البخاري وصحيحه
البخاري:
هو : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة الفارسي، ولد ببخارى سنة 194 ه ، وارتحل في طلب الحديث ، ولبث في تصنيفه ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتى أتمه ببخارى ، ومات بخرتنگ قرب سمرقند سنة 256 ه ، فكان عمره أكثر من ستين سنة . وكان مغيرة مجوسيا ثم أسلم .
***
صحيحه:
عن مقدمة فتح الباري لابن حجر : (( إن أبا علي الغساني روى عنه أنه قال : خرجت الصحيح من 600 ألف حديث . وعنه أيضا : لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا ، وما تركت من الصحيح أكثر . . . وعنه : كنا عند إسحاق بن راهويه - وهو أستاذه - فقال : لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة الله ، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح ، وخرجت الصحيح من 600 ألف حديث . فهو أول من ميز الصحيح من غير الصحيح في نظره واجتهاده ثم تبعه غيره في ذلك ، وكتاب البخاري أشهر الصحاح حتى قيل في حقه : إنه أصح كتاب بعد كتاب الله )).
اذا ما كانت السطور اعلاه قد احتفت بعمل البخاري هذا الاحتفاء حتى وصل الى حد وصفه بـ (إنه أصح كتاب بعد كتاب الله) فماذا نقول عما قاله من وجه النقد طريقه الى هذا العمل؟
من جملة من انتقده :الدار قطني ، وابو مسعود الدمشقي ، والغساني ، والذهبي ، وغيرهم من القدماء ، فضلا عن المعاصرين.(1)
ولنناقش ما جاء في مقدمة فتح الباري وقولها : (أول من ميز الصحيح من غير الصحيح) .
كيف هذا؟
تقول المقدمة : ان ذلك تم من خلال : (نظره واجتهاده)، الا اننا لا نعرف هذا النظر وهذا الاجتهاد سوى ما وصلنا من ان البخاري دوّن ما سمع ضمن ضوابط هو واضعها ، الا انها تبينت فيما بعد انها ناقصة.
فماذا نقول عن رجاله وقد اخرجت الكتب الخاصة برجال الصحيح العشرات من غير الموثوقين ، وغير الموجودين في الحياة، وكذلك ما وجه الى طريقته في التدوين من نقد، كتقطيع الحديث ، ووجود الابواب الفارغة من أي حديث(وافته المنية قبل ان يتمه ) ، اذ من معلوم هذه الطريقة ان الكاتب يضع عنوان الباب ثم يبحث عن احاديث تملأه ، والا ظل الباب فارغا ، مثل : باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه ،و باب من اختار الغزو بعد البناء .
و ايضا ، اعتماده في اسناد بعض الاحاديث والروايات الى (ناس) فحسب، دون معرفتهم ،(2)
وكذلك اعتمد في اسناده على رجال اختلف في توثيقهم ، مثل : ابو هريرة (3)، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس الذي اورد له اكثر من مئتي حديث عن ابن عباس والسيدة عائشة وغيرهما .
يقول عنه سليمان بن خلف الباجي في التعديل والتجريح - ج 3 - ص 1149 وما بعدها :
(( عكرمة مولى عبد الله بن عباس أبو عبد الله المدني أخرج البخاري في العلم وغير موضع عن عمرو بن دينار والشعبي وقتادة وعاصم الأحول ويحيى بن أبي أنس وأبي بشر وأبي إسحاق الشيباني وعمارة بن أبي حفصة وأبي الأسود وأيوب وخالد الحذاء وهشام بن حسان وحصين بن عبد الرحمن عنه عن بن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعائشة وابن عمر قال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عن عكرمة مولى بن عباس فقال ثقة يحتج بحديثه قلت فأيهما أعلم بالتفسير هو أو سعيد بن جبير قال أصحاب بن عباس عيال على عكرمة قال البخاري ومات عكرمة سنة سبع ومائة قال عمرو بن علي سنة خمس ومائة قال أبو بكر سمعت يحيى بن معين يقول إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لان عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية قال أبو بكر سمعت مصعب بن عبد الله يقول كان عكرمة يرى رأي الخوارج وادعى على بن عباس أنه كان يراه قال أبو بكر حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن أيوب عن بن سيرين قال قال بن عمر لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس قال أبو بكر حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو هلال الراسبي حدثنا الحكم بن أبي إسحاق كتبت عند سعيد بن المسيب وثم مولى له فقال له انظر لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس قال أبو بكر حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن إبراهيم بن ميسرة قال قال لي طاوس لو أن مولى بن عباس هذا يعني عكرمة اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا قال أبو بكر حدثني أبي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال قيل لأيوب أكان عكرمة متهما قال أما أنا فلم أكن أتهمه قال أبو بكر حدثنا يحيى بن معين حدثني من سمع حماد بن زيد يقول سمعت أيوب وسئل عن عكرمة كيف قال أيوب لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه قال أبو بكر حدثني أبي حدثنا جرير عن مغيرة قال قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة)) .
ومن الطريف ان لا يثق به الامام مسلم في صحيحه فلم يرو عنه سوى حديثا واحدا.
وكذلك ، اسماعيل بن ابي اويس الذي روى البخاري له ما يقارب 16 حديثا ، وقد ضعفه النسائي في (كتاب الضعفاء والمتروكين - ص 152)، والعقيلي في (ضعفاء العقيلي - ج 1 - ص 87)، ويقول عنه الرازي في ( الجرح والتعديل - الرازي - ج 2 - ص 180 ) : ضعيف العقل ومحله الصدق وكان مغفلا .
وجاء في (التعديل والتجريح - ج 1 - ص 348 ) :
(( قال ابن الجنيد قال بن معين إسماعيل بن أبي أويس مخلط يكذب ليس بشئ )).
وجاء في (ميزان الاعتدال - الذهبي - ج 1 - ص 222) :
(( إسماعيل بن أبي أويس [ خ ، م ] عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس بن مالك ابن أبي عامر الأصبحي [ خ ، م ] ، أبو عبد الله المدني . محدث مكثر فيه لين . روى عن خاله مالك ، وأخيه عبد الحميد ، وأبيه . وأقدم من لقى عبد العزيز الماجشون ، وسلمة بن وردان . وعنه صاحبا الصحيح ، وإسماعيل القاضي والكبار . قال أحمد : لا بأس به . وقال ابن أبي خيثمة ، عن يحيى : صدوق ، ضعيف العقل ، ليس بذاك . وقال أبو حاتم : محله الصدق مغفل ، وقال النسائي : ضعيف . وقال الدارقطني : لا أختاره في الصحيح . توفى سنة ست وعشرين ومائتين . وقال ابن عدي : قال أحمد بن أبي يحيى : سمعت ابن معين يقول : هو وأبوه يسرقان الحديث . وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول : كذاب ، كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب . وقال العقيلي : حدثني أسامة الدقاق بصرى . سمعت يحيى بن معين يقول : إسماعيل ابن أبي أويس لا يساوى فلسين . قلت : وساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث ، ثم قال : وروى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد ، وعن سليمان بن بلال . وروى عنه البخاري الكبير . قلت : مات سنة ست وعشرين ومائتين ، استوفيت أخباره في تاريخ الاسلام )).
وجاء في (تهذيب التهذيب - ابن حجر - ج 1 - ص 272) :
(( وقال ابن حزم في المحلى قال أبو الفتح الأزدي حدثني سيف بن محمد ان ابن أبي أويس كان يضع الحديث وقرأت على عبد الله بن عمر عن أبي بكر بن محمد ان عبد الرحمن ابن مكي أخبرهم كتابة أنا الحافظ أبو طاهر السلفي أنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني ثنا أبو الحسن الدارقطني قال ذكر محمد ابن موسى الهاشمي وهو أحد الأئمة وكان النسائي يخصه بما لم يخص به ولده فذكر عن أبي عبد الرحمن قال حكى لي سلمة بن شبيب قال بم توقف أبو عبد الرحمن قال فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية حتى قال قال لي سلمة بن شبيب سمعت إسماعيل ابن أبي أويس يقول ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم)) .
وهو متروك الحديث عند النسائي وابن الجوزي ، ومن احاديثه المتروكة التي يعدها ابن الجوزي من الموضوعات ( 4 ) :
(( أنبأنا ابن خيرون قال أنبأنا ابن مسعدة قال أنبأنا حمزة قال أنبأنا ابن عدى قال حدثنا بهلول بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد المزني عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة أجبل من جبال الجنة ، وأربعة أنهار من أنهار الجنة ، وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة . قيل فما الا جبل يا رسول الله ؟ قال : أحد جبل يحبنا ونحبه جبل من جبال الجنة ، وطور جبل من جبال الجنة ، ولبنان جبل من جبال الجنة ، ولم يذكر الرابع . والأنهار : النيل والفرات وسيحان وجيحان . والملاحم بدر وأحد والخندق وخيبر " . هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أحمد بن حنبل كثير بن عبد الله منكر الحديث ليس بشئ . وقال يحيى : لا نكتب حديثه . وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث . وقال الشافعي : هو ركن من أركان الكذب . وقال ابن حبان : روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب)) .
ثلاثة من رواة البخاري هذا حالهم ، وقد نقلوا عشرات الاحاديث ، فكيف يريدنا البعض ان نصدق بروايات هذا الصحيح ، وغيره.
***
وغير ذلك من نقود خاصة بالمتن ، اذ نجد التناقض الفاضح مع القرآن الكريم ، وكذلك داخل المتن الواحد بين قسم واخر من الحديث ذاته ، وبين حديث واخر.
ومن جملة ما أخذوا عليه : (( أنه ينقل الحديث بالمعنى ، يعني لا يهتم بألفاظ الحديث مع أنها مهمة جدا (...) ومن جملة ما أخذوا على كتابه ما ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح : إن أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال : انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض (...) وذكر في الجزء السابع من فتح الباري شواهد أخر منها : إن البخاري ترك الكتاب مسودة وتوفي ، وقال : أظن أن ذلك - أي الناقصة - من تصرف الناقلين لكتاب البخاري (...) ومن جملة هذه المؤاخذات ما انتقده الحفاظ في عشرة ومائة حديث ، منها 32 حديثا وافقه مسلم على تخريجه ، و 78 حديثا انفرد هو بتخريجه. والذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا ، المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلا ، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري 620 رجلا ، المتكلم فيه بالضعف منهم 160 رجلا ، والأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة ، اختص البخاري منها بأقل من ثمانين ، وباقي ذلك يختص بمسلم . وأما الذين طعن فيهم من رجال البخاري فنحو أربعمائة نفر (...) ويقول الدكتور أحمد أمين : إن بعض الرجال الذين روى البخاري لهم غير ثقات ، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين ، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل فالوقوف على أسرار الرجال محال . . . إن أحكام الناس على الرجال تختلف كل الاختلاف)). (5 )
(( قال ابن حجر : وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين - كما في حديث سحر النبي ( صلى الله عليه وآله ) - . فلو تتبعنا وفحصنا في الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه لوجدنا أن البخاري اتبع أسلوب النقل بالمعنى في كثير منها.)). (6)
ان البخاري في الصحيح كان معنيا بالسند (غير الموثق) وغير معني بالمتن.
اذن، اين الصحة فيما دوّن؟
***
(( روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أنه قال يوما عن البخاري إنه قال : رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ! فقيل له : يا أبا عبد الله ، بكماله ؟ فسكت. وقال أحيدر بن أبي جعفر والي بخارى : قال لي محمد بن إسماعيل يوما : رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ! فقلت له : يا أبا عبد الله بتمامه ؟ فسكت. وقال محمد بن الأزهر السجستاني : كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب ، فقيل لبعضهم : ما له لا يكتب ؟ فقال يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه. وقال ابن حجر العسقلاني : من نوادر ما وقع في البخاري ، أنه يخرج الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين)).(7)
***
ومن الطريف ان الامام ابا حنيفة : (( لم يثبت عنده من أحاديث الرسول إلا سبعة عشر حديثا (...) وأن صحيح البخاري ومسلم ، وبقية الصحاح المحتوية على مئات الأحاديث ليست بشئ ، مع أن الحنفية يعتبرونها ، ويعملون بها خلافا لمبدأ إمامهم أبي حنيفة )). (
-------------------------------
الفصل الاول
ابو هريرة والصحيح
( إنه كان أكذب الناس)
علي بن ابي طالب
ابو هريرة والحديث النبوي
قراريط وكيس ومضيرة
الوقفة /1:
ابو هريرة شخصية اشكالية ، واشكاليتها ليست بسبب مجهولية أسمها واسم ابيها ، فتعددت الاراء عنهما، وانما تأتي من خلال اختلاف المصادر في سلوكه وصدقه (او عدمه) في روايته للحديث ، فهناك من يمتدحه ويفضله على الرواة ، وهناك من يذمه و يكذبه ، فضلا عن اتهامه بكثرة رواياته للحديث ، كما تذكر الروايات وعلى لسانه.
يمكن القول ،انه اول راو ٍ يكذب على النبي (ص) من بين الرواة (9) ، مهان من قبل الرسول (ص) في اول يوم جاء فيه اليه (ص)(10)، ومهان ايضا من قبل الخليفتين، ابو بكرالصديق وعمر بن الخطاب في حياة النبي (ص) وما بعدها (11) ، وهو المهدر لكرامته بنفسه ، يبحث عمن يشبع بطنه لا عمن يشبع فكره (12)، ويكفي ما ذكره البخاري عن كيسه :
(( أن أبا هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، تقول المرأة أما أن تطعمني وإما أن تطلقني ، ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني ، فقالوا : يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال : لا هذا من كيس أبي هريرة ))0(13)
فأي راوي حديث نبوي كأبي هريرة ؟؟؟!!! وأي كيس هذا ؟
انه كيس الحاوي الذي يخرج منه ما تريد وما ترغب ، مقابل مضيرة كمضيرة معاوية.
ان المثلث الذي رسمه ابن العماد الحنبلي - وغيره من المصادر- لابي هريرة خير دليل على ما قلناه .
قال الحنبلي : ((جاءت الرواية الصحيحة أنه لما نشب القتال في صفين بين على رضي الله عنه وبين معاوية - كان يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلى وراء على ، وإذا احتدم القتال لزم الجبل )). (14)
عجبي من هكذا شخصية يعتمدها اغلب المسلمين في نقل الحديث النبوي ، وهم يقولون لا نأخذ بأحاديثه في العقائد، بل نأخذ منه أحاديث الترغيب والترهيب والاسرائيليات!!!
واذا كانت اي شخصية روائية لا تكون صادقة في نقل نوع من الاحاديث عن النبي (ص ) فكيف نصدقها في غيرها ؟ كيف اعتمده البخاري (وغيره) في صحيحه ؟ ولماذا ما زال اغلب المسلمين يرددون : قال ابو هريرة ،وحدث ابو هريرة ... اية (هريرة) هذه التي تنقل من كيسها بفضل مضيرة معاوية؟
ربما يراني البعض متحاملا على الرجل ، وهذا غير صحيح لانني في دراستي هذه ما انا الا ناقل من مصادر معتمدة وعلى رأسها صحيح البخاري نفسه ، ولم أاتي بشيء من عندي ، حماية لما ينقل عن النبي (ص).
وعن اكثاره في رواية الحديث ، يذكر البخاري في صحيحه - ج1- ص38:
(( ان ابا هريرة قد اكثر من رواية الحديث ، فروي عنه ، انه قال : حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الاعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَوْلا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ثُمَّ يَتْلُو ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) إِلَى قَوْلِهِ ( الرَّحِيمُ ) إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالاَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الانْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَالا يَحْفَظُونَ)) 0
الا انه كان ممن يكتم الحديث النبوي الشريف ، فهل كان صادقا في الحديث السابق ام انه كان صادقا في هذا الحديث الذي يذكره البخاري في ج1 – ص 38 :
((حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ)) 0
فهل اكثاره في رواية الحديث بسبب واحد من هذين الوعائين (الكيسين) ؟ ام كان بسبب الخرافة التي ذكرها في الحديث ادناه:
فقد روى البخاري ج 4 – ص188 ، الحديث:
((حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ قَالَ ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَوْ قَالَ غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ)) 0
اذن ، السؤال المحيّر، هو: كيف اعتمد البخاري على هكذا راوٍ يكذب على الرسول(ص) ؟ ولا يهمنا بعد ذلك ما يقال عن صدقه وحافظته ودعاء الرسول(ص) له ، بعد كيسه ذاك 0
والحوار الذي جرى بين السيدة عائشة وابى هريرة من كلام عن : (حديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه واله وانكرت عليه فقالت له متى قاله رسول الله صلى الله عليه واله فقال لها يوم انصب اباك للخلافة) (15)0
يخفي امورا وامور لا مجال لمناقشتها الان.
الا اننا نرى ان الحديث الاتي الذي ينقله عن النبي(ص) ينطبق عليه ، اذ جاء في البخاري ج7 – ص95:
((حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)).
***
الوقفة /2:
لماذا صحب النبي (ص):
جاء في صحيح البخاري - ج 3 - ص 2:
(( حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ان أبا هريرة رضي الله عنه قال إنكم تقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة وان اخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق وكنت الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني )).
فأي صداقة هذه التي تبنى على المصالح وليس على الايمان؟
***
الوقفة /3:
كذبه:
ان الكثير من الاحاديث التي يذكرها البخاري وغيره من اصحاب الصحاحات والمسانيد تفيد هذا المعنى ، فضلا على كيسه ، وحديثه السابق مع السيدة عائشة الذي تنكر عليه حديثا رواه.
- (( حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن مالك بن أنس قال حدثني ثور قال حدثني سالم مولى ابن مطيع انه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادى القرى ...)).(16)
بينما المصادر تقول انه و بعض ابناء قبيلته (دوس) جاؤوا الى النبي (ص) بعد ان حطت الحرب في غزوة خيبر اوزارها ،واثناء توزيع الغنائم .
اذن، لا هو ولا ابناء دوس قد اشتركوا في الحرب ولا فتح خيبر ، فيما يقول هو حسب الحديث اعلاه (افتتحنا خيبر).
ربما يقول البعض ان قوله هذا يعني به المسلمين .
اقول ان قبيلة دوس عربية ، وتعني ما تقول ، وكان عليه ان يقول افتتحها المسلمون ، فأي كذب هذا الذي اراد نشره لاعطاء نفسه اهمية اكبر مما هي فيه؟ الا انه في الحديث الاتي يناقض قوله هذا.
- (( حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحوها فقلت يا رسول الله أسهم لي فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له يا رسول الله فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال ابن سعيد بن العاص واعجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه قال فلا أدري أسهم له أم لم يسهم قال سفيان وحدثنيه السعيدي يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره مفطرا إلا يوم فطر أو أضحى)).(17)
- (( حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد ابن بشر عن إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة رضي الله عنه انه لما اقبل يريد الاسلام ومعه غلامه ضل كل واحد منهما من صاحبه فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك فقال اما انى أشهدك انه حر )).(18)
اسأل كل من قرأ المصادر التاريخية ، كيف ورد ابو هريرة على النبي(ص) ؟ الم يكن معدما ، وكان يرعى الغنم في مضارب قبيلته ، وصحب النبي – كما قال هو – على شبع بطنه ؟
اذن من اين له هذا العبد الذي يقوم بخدمته وهو لا يستطيع ان يشبع بطنه كما تذكر كل المصادر التي تحدثت عنه؟
(( وقال عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص الحديث فقال إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك شيطان )).(19)
ايهما الكذوب ،هل هو ابو هريرة ام الشيطان؟؟؟
(( حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذ حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان )).(20)
اسئلة كثيرة تبرز من خلال دراسة حياة هذه الشخصية الاشكالية، ولم يكن اخر الاسئلة سبب ازاحته من ولاية البحرين بعد اتهامه بسرقة بيت المال.
يقول ابو رية:
(( تبين لك من سيرة أبي هريرة في ولايته على البحرين أنه كان فيها على غير ما يجب أن يكون عليه الوالي النزيه الأمين ، مما جعل عمر بن الخطاب يعزله ، ويأخذ منه شطر ماله ثم يصفه بما وصف ، وقد كان مما سوغ به أبو هريرة إحرازه للأموال الطائلة التي استولى عليها من البحرين بغير حق ، أنه كان يتجر ، وهل للوالي النزيه أن يتجر مع رعيته ، وبخاصة من كان مثل أبي هريرة ؟ وليس غريبا كما قلنا أن يتخذ أبو هريرة هذا السبيل في سيرته بالبحرين . بل الغريب أن يتخذ غيرها ، فإن تاريخه قبل ولايته ، لا يمكن أن يؤدى به إلا إلى السبيل التي سلكها ، ورضى بها)).(21)
***
الوقفة /4:
ادعاء معرفة التاريخ:
(( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا )).(22)
مناقشة وتعليق:
اتساءل: متى سمع ابو هريرة هذا القول من النبي(ص) ، هل عندما كان يرعى الاغنام في مضارب قبيلته ويلاعب قطته ، ام ان النبي (ص) أسر له بهذا الخبر؟ ولماذا يرد في الحديث اسم السيدة فاطمة فقط وللنبي ثلاثة بنات ؟ مع العلم ان هناك من المصادر التي تذكر ان السيدة فاطمة لم تولد وقت نزول الاية المذكورة، فضلا عن وجود اراء حول ميلادها. (23) ربما يقول البعض انه سمع ذلك من النبي(ص) او من احد الصحابة، ونرد عليهم انه لم يذكر ذلك ،وانما ذكر ان النبي (قام) أي نقل الفعل وكأنه مشاهد له.
***
الوقفة /5:
النبي والعبودية:
تؤكد اغلب دراسات علم النفس ان العقل الباطن يخزن تجارب الشخص دون وعي منه ، وتظل هذه التجارب تعمل داخل لا وعيه وتتحكم في سلوكه في المستقبل ، وتطفوا الى سطح العقل الواعي عندما تستثار بسبب مؤثرات ذاتية او خارجية.
ولما كان ابو هريرة قد وصل الى سن الثلاثين (وقت قدومه الى النبي واسلامه) وهو يخدم الناس على شبع بطنه (أي انه شبه مملوك) كما ذكرنا سابقا ، فإن هذه التجربة الطويلة قد طفت ذكراها بعد اسلامه ودخوله مجتمع المدينة (مجتمع الانصار والمهاجرين) وجلهم يعيشون في بحبوحة من العيش الرغيد ، ولهم عوائل (زوجات وابناء) ولهم اعمالهم الخاصة التي ذكرها هو في احاديث سابقة ، فيما هو يعيش في مجتمع الصفة ، ويصاحب النبي (ص) وصحبه على شبع بطنه ، فراح يضع الاحاديث التي تمدح العبودية والمملوكية ، دون ان يعرف (وهو الامي ، سريع النسيان، والذي همه اشباع بطنه) ان الاسلام جاء ليزيل تلك العبودية ، والمملوكية عن كاهل بني الانسان الذي شرفه الله.
يذكر البخاري الحديثين الاتيين :
(( حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت ان أموت وانا مملوك.
حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده)), (24)
اتساءل : هل يتمنى النبي ان يكون عبدا مملوكا وقد ارسله الله لتحرير الناس من ربقة العبودية الى البشرية وتوحيدهم في عبودية خالقهم ؟
فيما نرى الفخر الرازي في كتابه عصمة الانبياء (25) يعدد احد عشر شبهة اخلاقية تخرج يوسف من كونه نبياً، منها ( صبره على الرق ،وذلك معصية ).
***
الوقفة /6:
تناقضات ابو هريرة:
في الاحاديث المروية عن ابي هريرة والتي دونها البخاري في صحيحه، تناقضات كثيرة، ان كانت تلك التناقضات بين متون الاحاديث نفسها، او بين تلك المتون وبين القرآن الكريم:
التناقض الاول:
1 - (( حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ان أبا هريرة رضي الله عنه قال إنكم تقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة وان اخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق وكنت الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وكان يشغل اخوتي من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه انه لن يبسط أحد ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه الا وعى ما أقول فبسطت نمرة على حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ )).(26)
2 - (( حدثنا احمد ابن أبي بكر أبو مصعب قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا أنساه قال ابسط رداءك فبسطته قال فغرف بيديه ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئا بعده )).(27)
3 - ((حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني وهب بن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه منى الا ما كان من عبد الله ابن عمرو فإنه كان يكتب ولا اكتب )).(28)
4 - ((حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ثم يتلو ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله الرحيم ان إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وان إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم وان أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون )).(29)
5 - (( حدثني أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم )).(30)
الاحاديث اعلاه ، تبين الامور التالية :
1 – انه اكثر حديثا بسبب ملازمته للنبي (ص)، فيما المهاجرون والانصار مهتمين بإمورهم الخاصة، و هذا القول لا بأس به اذ تجاوزنا غمزه لهم بعدم صحة مروياتهم عن النبي،فضلا عن تأكيده بعدم النسيان للسبب اعلاه.
2 – انه لا ينسى أي حديث للنبي (ص) بسبب ملازمته للنبي و امتلاء الرداء الخاص به (وفي حديث اخر نمرة) من قبل النبي (ص) ايضا.
3 – انه اقل رواية من عبد الله بن عمر بسبب معرفة عبد الله للكتابة ، وهنا التناقض، نسأله: لماذا انت اقل رواية من عبد الله ؟ في ما ملأ النبي (ص) ردائك بنعمة التذكر وعدم النسيان؟ وهل تفيد كتابة عبد الله مع هذه المعجزة النبوية التي تدعيها؟
4 – حفظ ابو هريرة وعائين من احاديث النبي (ص) بسبب امتلاء الرداء ، فبث الوعاء الاول بين المسلمين ، وكتم الثاني خوفا من القتل، وهنا التناقض مع القرآن الكريم، اذ عليه ان لا يكتم الحديث، لان في ذلك عصيان لله.
(( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)). [البقرة:159 ]
***
مناقشة وتعليق:
1- ان ابا هريرة لا ينسى احاديث النبي (فما نسيت شيئا بعده) ، وفي الوقت نفسه هو اقل رواية للاحاديث من عبد الله بن عمر لانه (كان يكتب ولا اكتب) .
فهل سمع الاثنان حديثا للنبي (ص) فكتبه عبد الله ولم يكتبه ابو هريرة فنسيه ، علما انه مسدد من النبي بعدم النسيان؟.
نتساءل: اين ذهب اغتراف النبي (ص) وامتلاء الرداء المبسوط امام ما يكتبة عبد الله؟ ما فائدة الكتابة امام الذاكرة التي لا تنسى؟
2 – كيف لمسلم مؤمن ان يكتم العلم ؟ فيما الله سبحانه يقول : ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)). [البقرة:159 ]
وابو هريرة يقول في الحديث رقم (5) : ((حفظت عن رسول الله "ص" وعاءين فأما أحدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم)).
كيف يستقيم ذلك ؟ وماذا كان في الوعاء الثاني من احاديث تقطع البلعوم ؟ هل ان شرع الله المنقول عن احاديث النبي (ص) تقطع البلعوم فيما لو رويت؟
3 – في الحديث رقم (1) اعلاه، يتراجع ابو هريرة عن حديثه في (2) عندما شعر انه كان كاذبا في ما نقل عن النبي (ص) فجاء به، وكان النبي (ص) يعني مقالة (حديث) واحدة اراد بها ان يشد اليه اذان سامعيه ليحفظوا ما اراد قوله، وكان من الجالسين ابو هريرة ، فحفظها " وعاها" فما نسيت من مقالة رسول الله "ص" تلك من شئ) .
فما هي تلك المقالة = الحديث = الخطبة ؟
لماذا لم يخبرنا عنها احد رواة احاديث النبي (ص) ، ام انهم كانوا مشغولين بالتجارة والصفق بالاسواق ، واعمالهم الخاصة!!!؟
اذن، كان على اصحاب الصحاحات والمساند ان يمزقوا كتبهم التي دونوا فيها ما رووه من احاديث عن الانصار والمهاجرين لانهم كانوا مشغولين باعمالهم الخاصة .
4 – نسأل العقلاء ممن يأخذ بما جاء في الصحيح وغيره، و (يقدسه) ،هل تستقيم تلك الاحاديث بهذا التناقض؟
هو نفسه يعرف انه كان كاذبا فيما روى ، والخليفة الراشد عمر ابن الخطاب يعرف كذلك ، والسيدة عائشة تعرف ، والناس جميعا ، فماذا تبقى من صدقه ووثوقيته ليكون من موثوقي رجال البخاري وغيره؟
***
التناقض الثاني:
1 - (( حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه )). (31)
2 - (( حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان داود عليه السلام كان لا يأكل الا من عمل يده)) .(32)
مناقشة وتعليق:
ان قول النبي (ص) هذا فيه حث على العمل ، ليس انسجاما مع الاية ( اليافطة الكبيرة ) التي رفعها القرآن الكريم امام البشرية في حثهم على العمل عندما قال سبحانه : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (التوبة:105) فحسب(اذا اخذنا العمل بمفهومه العام) ، وانما هذا هو ديدن البشر منذ الخليقة الى يومنا هذا لكي تستمر الحياة .
الا ان ابا هريرة الناقل للحديث لم يمتثل لا الى قول الله سبحانه ولا لقول النبي (ص) ولا لسنة الحياة ، فعطل امر رباني نبوي بشري ، وظل عاطلا عن العمل (واحد من اهل الصفة) يستجدي لقمة العيش بإمتهان كرامته امام الاخرين ، والاحاديث عن هذا الامر كثيرة نقلها البخاري وغيره وعلى لسانه هو .
- يقول : ان إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وان إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، فيما كان هو يلزم رسول الله (ص) بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون.
- و : يشغل اخوتي من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون.
فهل افاده حث القرآن الكريم وحديث النبي (ص)على العمل ؟
***
التناقض الثالث:
- يقول: وكنت الزم رسول الله (ص) على ملء بطني .
فيما يقول النبي (ص) كما يروي ابو هريرة :
1 - (( حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة بن عمرو قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه الا ايمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من اجر أو غنيمة أو ادخله الجنة ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ولوددت أنى أقتل في سبيل الله ثم أحيي ثم أقتل ثم أحيى ثم أقتل )).(33)
2- ((وعن أبي حازم عن أبي هريرة أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية من كتاب الله فدخل داره وفتحها على فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي فقال يا أبا هريرة فقلت لبيك رسول الله وسعديك فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي فانطلق بي إلى رحله فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال عد فاشرب يا أبا هريرة فعدت فشربت ثم قال عد فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح قال فلقيت عمر وذكرت له الذي كان من امرى وقلت له تولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر والله لقد استقرأتك الآية ولأنا اقرأ لها منك قال عمر والله لان أكون أدخلتك أحب إلى من أن يكون لي مثل حمر النعم )). (34).
3 - (( حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد ان أبا هريرة كان يقول آلله الذي لا إله إلا هو ان كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الا ليشبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الاسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا اتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا اتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها واشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق انا ان أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاء امرني فكنت انا أعطيهم وما عسى ان يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فاذن لهم واخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت انا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة )). (35)
مناقشة وتعليق:
اقول : لم يكن الجوع في يوم ما سُبة او عيبا ، وانما السُبة والعيب هو استجداء الاخرين ، وكذلك ، ليس العمل عيبا على احد وانما الجلوس بدون عمل هو العيب، وابسط الاعمال في ذلك المجتمع الذي عاش فيه وقتذاك هو التحطيب ، فلا يحتاج من يزاوله الى رأس مال سوى بذل الجهد.
وكان حديث النبي (ص) الذي ينقله ابو هريرة بيّن واضح في هذا الامر ،الا ان ابا هريرة ينقل ما قيل ولا ينفذ الذي قيل .
فكيف نوفق بين الاثنين؟
ولماذا لم ينتبه البخاري الى احوال شخص يعيش مع النبي وينقل حديثه لاجل لقمة العيش ؟ الم تكن لقمة العيش (الجانب الاقتصادي) مؤثرة في النفس البشرية، وفي المواقف خاصة؟ لهذا وضع الله سبحانه المال بالدرجة الاولى قبل البنين : ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)). (الكهف:46) ، الم يؤثر هذا الجانب في شخصيته فيضع الاحاديث؟
ولماذا لم يعمل ابو هريرة ، كما يفعل الانصار والمهاجرون، بدلا من الاستجداء؟ اليس قوله : (ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الا ليشبعني فمر فلم يفعل) . اليس هذا هو الاستجداء بعينه؟ ام انه شيء اخر؟