والنص صراحة على حرمة نتف الشعر وخدش الجلد وجز الشعر وتشويه الخلقة واظهار السخط ولو على اعز الأعزة من الأبناء والأباء والأزواج إلا أنه لم يستثن أحد من الفقهاء منه ما كان في إحياء العزاء على مصائب أهل البيت عليهم السلام فيفهم منه عموم الحكم.
وما يقال بأن السيدة العقيلة زينب كانت قد ضربت رأسها بمقدم المحمل فسال الدم من راسها كلام مردود بما ثبت تاريخياً من ان الامام الحسين عليه السلام كان قد وصاها بوصايا ليلة العاشر من المحرم واخبرها بما سيجري عليه وعلى اهل بيته واصحابه يوم العاشر وما ينبغي عليها ان تظهره من صمود وصبر.
وما يقال من ان الفقهاء قد افتوا قديماً وحديثاً باستحباب التطبير فلم نر له ذكر ولا أثر قبل ثمانين سنة على ابعد التقادير
وما يقال انه من باب تعظيم شعائر الله فليس له وجه يعتد به وأما انه من مظاهر المودة لأهل البيت فليس بثابت
وأما الاستناد الى قوله عليه السلام : (رحم الله من أحياً أمرنا ) فالمراد يتعلم علوم ائمة اهل البيت ويعلمها الناس كما دل عليه بقية الخبر
وأما قول الإمام الرضا(عليه السلام)( إن يوم الحسين أقرح جفوننا) وما ورد عن الحجة المهدي صاحب الأمر سلام الله عليه في زيارة الناحية المقدسة (لأبكين عليك بدل الدموع دماً....)فهي من الأساليب البلاغية المجازية للاشعار بعظم الحزن والمصاب الجلل ولا يؤخذ بظاهره كما هو معروف متسالم عليه .
التطبير ليس من العادات العزائية القديمة عند الشيعة
وانما نشأ في العقود الثمانية الأخيرة على ابعد التقادير وسمعت ان اول ظهوره كان على يد الهنود الشيعة ثم انتقل منهم الى عوام الشيعة في العراق ايام عاشوراء حيث سيروا بعض المواكب في مدينة كربلاء يوم العاشر ثم تابعهم عوام العراق بعد ان استحسنوه وانتشر بينهم وعنهم اخذ الزوار الايرانيون والخليجيون واللبنانيون
وقد سمعت احد فقهاء قم يقول انه افتى كما افتى غيره خوفاً من سطوة العوام وتهديداتهم حيث بلغت الجرأة بالعوام الى تهديد ووعيد كل من يخالفهم بالعدول عن مرجعيته وتقليده
وأما المصرحون بحرمة التطبير فهم كثيرون منهم السيد أبو الحسن الأصفهاني أحد ابرز مراجع النجف الأشرف في زمانه فقد أصدر فتوى تحرم التطبير...... و كما نقل عن السيد محسن الحكيم قوله: «القامات غصة في حلوقنا».
وقد سمعت ان السيد حسين البروجردي طاب ثراه احد ابرز مراجع التقليد في قم قام قبل محرم في احد السنوات بدعوة جمع من رؤساء المواكب العزائية ووجه اليهم سؤالاً من هو مرجعكم فقالوا جميعاً انت ياسيدنا فقال : اذا كنتم تعترفون وتقرون بأني مرجعكم فأنا اقول لكم بأن التطبير والضرب بالزنجير وادخال الآلات الموسيقية في المواكب العزائية حرام لا يجوز وعليكم طاعتي والتزام أمري
فرد عليه احدهم نحن نقلدك ياسيد طيلة السنة الا في عشرة ايام محرم
وخرجوا من عنده دون جدوى .
والمطبر يصدق عليه عدة عناوين شرعية
1 ـ حرمة الادماء من دون فرق بين ان يكون القصد منه التشبه بما حل على أهل البيت عليهم السلام من مصائب وقتل وتشريد
أو قصد به اظهار التفجع والتوجع على المصاب الذي حل بهم وفي كلا الحالين لا يجوز لعدم الاذن به شرعاً به من قبل أئمة اهل البيت انفسهم لأن شق الجلد والادماء لا يجوز شرعاً الا لغرض صحيح كالعلاج حيث لا يمكن الا بالادماء كالفصادة والحجامة أو اجراء عملية جراحية ونحوها
2 ـ حرمة التصرف بالنفس لا لسبب سائغ وفي مثل هذا المورد ينبغي على الحاكم الشرعي منعه من القيام بذلك لأن السفيه يحجر عليه وهذا من مصاديقه
3 ـ انه يشمله مقولة لايطاع الله تعالى به من حيث يعصى ولايتقرب الى مودة أهل البيت عليهم السلام بما نهوا ونأو بشيعتهم عنه
4 ـ انه يستلزم تنجيس الطرقات والماتم التي عادة ما تكون دوراً للعبادة والذكر في غير اوقات مجالس العزاء واحياء ماثر خاتم المرسلين وعترته الطاهرين صلوات الله وسلاه عليهم اجمعين في الوقت الذي يحول دون استخدامها للعبادات واداء الصلوات المسنونة كليالي الاحياء في ليالي القدر في شهر رمضان وامثالها في غيره
5 ـ من يقوم بشق رؤوس الآخرين يلزمه حكم دفع دية الشجاج ولا تبرأ ذمته بصفح المطبر نفسه .
أما الكفارة ففيها نص صريح عن الامام الصادق ع كما سبق وأن ذكرناه ( وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وفى الخدش إذا دميت .... ) فمقدارها صيام شهرين او اطعام ستين مسكيناً
وأما وجوب دية الشجاج فمحل اجماع بين الفقهاء اذ لم يستثن احد منهم حتى الذين افتوا بمشروعية التطبير في كتاب الديات من كتبهم التي دونوها جواز قيام شخص بشج رأس احد من الناس وسقوط الدية عنه واتحدى من ينكر ذلك ان يأتي بعبارة واحد منهم تفيد ذلك وهذا من الأدلة الصريحة على قطعية اشتباههم عند تجويز التطبير
ادلة حرمة التعدي على الغير بشج وادماء لا لغرض العلاج
ووجوب ديات الشجاج بالتفصيل الذي ذكرناه.
ادلة حرمة الافتاء بغير علم او بغير دليل شرعي .
ادلة حرمة البدعة في الدين والتعبد بما لم يرد به دليل على اليقين
كما لاشك في عدم جريان اصالة البراءة على مسلك القائلين بها في هذا الموضوع حيث يستلزم الغاء حاكمية الدين والغاء تنجزالتكليف بحق المكلف والغاء ضرورة الاستناد الى مثبت وحجة شرعية في كل ما هو في محل ابتلاء المكلف مضافاً لتعارضه مع الكثير من الأحكام بالعنوان الأولي والثانوي الأصلي والعرضي .
وأما الاستدلال بقول الامام الصداق ع : (على مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الصدور )
فبعد ملاحظة ما تقدم من الأدلة المستفيضة التي تتعارض مع الادماء والشج بما سبق فمثل هذا الحديث لابد يحمل فيه الخمش على السائغ منه الذي لا يفضي الى الادماء والجراحة المنهي عنها.
لايتصور ان يكون فقيهاً ويجوز ذلك
والفتاوى المجوزة للتطبير فتاوى مبنية على فهم خاطئ
كما ان المجتهدين الذين صرحوا بالجواز ينتمون للمسلك الأصولي يحرم تقليدهم والعمل بفتاواهم بعد وفاتهم ومن باب الزامهم بما الزموا به انفسهم لا يجوز الاستناد اليها اصلاً فضلاً عن ذكرها لأنها اصبحت ميتة عديمة الحجية لايجوز تقليدهم فيها ابتداءاً ولا لغير مقلديهم العمل بها
فبقي الأمر محصوراً بالأحياء منهم وهم قلة قليلة