المادية والمثالية في فلسفة العصور القديمة والوسطى
للمسألة السياسية في الفلسفة وجهان
الفلسفة شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، تنتمي إلى البنيان الفوقي الإيديولوجي، وتعبر – في المجتمع الطبقي – عن إيديولوجية طبقة معينة.
الفلسفة ("حب الحكمة"، من الكلمتين اليونانيتين: Phileo – أحب، وSophia الحكمة)، أحد أشكال معرفة الإنسان للعالم.
وهي مجمل الآراء والتصورات عن القضايا الشاملة لتطور الوجود والوعي، وفي مقدمتها قضية علاقة الفكر بالوجود، أو الروح بالطبيعة، التي تشكل المسألة الأساسية في الفلسفة. والفلسفة شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، تنتمي إلى البنيان الفوقي الإيديولوجي، وتعبر – في المجتمع الطبقي – عن إيديولوجية طبقة معينة. كما أدّت الفلسفة دوماً وظيفة معرفية، تحوّلت، بحكم تطورها، إلى علم مستقل، له موضوعه المتميز، الذي يتغير وفقاً لتطور المجتمع ولتقدم المعرفة العلمية.
وللمسألة السياسية في الفلسفة وجهان، الأول – أنطولوجي، يدور حول مسألة الأولوية في العالم، هل هي للمادة أم للروح، للوجود أم للفكر. وتبعاً للإجابة على هذا السؤال انقسم الفلاسفة إلى تيارين، معسكرين. فالفلاسفة، الذين يقرّون بأولوية المادة، أو الطبيعة، أو الوجود، أمام الروح، أو الوعي، أو الفكر، يؤلفون معسكر المادية. أما أولئك الفلاسفة، الذين يزعمون أن الوعي، أو الفكر، أو الروح (أو الله عند الكثيرين منهم) هو الأسبق، فيؤلفون معسكر المثالية. والوجه الآخر للمسألة – معرفي، يتناول قضية إمكانية معرفة العالم. هل يمكن لتصورات الناس، ومفاهيمهم، أن تكون موضوعية، يقينية، أم أن العالم مستعصٍ على المعرفة، لا يمكن إدراكه، ولا وجود، بالتالي، للحقيقة الموضوعية في الفكر البشري.
إن الفلسفة المادية تعترف بالإمكانية المبدئية لمعرفة العالم، وتعتبر الوعي انعكاساً للواقع الخارجي. أما المثاليون، حتى حين يعترفون بإمكانية معرفة العالم، فينفون أن وعي الناس يعكس الواقع الموضوعي. إن معظم الفلاسفة المثاليين لا أدريون، أي ينكرون إمكانية معرفة العالم. وليست هذه النزعة اللاأدرية إلا محاولة للتهرب من الإجابة على المسألة الأساسية في الفلسفة، ولاتخاذ "موقع وسط" بين المادية والمثالية. ظهرت الفلسفة في بلدان الشرق القديم قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة. ومنذ ذلك الحين برز في الفلسفة اتجاهان رئيسيان متضادان: المادية والمثالية، ومنهجان متناقضان في معرفة العالم ديالكتيكي وميتافيزيقي. إن المنهج الديالكتيكي في البحث يتناول الظواهر جميعاً في ارتباطها وتبعيتها المتبادلة، في تطورها وتغيرها، ويكشف عن الجوانب الداخلية المتضادة، التي يشكل الصراع بينها مصدر هذا التطور. أما المنهج الميتافيزيقي، "الذي كان له في حينه تبرير تاريخي كبير" – كما يقول أنجلس، فيقتصر غالباً على تحليل الظواهر، وتصنيفها، دون النظر إلى العرى التي تربطها، إلى تبدلها وتطورها.
لكل مذهب فلسفي منهجه الخاص به، يعالج ظواهر العالم ويفسرها من وجهة النظر الديالكتيكية أو الميتافيزيقية. ولذا فإن المسائل الميتودولوجية، كالنظرة إلى ظواهر العالم المادي والمعرفة، وطريقة تفسيرها، وطرائق معرفة الواقع، كانت، ولا تزال، من المسائل الفلسفية الهامة. والفكر الفلسفي فكر منطقي، يتطلب صيغاً منطقية معينة، ومقولات ومفاهيم، تتم من خلالها عملية المعرفة، كما يتطلب معرفة القوانين التي تحكم تطور الفكر البشري. ولذا فإن قضايا التفكير المنطقي تدخل أيضاً في عداد المسائل الفلسفية الأساسية.
في العصور القديمة كان مستوى تطور العلوم لا يزال متدنياً، وكانت المعطيات التي تقدمها علوم الطبيعة مبعثرة ومشتتة، لا تسمح بتكوين نظرة شاملة عن الطبيعة وقوانينها. وقد لجأ بعض الفلاسفة إلى تدارك هذا الأمر، دون الاعتماد على معطيات العلوم الطبيعية، فظهرت "الفلسفة الطبيعية" التي صاغت القوانين الشاملة للطبيعة، والروابط التي تجمع بين ظواهرها المتباينة والمتنوعة، الخ.. وقد ظلت "الفلسفة الطبيعية" جزءاً أساسياً من الفلسفة حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، حين ألغى تطور العلوم الطبيعية، خصوصاً بعد "الاكتشافات العظيمة" في هذا المجال، ضرورة وجود مثل هذه الفلسفة ليحل محلها التعميم الفلسفي لمعطيات العلوم الطبيعية الخاصة. وأصبح موضوع الفلسفة، في هذا الميدان، يقتصر على الكشف عن القوانين الأكثر شمولاً للانتقال من أشكال معينة لحركة المادة إلى أخرى، وتقصّي الديالكتيك الموضوعي للطبيعة، والطابع الديالكتيكي لقوانين العلوم الطبيعية، ومنطق المعرفة فيها.
وبما أن المذاهب الفلسفية تعبر دوماً عن إيديولوجية ومصالح هذه أو تلك من الطبقات والفئات الاجتماعية، فإنها تعنى بالبحث عن أسس الحياة الاجتماعية، وأسباب تغيرها. كما تدرس تطور المجتمع الإنساني، والقوانين التي تحكمه، وهل هذه القوانين موضوعية، أم أن هذا التطور رهن بإرادة الناس ووعيهم، بمشيئة الآلهة والقوى الغيبية الأخرى، الخ... وعني الفلاسفة دوماً بدراسة دور الإنسان في المجتمع، وبالكشف عن "معنى" التاريخ، وقواه المحركة، وآفاق تطور المجتمع الإنساني. وقد شكلت هذه المسائل في الفلسفات ما قبل الماركسية ما دعي بفلسفة التاريخ، وتحتفظ، حتى الوقت الحاضر، بأهميتها النظرية والعملية.
في الماضي، وفي الوقت الحاضر إلى حد ما، تدخل في عداد المسائل الفلسفية مسائل علم الاجتماع (حول جوهر الحياة الاجتماعية، وقوانينها وبنيانها، والعلاقة المتبادلة بين جوانبها المادية والروحية، والعلاقات المتبادلة بين الناس بين الفرد والمجتمع، وغيرها) وعلم الأخلاق (مبادئ الحياة الأخلاقية وقوانينها) وعلم الجمال (ماهية الجمال، وعلاقة الفن بالواقع، الخ..). وطبعا للسياسة والفكر السياسي حيزا هاما ورئيسا في مطلق فلسفة. فالفلسفة التي تحاول تفسير مظاهر الحياة بكافة وجودها،أعطت حيّزا كبيرا بما يتعلق بحياة البشر السياسية ضمن اطر النظم السياسية المعروفة.وأعطتها إبعادا وأوجها بحسب مرتكزاتها العقائدية.
يرتبط تطور الأفكار السياسية بالنظرية السياسية في حقولها المختلفة، فقد تنوعت القضايا التي شغلت المفكرين والتي صنفها العقل الأكاديمي المعاصر تحت حقول مختلفة للعلم، ما جعل على سبيل المثال قراءة كانط للسلام العالمي أو رؤية مكيافيللي للقيم في العلاقات الدولية أو تصور الفارابي للمدينة الفاضلة والمعمورة غاية في الأهمية لدراسي العلاقات الدولية، مثلما يهم دارس الحكومات المقارنة مطالعة تطور الأفكار في تقسيم الأنظمة السياسية والحكومات، وغيرها.
يعد الفكر السياسي مادة أساسية في دراسة كافة فروع العلوم السياسية، حيث تزود الطالب بالمفاتيح الأساسية لفهم الظواهر السياسية وتعريفه بالمفاهيم والقضايا التي شغلت التفكير السياسي وتطورها في العصور المختلفة والدوائر الحضارية المتنوعة.
ومادة الفكر السياسي تدرس الأفكار الرئيسية في المدارس الفلسفية والحضارات المختلفة وصولاً للعصر الحديث من خلال تحليل العلاقة بين الفكر والواقع، والمفكر وسياقه الزمان والمكاني، ويتم ذلك من خلال استعراض الأفكار الرئيسية لأبرز فلاسفة الفكر الغربي والإسلامي حول القوة والسلطة، ونشأة الدولة ودورها، والعلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم، وتقسيم أنظمة الحكم، ودور المشاركة السياسية وأهمية القانون وعلاقة الأخلاق بالسياسة وتصورات الفرد والمجتمع والعالم و العلاقات الدولية وغيرها، وذلك من خلال تحليل أفكار أهم المفكرين في تطور الفكر السياسي بدءاً من الفكر اليوناني مروراً بالروماني ثم المسيحي بالتوازي مع دراسة الفكر الإسلامي، ثم عصر النهضة، ثم عصر التنوير الغربي والعربي وصولاً للفكر المعاصر وتحولات أنساقه الأيديولوجية، بحيث تتبلور المدارس الفكرية الثلاث الرئيسية المعاصرة: الليبرالية الغربية، الاشتراكية، التجديد في الفكر الإسلامي.
وتسهم المادة بشكل رئيسي في بناء العقلية المنهجية للطالب، حيث تربط بين الفكر والإطار الزمني والمكاني والمجتمعي، وتوضح التفاعل بين الأفكار عبر العصور وبين الأطر الحضارية، والتغذية المرتدة للمدارس الفكرية، وتكرس الوعي بأهمية العقل النقدي والاقتراب المقارن، وتدمج الفكر في دراسة المؤسسات السياسية وتصنيفها وتقويم أدائها، فضلاً عن العلاقات الدولية؛ كما تحفز التفكير المتعمق في القضايا والوعي المنظم بالواقع، وتبين العلاقة المركبة بين الاستمرارية والتغيّر في الظواهر والأفكار السياسية، كما تعلم الطالب المقارنة بين الأفكار والوعي بالتقاطع في الأفكار بين المراحل التاريخية وبين السياقات الحضارية المختلفة.
قلم: د. خليل حسين