وقفات مع الكليني في الكافي
في الجزء الاول
ق1
2010
الاهداء :
الى روح ابني الشهيد البطل النقيب حسام الذي اغتالته يد الارهاب غيلة... اهدي مؤلفي هذا وادعو الله ان يتغمدة فسيح جناته.
-----------------------
((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ))
(الزمر:36)
(( من كان عاقلا كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة ))
الامام الصادق
الكافي- ج1-ص11
(( ليس الكافر من يحتقر آلهة الجمهور ، إنما الكافر من يتبنى تصور الجمهور عن الآلهة))
ابيقور
-------------------------
(( فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها ، ومباينتهم العلم وأهله ، حتى كاد العلم معهم أن يأزر كله وينقطع مواده ، لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل ، ويضيعوا العلم وأهله . وسألت : هل يسع الناس المقام على الجهالة والتدين بغير علم ، إذا كانوا؟
(...)وذكرت أن أمورا قد أشكلت عليك ، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها ، وأنك تعلم أن اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها ، وأنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها .
فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا " تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام : " اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه " )).
((الكافي - الكليني - ج 1 – ص5 - 8 ))
المحتويات:
- مقدمات:- مقدمة اولى.
- مقدمة ثانية.
- مقدمة ثالثة.
- مقدمة رابعة.
- الكليني والكافي.
- وقفات: - الوقفة الاولى: قراءة في التناقضات :
- تناقضات -1- تبضيع القرآن.
- تناقضات – 2- علم الائمة ومعرفة الغيب.
- تناقضات -3- مواليد الأئمة.
- تناقضات – 4 - الوصاية الالهية.
- تناقضات – 5- الإشارة والنص على الامام.
- تناقضات – 6- متى سلمت كتب وسلاح النبي(ص).
- تناقضات -7- هل فاطمة الزهراء تطمث؟
- الوقفة الثانية: قراءة في ولادة المهدي.
- الوقفة الثالثة: تناقضات الاحاديث- 2.
- الوقفة الرابعة: قراءة في رمزية القميص - ( سورة يوسف).
- الوقفة الخامسة: عقائد باطلة يتهم بها الائمة.
- الوقفة السادسة:الغيب.
- الوقفة السابعة: غلو.
- الوقفة الثامنة : من اول خلق الله من البشر؟
- الوقفة التاسعة:طعن العرب في نسبهم.
- الوقفة العاشرة : اولو العزم.
- الملاحق:- ملحق – 1 – الاجتهاد والتقليد.
- ملحق – 2 - رجال الاسناد الضعيف.
- ملحق – 3 - توثيق جابر بن يزيد الجعفي.
- ملحق – 4 - توثيق سليم بن قيس بن سمعان .
- ملحق – 5 – توثيق محمد بن سنان.
- ملحق – 6- الحيض والطهر والطمث.
مقدمات
مقدمة اولى:
قبل اكثر من عشرين عاما ،كنت في زيارة لاحد الاصدقاء ، وفي غرفة استقبال الضيوف ، رأيت مجموعة كتب منضودة على رفوف خشبية داخل احد شبابيك الغرفة ، إذ جعل صاحب الدار – والد صديقي – منها مكتبة صغيرة .
واخذني ما في نفسي من الفضول او حب الاطلاع – وبعد ان استأذنت من صديقي – تصفحت عناوين الكتب ، فوقعت عيناي على كتاب معنون بـ (الكافي)، فسألت صديقي عنه ، فأخبرني : انه كتاب عائد لوالده ، فيه احاديث نبوية .
فرحت اتصفحه ، وقرأت منه مجموعة متفرقة من الاسطر .
بعد تلك السنوات ،قرأت في احد الاقراص المدمجة و المعنون (مكتبة اهل البيت – الاصدار الاول – 1426-2005 – مركز المصطفى للدراسات الاسلامية ) والذي يضم مجموعة من الكتب الشيعية ، كتاب الكافي بأجزائه الثمانية، فهالني([1]) ما قرأت - انا الذي ولد وعاش في كنف عائلة ومجتمع شيعيين- وكان ما اطلعت عليه صدمة لي لاسباب ستذكر بعد قليل في مواضعها، الا ان ما هوّن من شدة الصدمة هو قول بعض رجال الدين الشيعة الامامية ما معناه : ان هذا الكتاب هو كتاب روايات فيه الغث والسمين ، أي ان فيه احاديث موضوعة، او ان ما فيه قابل للنقاش .([2])
وقد صدق هذا القول عند مطالعاتي لمجموعة كتب لمؤلفين شيعة قالوا فيها مثل هذا القول.
ويعتقد بعض العلماء أنه قد ( عرض على القائم - صلوات الله عليه - فاستحسنه و قال : " كاف لشيعتنا " ) ،(المقدمة- ص 25 من الكافي ).
فيما يقول المجلسي في الجزء الاول من( مرآة العقول ) ص3 : (كتاب الكافي أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة وأعظمها).
وكذلك قول الشيخ المهاجر اتحدى من ( يجيب ) – أي : يأتي - بحديث ضعيف في الكافي، لانه معروض على كتاب الله ، انا مستعد ان اعطي جائزة لمن يخرج حديث ضعيف ، انه ضعف عقول من يضعفه).([3])
***
يقع الكتاب في ثمانية اجزاء، ومؤلفه هو : ثقة الاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي ، المتوفي سنة 328-329 هـ.
صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري – دار الكتب الاسلامية – طهران الطبعة الثالثة -1388 .
***
دراسات هذا الكتاب (وقفات مع الكليني في الكافي) هي فحص لاحاديث المعصوم من ناحية المتن خاصة ، وبعضها من ناحية السند حيث امكنني ذلك من خلال كتب الرجال الشيعية .
المقدمات الاربعة في بداية الكتاب تحمل بين سطورها المنهج الذي اتبعه الدارس في هذه دراسات هذا الكتاب ، فمنهج الباحث في هذه الدراسات يعتمد على :
- اعتماد القرآن و العقل. (تضارب الاحاديث مع القرآن ومع بعضها ومع العقل).
- الحق الذي يعرف به الرجال. (اعتماد القول لا القائل).
- اعتماد القواعد الاساسية لتحصيل الحكم الشرعي عند الشيعة ولرد الاحاديث.
- ثم فحص بعض رجال الاسناد.
مقدمة ثانية:
تفسير سورة العلق
(دعوة لتفعيل العقل)
بسم الله الرحمن الرحيم
(( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم * كلا إن الانسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرايت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب))
(العلق: 1 - 19)
***
السورة القرآنية اعلاه ([4])، تؤصل لثلاثة موضوعات هامة وضرورية لاي انسان ذي عقل سوي، اذ تبدأ بالدعوة الى العلم ، وتنتهي بالعبادة ، هذا معناه: ان نعرف لكي نعبد.
1- الدعوة الى القراءة ، أي للحصول على معرفة ما ، ابتداء من علم خلق الانسان ، وهو اصعب علم ، وكذلك كيفية تعليم الانسان الاول ما لم يكن يعلمه ، (علم ادم الاسماء) .
2 – القضية المطلوب معرفتها من قبل النبي (ص) اولا ، ومن ثم عباد الله، وهي بين الله سبحانه وبين عباده ، وتبدأ بلفظة (ارأيت)، وكل هذه القضية المشروح بعض نقاطها في القرآن الكريم اجتمعت في اية واحدة هي : (ألم يعلم بأن الله يرى).
3 – واخيرا ، الدعوة للعبادة.
***
1- الدعوة للقراءة:
أي الدعوة لحصول العلم ، انها دعوة لاعمال العقول ، ليس الجسم المادي الذي يسمى الدماغ ، بل ما يقوم به من فعاليات كثيرة، فضاءات العقل الواسعة ، وخاصة المفكرة منها، تلك التي تصل بالانسان الى العلم اليقيني بكل شيء مفكر فيه بمساعدة الحواس الخمسة ،(عدا ما هو من علم الله الغيبي).
واذا كان السؤال الهام عند البشرية ابتداء من مرحلة طفولة الكائن البشري هو : من اين اتيت؟ كان جواب الله سبحانه (خلق الانسان من علق) وان لم تكن هذه الاية اجابة كافية للسؤال الماضي ، فقد شرح سبحانه لعباده كيفية خلق الانسان في قرآنه الكريم، ابتداء من الانسان الاول (آدم ) مرورا بما يعد خلق شاذ عن قواعد الخلق للانسان من ناحية الولادة وليس من ناحية المادة – أي خارج عن القاعدة العامة لخلق الانسان – وانتهاء بخلق بقية البشر.
قال تعالى :
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. [الحجر:28 -29 ]
قال تعالى:
* إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين *قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. [آل عمران :45 -47 ]
* إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. [آل عمران:59 ]
قال تعالى :
*هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون. [الانعام: 2 ]
* ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. [المؤمنون :12 -14 ]
* الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون. [السجدة:7- 9 ]
وكذلك ، الدعوة الى العلم من خلال معرفة ان الله سبحانه هو الذي علم الانسان الاول (آدم) الاسماء ، أي انه سبحانه خلق الانسان ووضع فيه العقل (الجسم المادي وما يتبعه من فعاليات) وعلمه كل ما يجب عليه ان يتعلمه (الاسماء).
*وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. [البقرة:31 ]
اذن على الانسان ان يعمل عقله (الذاكرة والتفكر، ربط الاشياء بمسبباتها)، قبل كل شيء ، ليصل – حتما- من خلال إعماله العقل الى ان هناك خالقا خلق البشرية وعلمها اسماء الاشياء (أي منح لها المعرفة) الا وهو الله سبحانه.
2 – العبادة:
قبل مناقشة القضية المطلوب معرفتها من قبل النبي (ص) والناس جميعا، علينا ان نناقش النقطة الثالثة ، وهي العبادة.
لم يطلب سبحانه ابتداء من العباد عبادته ، بل طلب معرفته اولا – من خلال خلقه - ، وبعد كل هذا طلب عبادته ، أي شكره ، (واسجد واقترب) .
3 – القضية الوسطية بين معرفة الخالق وعبادته :
هي:
أ) ان هذا المخلوق قد اصبح طاغية.
ب) على الرغم من انه رآى كل شيء امامه من خلق الله الا انه استغنى عن خالقه.
ج) اصبح ينهي عباد الله من عبادة الخالق ، انه استغنى عن الخالق ويطالب الاخرين ان يستغنوا عنه كذلك.
د) مكذب بوجود الخالق.
وفي الجملة ، هو مخلوق عاق ، مع العلم ان الله سبحانه يعلم كل شيء،لهذا سيحاسبه ، ومحاسبته ستتم لانه علم بأن الله خالقه ، واستغنى عنه.
***
اذن ، الاية تتدرج من العلم الى العبادة ،وليس العكس ، أي لا عبادة الا بعلم، ومجال العلم هذا هو العقل الفاعل ، انها دعوة لتفعيل العقل وفضاءاته الواسعة التي لا تحدها حدود.
انها دعوة للعقل وتفعيله لحصول المعرفة .
***
في مرحلة الدراسة المتوسطة – كما اذكر - ، وبعد درس القرآن الكريم – كان مدرس المادة مدرسا بصيرا – كنا نتفكه – دون علم – بما جاء في الاية : (( أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت))[الغاشية: 17 ]، ونتساءل : ايعجب الله لانه خلق (البعير)؟ – هكذا كنا نقول – والتقدم العلمي في العالم قد وصل الى ما وصل اليه من تقدم؟
وتحضرني – كذلك – اهزوجة شعبية رددها احد ابناء عشائر الجنوب عند دخول القوات الانكليزية العراق عام 1914 ومقاومة العشائر لهم ، قال صاحب الاهزوجة وهو يرى لاول مرة طائرة في الجو توزع الموت المجاني على البشر:
(متعجب خالقله ابعيره).
أي ان الله سبحانه كان معجبا بنفسه – حاشاه - لانه خلق (البعيرة = الناقة)، فيما الانكليز صنعوا هذه الكتلة الحديدية الطائرة في الجو لتوزع الموت على الناس مجانا.
ما هو السبب في هذا التفكير الساذج والباطل؟
انه فقدان العقل من رؤوس الصبية ، ومن رأس صاحب الاهزوجة والعامة من الناس ، بل وبعض المسلمين ، وكل ذلك بسبب رجال الدين الذين وضعوا انفسهم حماة للدين دون افهام صحيحه للعامة ، ان كان مشافهة او من خلال الكتب.
ان الجواب على تساؤل الصبية ، هو ان الله خاطب العرب البدو بما كانوا يرونه كل يوم، وهو الابل، ولو نزل القرآن في بيئة اخرى، كأن تكون بيئة الهند، لخاطبهم بأن ينظروا الى الفيل كيف خلق ، ولو كان المخاطبين هم من ابناء المسطحات المائية التي تعيش فيها التماسيح لقال لهم انظروا الى التمساح كيف خلق، وهكذا.
اما الجواب لصاحب الاهزوجة ، هو : ان العقل الذي خاطبه الله سبحانه عند البشر هو الذي اوصل الانكليز وغيرهم الى تطيير (حديدة) توزع الموت على البشر ، انهم فعـّلوا العقل ، فيما المسلمين لم يفعلوه ، بل فعلوا وفتحوا ابواب الخرافة والاساطير وكل ما لم ينزل به الله من سلطان.
***