الحوار الهندو إسلامي .. نحو قراءة جديدة للتاريخ
أحمد بركات
عبر ألفية كاملة، عاش المسلمون والهندوس في شبه القارة الهندية دون أن يتعايشوا، ولم تشفع ظروف الحرب والسلام عبر التاريخ الهندي الممتد لخلق ثقافة حوارية بين القطبين الكبيرين، بل استحالت فترات السلام بيئة خصبة للحروب البينية حتى تحول المسرح الهندي إلى عرض قتالي مستمر. لكن تبقى إمكانية الحوار تُطل برأسها على الواقع من آن لآخر خلف أستار الدخان وجلبة التاريخ. ولعل المقاربات الحديثة للحوار بروحها النقدية وعقليتها التحليلية تمثل دعوة مفتوحة للمسلمين والهندوس على السواء للنظر التحليلي للأدبيات الأيديولوجية عند كلا الفصيلين، والاستغلال الأمثل للمكتشفات الحديثة في العلوم الإنسانية لكسر الحواجز المادية والمعنوية.
فعبر المقاربات الروحانية في الإسلام والهندوسية يمكن مواجهة الخطر العلماني المحدق وأنسنة المناخ الثقافي العام؛ وعلى المستوى العلمي يمكن البحث عن نماذج معرفية متقاطعة؛ وعلى المستوى الثيولوجي (الاعتقادي) يمكن سبر أغوار التسامحية وقبول الآخر.إن الحوار البيني ليس منوطا به أن يقدم على طبق من فضة الحل الأمثل لكل المعضلات الحضارية في السياق الهندي، ولكنه يبقى حلا في ذاته يستحق المزيد من الجهد.
وعبر دراسة مفصلة نشرتها مؤسسة الحوار الديني باللغة الإنجليزية (وهي مؤسسة غير ربحية وغير حكومية أسست عام 2002 بجهود تركية أمريكية مشتركة) يحاول الحوار الهندو إسلامي أن يتلمس طريقه إلى الوجود بعد سنوات من العدم.
إعادة كتابة التاريخ
تعد المقاربات النقدية الحديثة في العلوم الإنسانية بصفة عامة وفي التاريخ وعلوم النفس والاجتماع بصفة خاصة أحد السبل لخلق فضاء حواري بين المسلمين والهندوس، بعد أن أثبتت المنهجية التقليدية في كتابة التاريخ الهندي- والتي اتبعها المؤرخون الغربيون والهنود على السواء عبر أزمان مديدة- عدم موضوعيتها وتأثرها بالنزعات الأيديولوجية للمؤرخ. وتؤكد "روميلا ثبر" في كتابها (الكوميونالية وكتابة التاريخ الهندي) أن هذه المنهجية التقليدية المتحيزة قد ظهرت أول ما ظهرت في كتاب "جيمس ميلر" (تاريخ الهند البريطانية) في بواكير القرن التاسع عشر، حيث أطر "ميلر" لفرضية تقسيم التاريخ الهندي لمراحل رئيسية ثلاث، وهي: الحضارة الهندية، والحضارة الإسلامية، والحضارة البريطانية (وليس المسيحية).
وقد أدت هذه الحدود التاريخية المصطنعة إلى إشعال فتيل العداء على المسرح الهندي بين الحضارات الثلاث، فالأتراك والعرب والفرس الذين فتحوا الهند- على سبيل المثال- كانوا مسلمين، ووصف هذا الفتح في الأدبيات التاريخية بالفتح الإسلامي، إلا أن هذا لا يعني بحال- كما تؤكد "ثبر"- أن تدمير المعابد الهندوسية على يد السلطان محمود الغزنوي في القرن الحادي عشر الميلادي يمكن رده إلى أدبيات لا تسامحية في الدين الإسلامي، كما أن ما فعله الملك "هارشا"، وهو أحد الملوك الهندوس، من تبديد وتدمير لثروات المعابد الهندوسية، بل تعيين ضابط من أجل هذا الغرض (وكان يلقب بـ"مدمر الآلهة") لا يمكن أن يحسب على الهندوسية.
وتعرض الدراسة لفتوى "زياد الدين براني" كمثال للمنهجية التقليدية في التأريخ؛ فقد حمل "براني"، وهو أحد علماء المسلمين في القرن الميلادي الرابع عشر، على سلاطين دلهي في زمنه لعدم حماستهم في قتال وقتل الوثنيين والكفار (في إشارة واضحة إلى الهندوس)، وامتدح بحماسة شديدة سيرة السلطان "محمود الغزنوي" قبل ثلاثة قرون والذي لو كان موجودا بين ظهرانيهم ـ بحسب "براني"ـ لوضع "تحت سيفه كل البراهمة (أي رجال الدين الهندوس، والذين يقبعون على قمة السلم الاجتماعي في الطبقية الهندوسية)، وحصد رؤوس مائتين أو ثلاثمائة ألف زعيم هندوسي... ولم يكن ليغمد سيفه حتى يذعن الهندوس عن بكرة أبيهم للإسلام".
إن هذه الفتوى يمكن قراءتها عبر الأدبيات التقليدية في كتابة التاريخ، وهي بحسب هذه القراءة تؤصل لداء ثقافي عضال، وعداء أيديولوجي مزمن بين المسلمين والهندوس يضرب في أطناب التاريخ، ويمتد في فضاء الحاضر والمستقبل. ولكنها عبر المقاربات التأريخية الحديثة، والتي تدعو إلى قراءة سياقية غير مطلقة وإعمال العقل النقدي والمنهجية التحليلية في معالجة النص التاريخي، وعدم نقل الرواية التاريخية دون وضعها في إطار نقدي، تؤطر لنموذج تسامحي يتمثل في سلاطين دلهي في مقابل نموذج سلطوي يعرض له السلطان الغزنوي وزياد الدين براني، ووضع كلا النموذجين في إطار النظرية الإسلامية التي تمثل المحك الرئيسي في تحليل الرواية بعيدا عن الشخوص الذين يمثلون أبطال هاتيك الروايات. إن المقاربة التحليلية النقدية في عرض وتفسير الأحداث الكبرى عبر التاريخ الهندي الممتد تمثل إذًا حجر زاوية في الحوار البيني في الداخل الهندي، وتلقي بحجر كبير في الماء الراكد للدفع قدما بالمحاور الحوارية المتعددة القابعة تحت ركام المقاربات التاريخية التقليدية التي أفسدت الماضي والحاضر معا.
وتشير الدراسة (باقتضاب شديد) في هذا الباب إلى بعض الأوراق البحثية التي تثبت مخاطر المفاهيم المتنمطة غير التحليلية للتأريخ. وتؤكد "ثبر" على أن "إبراز الممارسات العدائية للجماعات المذهبية أو الدينية في تاريخ مجتمع أو حضارة ما يمثل خطرا داهما في ذاته، ولكن يبقى التأريخ القائم على المفاهيم الكوميونالية العامة أو شبه الكوميونالية هو الأكثر خطورة على الإطلاق" (الكوميونالية وصف لنوع من المجتمعات التي توجد فيها الانقسامات الإثنية واللغوية والدينية عميقة). إن مراجعة هذه الدراسات، والنهوض بالعقل الجمعي الهندي لا يزال بحاجة ماسة إلى مزيد من الجهود المشتركة بين أطياف المجتمع المختلفة من أجل التأسيس لحالة حوارية بين الرافدين الأساسين في النموذج الحضاري الهندي.
قراءة أيديولوجية الآخر
وتذهب الدراسة خطوة أبعد حيث تؤكد على خطأ أو خطيئة المقاربات الهندو إسلامية والتي تهدف إلى خلق ودعم الحالة الحوارية البينية، ولكنها تتبنى في غمار هذا الجهد التقاربي نمطية كلاسيكية من شأنها أن "تقلب الطاولة الحوارية إن جاز التعبير"، رغم توافر حسن النوايا، وترفع راية الدين على حلبة الصراعات ذات الخلفيات المتباينة؛ فالصراع الهندو باكستاني- على سبيل المثال- لا يزال يؤطر له، عند هذه المقاربات، في سياق تصادمي بين باكستان "المسلمة" والهند "الهندوسية"!، ليؤكد بذلك على المفاهيم المغلوطة في قراءة وتفسير الأحداث التاريخية في سياقاتها الحقيقية سواء أيديولوجية أو اجتماعية أو سياسية، وربطها كل جملة واحدة بالدين!.
وعلى الطرف الآخر يقف البحث التاريخي النقدي والذي يأخذ في اعتباره ما توصلت إليه علوم النفس والاجتماع والإنثربولوجيا من نظريات حديثة تعين على تقديم تفسيرات سياقية موضوعية لروايات التاريخ بما يجسر للحوار الهندو إسلامي على أسس أكثر إيجابية. فالتاريخ الجيد لا يمكن أن يقوم على تفسيرات أحادية لروايات انتقائية، مهما كان الجهد البحثي المبذول في تلك القراءات؛ كما أن الباحث في سياق الأحداث التاريخية في إطار دين معين يتعين عليه أن يفهم هذا الدين على الشاكلة التي يفهمه بها أتباعه، لا عبر أدبيات العقيدة أو الأيديولوجية (المعادية) التي ينتمي إليها، وإلا فنحن بصدد تفسيرات تاريخية متحيزة ومفتقرة إلى الموضوعية التي تشكل الركيزة الأولى في المباحث الإنسانية على وجه الخصوص.
جدير بالذكر أيضا أن ثمة أبحاثا أخرى كثيرة غير الدراسة التي بين أيدينا تدندن حول العلة ذاتها، حيث تؤكد أن مأزومية الحوار الديني بوجه عام، بل الحوار الحضاري بوجه أكثر عمومية ليس من معضلات البحث التاريخي الموضوعي فحسب، بل إنه استحال سمة أساسية في التعاطي الإعلامي مع القضايا المختلفة!؛ وتعود هذه الإشكالية في الأساس إلى تحليل الأحداث السياسية والاقتصادية والمجتمعية المرتبطة بأيديولوجية ما عبر أدبيات أيديولوجية أخرى، الأمر الذي يؤطر ويروج للمفاهيم الملتبسة والمغلوطة عن الأديان المختلفة، سواء في إطار الثقافة الواحدة أو في فضاء الترانسندالية العابرة للثقافات.
وتمثل الدراسة لهذا بالخلاف الذي وقع بين اثنين من المستشرقين وهما "توماس ووكر أرنولد" و"أدلوف ويسمر"، حيث يؤكد الأول على أن العمل الدعوي إلى دين بعينه ليس بدعة إسلامية، بل ممارسة عرفتها كل الأديان، وذهب أرنولد إلى أن النبي "محمد" نفسه والدعاة الذين ساروا على هديه قد أبدوا قدرا كبيرا من التسامح والصبر حال محاولاتهم دعوة الكفار إلى الإسلام؛ وانطلق "أرنولد" في هذا التأطير من قراءاته للقرآن "بعيون إسلامية"، أو بمنهجية محايدة، بعيدا عن المفاهيم الغربية المغلوطة عن الإسلام، حيث عمد إلى التفسيرات الإسلامية في فهم الآيات الخاصة بهذه القضية في سياقاتها التاريخية والمجتمعية، وعبر مفاهيم قابلة للتطور بحسب المستجدات في الإطار العام للنظرية الإسلامية.
ولم يكتفِ بآراء المستشرقين الذين قرؤوا الإسلام عبر الثيولوجيات المسيحية في العصور الوسطى، ثم عبر تأطيرات النهضة والتنوير والحداثة وما بعد الحداثة منذ القرن السابع عشر على التوالي. وعلى الطرف الآخر يقف "ويسمر" في معالجته التاريخية لانتشار الإسلام في شبه القارة الهندية، والذي ينطلق من عقيدته بأن القرآن ليس "كلمة الله"، وإنما أتى به "محمد" من عنديات نفسه واختلقه اختلاقا، ومن ثم كانت دوافع النبي للدعوة في بداياتها تقوم على موتيفات إمبريالية وطموحات توسعية؛ وسار (الغزاة) المسلمون على منهاج نبيهم "السلطوي" في التمهيد والتمديد للإسلام تحت ظلال السيوف ليتلوَّن الفكر الإسلامي بلون الدماء التي قامت عليها دولته، ولتتحول القراءة التاريخية للأحداث ذات الصلة بالحضارة الإسلامية عبر هذه المقاربة إلى قراءة نزوعية تفتقر إلى المنهجية التدقيقية والتقييم الموضوعي، فضلا عن آثارها السلبية ليس على منهجيات كتابة التاريخ كمبحث من مباحث العلوم الإنسانية فحسب، بل على فهم وصياغة الواقع سواء بسواء.
عجلة الحوار
وفى إطار الاستفادة العلمية من النظريات الحديثة لدفع عجلة الحوار الحضاري الديني، فإن الدراسات النفسية والاجتماعية المتقدمة للظاهرة الدينية تقف كمرتكز هام لخلق ودعم ثقافة حوارية هندو إسلامية على أطر علمية وثيقة. هذا ما أكدت عليه العديد من كتابات المفكرين على اختلاف مدارسهم الفكرية، وتعرض الدراسة في هذا الباب لكتابين للبروفيسور "جيمس فولر"، أستاذ اللاهوت والتنمية البشرية بجامعة إموري: الأول هو "مراحل الإيمان"، والذي يؤكد فيه على ملمحين أساسيين لجوهر الإيمان، ينبغي وضعهما في بؤرة الاعتبار عند البحث الديني المقارن، وهما: الديناميكية والعقلانية.
فالأولى: تطلق الدين من كهوف الماضوية والجمود الحضاري، وتمنحه صك التجديد الذاتي لنموذجه الفكري.
والثانية: تعمل على مأسسة الثقافة التجديدية في إطار الخصوصية الحضارية والهوية الفكرية، وكلاهما- أي الديناميكية والعقلانية- مما تتمحور حولهما كافة مرتكزات الحوار والتعددية وقبول الآخر، وتتلاشى عندهما نظريات التصادمية والمتوالية الحضارية (قيام الحضارات على أنقاض بعضها البعض).
وأما الكتاب الثاني فهو "خرائط الحياة"، وفيه يطرح الكاتب لفكرة الترابط الوثيق بين ما يسميه مراحل الإيمان من ناحية، وبين قدرة الفرد في المراحل المتقدمة من إيمانه بعقيدته على استيعاب العقائد الأخرى، بل أن يعرف نفسه عبر هذه العقائد في المراحل الأكثر تقدما من الناحية الثانية؛ فالعمق الإيماني للفرد يتناسب طرديا مع المساحة الإيمانية؛ مما يجعله يرى العقائد المختلفة- رغم تبايناتها الشكلية- أحادية الجوهر؛ فالتعدد الحضاري- بحسب "فولر"- يتطور حتى يصل في أعقد أطواره إلى التماثلية الحضارية، ويتضح هذا بجلاء - كما يؤكد "فولر"- في الروحانيات التي يحفل بها الخطاب الإسلامي والهندوسي على السواء.
الأدوات الحضارية الغربية
ثمة العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة التي يمكنها أن تقدم إسهامات جليلة للحوار الهندو إسلامي. وتشير الدراسة في هذا الصدد إلى مجهودات الأطباء النفسيين من الجانبين الإسلامي والهندوسي في الاستفادة من التعاليم الروحانية، والتي تشكل محورا هاما في الفكر الديني عند كلا الفصيلين، كمدخل جديد في الطب النفسي الحديث.
ففي مؤتمر الدين الذي عقد في مكافي بولاية نيوجيرسى الأمريكية، قدم "الزبير بشير طه"- أستاذ علم النفس بجامعة الخرطوم- ورقة بحثية ناقش فيها إمكانية الاستفادة من التوجيهات القرآنية لتنظيرات جديدة في الحقل النفساني، لا سيما في علاج السلوك الإدراكي عند المريض النفسي؛ وفي المؤتمر ذاته قام أحد الأطباء النفسانيين من جامعة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد على مدى الاستفادة من نفس التجربة، ولكن عبر نظريات جديدة مستمدة من تعاليم "بهاجافاد جيتا" (وهو أحد الكتب المقدسة الرئيسية في العقيدة الهندوسية، والذي أقدم محمد بن أحمد البيروني في العصر العباسي على ترجمته لأهميته وقيمته، غير أن هذه المخطوطات قد تبددت).
لا شك أن هذا الإثراء العلمي في الميادين المختلفة يشكل نقطة تماس إضافية في البعد الحواري بين الإسلام والهندوسية تحتاج إلى مزيد من التفعيل على كافة الأصعدة وكافة المستويات. إن تعدد مسارات الحوار وتنوع ميادينه واستثماره بما يعود بالنفع على المجتمع الهندو إسلامي كمجتمع قائم عبر سنوات طويلة يعمق من الترابط والاندماج عبر المقاربات المختلفة بما فيها المقاربة البرجماتية لتحقيق النفع المادي، فضلا عن الاستقرار النفسي للحضارة الهندية، ولا تزال التجارب المختلفة في ميادين العلوم التجريبية المتعددة، والتي أخذت فيها الهند بحظ وافر وأثبتت فيها إمكانات فائقة، على أول الطريق نحو تقديم مجالات متجددة للتعاون المشترك والبناء.
وعودا على بدئ، فإن هذه الشراكة العلمية تحتاج بلا شك إلى العقلية النقدية والمنهجيات التحليلية الحديثة من أجل سبر أغوار مساحات التقاطع، وإذابة جبال الجليد التاريخية التي خلفتها الذهنية السطحية والتعامل التقليدي مع القضايا المشتركة، والانتقال عبر تجارب في ميادين العلم الحديث إلى الاستثمار الفكري والروحي بل المادي أيضا؛ لتتوطد أركان الحوار فيصبح وسيلة بعد غاية، ترمي إلى نهضة شاملة بحضارة هندية جامعة متعددة الروافد والثقافات، لتتحول هذه التعددية عبر هذه الآليات من العدائية إلى الإثرائية.
وختاما، ينبغي الإشارة والتأكيد على بُعد بالغ الأهمية عند تطبيق المناهج النقدية والعقلنة التحليلية- التي تدعو إليها هذه الدراسة القيمة- في التعاطي مع القضايا والعلوم المختلفة في الفضاء الهندو إسلامي، وهو مخاطر تبني هاتيك الأدوات، والتي تعد واحدة من أهم تجليات الثورات العلمية والفكرية في الغرب، لتطبيقها في سياقات حضارية مختلفة، حيث يحتاج هذا الاقتباس الحضاري إلى وعي كامل بالخطر العلماني وعواقبه الوخيمة على حضارته الغربية الحاضنة، فضلا عن النماذج الحضارية الأخرى.
ولعلنا نجد في كتاب "الإسلام وأزمة الإنسان المعاصر"، للعلامة والفيلسوف الإسلامي المعاصر البروفيسور"سيد حسين نصر"، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون الأمريكية، ما يفي بتوضيح هذه المخاطر، وما يكشف النقاب بجلاء عن سلبيات "المنظور النقدي" أو المنظور العلمي" بخلفيته العلمانية الغربية، والذي يقوم على اختزال طبقات الحقيقة المتعددة في الطبقة الأخيرة لا غير. فالعلاقة بين الإنسان والطبيعة في هذا الفكر العقلاني المادي لا تخرج عن إطار الحقائق الطوطمية والمذاهب الروحانية التي تجعل من الطبيعة إلهًا قائما بذاته؛ فالعقلية النقدية الحداثية- كما يؤكد نصر- تريد من المسلم أن ينظر إلى الظواهر الطبيعية على أنها حقائق مادية مجردة ذات بعد معرفي واحد، وليس عبر منظور ديني أكثر شمولية يقوم على ربط الظواهر الطبيعية من جانب والقدرة الإلهية من الجانب الآخر، والذي يمثل- في الأدبيات الحداثية- نكوصًا إلى العصور الكنسية المظلمة.
إن هذه القراءة في تفسير الظاهرة العلمية لها دلالاتها وآثارها البالغة على الشخصية الحضارية التي تطبق فيها، ولطالما أخذت المذاهب العلمية الغربية التي أبدعتها عصور النهضة والتنوير والحداثة بزمام الفكر الغربي إلى التوجهات الاختزالية ورؤية الحقيقة دائما عبر منظور مادي أحادي لا يتماشى مع النموذج الحضاري الإسلامي أو الهندوسي، فضلا عن فشله في النموذج الغربي ذاته.
ــــــــــــــــــــــــــ
قراءة وتعليق على دراسة لمؤسسة الحوار الديني الأمريكية التركية عن الحوار الهندو إسلامي.. الإمكانات والمعوقات على موقع
http://www.globaldialogues.org/