه ويـل الــــورى مــــن الديـــــان
وارى الناس حيث حلـو مــــن********الأرض وحيث انتحو من الاوطان
يطلبون المفيد بعدك والاسمــا*******ء تمض فكيف تبقـى المعـــانــــي
فجمعه أصبحت تبلغ أهـــل الـ****** شام صوت العويل مــــن بغــــدان
وقال مهيار الديلمي:
مــــا بعــــد يـــومــــك سلــــوة لمعــــلل******فــــي ولاظــــفــــرت بســــمــــع مـعــــــــذل
سوى المصاب بك القلوب على الجوى*******فــيد الجليــــل عــــلى حشــــا المتمــــلمــــل
وتشابـه الباكــــون فيــــك فلــــم يبــــن*******دمــــــع الــــمحــــق لنــــا مــــن المتعــــمّل
كنــــا نعــــير بــــالحلــــوم إذا هـفــــت*******جــــزعــــــــاً ونهـــــــزأ بالعــــيون الهــــمل
فاليوم صــار العــــذر للفــــاني اســــى*******واللــــوم للمتـمــــــــاســــــــك المتجــــــــمل
رحـــل الحمــــام بنــــا غنيمــــة فائــــز*******مــــا أثــــار قــــط بمثلهــــا عــــن منـــــزل
كنت يــــد الديــــن الحنيــــف وسيفــــه*******فلأبكيـــن عــــــــلى الأشــــــــل الاعــــــــزل
لو فل غـــرب المــــوت عــــن متــــدرع***** بعــفــــافــــــــه أو نـاســــــــك متــعــــــــزل
أو واحــــد الحسنــــات غيــــر مشبــــه***** بأخ وفــرد الفضــــــــل غــــــــير ممــــــــثل
أو قائــــل فــــي الديــــن فــــعــــــال إذا*****قـال المفقــــه فــــيه مــــا لــــم يفـــــــعــــل
دقت ابـن نعمــــان النزاهــــة أو نجــــا****سلمــــاً فكــــان مــــن الخطــــوب بمعـــــزل
1- أعيان الشيعة حسن الأمين.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر.
6- نفس المصدر.