(الوقفة الثالثة)
تناقضات الاحاديث- 2([1])
جاء في الكافي - ج 1 - ص 528 – 533:
(( عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن حنان بن السراج ، عن داود بن سليمان الكسائي ، عن أبي الطفيل قال : شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعلي عليه السلام جالس ناحية فأقبل غلام يهودي جميل [ الوجه ] بهئ ، عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتى قام على رأس عمر فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم ؟ قال : فطأطأ عمر رأسه ، فقال : إياك أعني وأعاد عليه القول ، فقال له عمر : لم ذاك ؟ قال إني جئتك مرتادا لنفسي ، شاكا في ديني ، فقال : دونك هذا الشاب ، قال : ومن هذا الشاب ؟ قال : هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا أبو الحسن والحسين ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل اليهودي على علي عليه السلام فقال : أكذاك أنت ؟ قال : نعم ، قال : إني أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة ، قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام من غير تبسم وقال : يا هاروني ما منعك أن تقول سبعا ؟ قال : أسألك عن ثلاث فإن أجبتني سألت عما بعدهن وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم عالم ، قال علي عليه السلام : فإني أسألك بالإله الذي تعبده لئن أنا أجبتك في كل ما تريد لتدعن دينك ولتدخلن في ديني ؟ قال : ما جئت إلا لذاك ، قال : فسل قال : أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي ؟ وأول عين فاضت على وجه الأرض ، أي عين هي ؟ وأول شئ اهتز على وجه الأرض أي شئ هو ؟ فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : أخبرني عن الثلاث الاخر ، أخبرني عن محمد كم له من إمام عدل ؟ وفي أي جنة يكون ؟ ومن ساكنه معه في جنته ؟ فقال : يا هاروني إن لمحمد اثني عشر إمام عدل ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض ، ومسكن محمد في جنته معه أولئك الاثني عشر الإمام العدل ، فقال : صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجدها في كتب أبي هارون ، كتبه بيده وإملاء موسى عمي عليهما السلام ، قال : فأخبرني عن الواحدة ، أخبرني عن وصي محمد كم يعيش من بعده ؟ وهل يموت أو يقتل ؟ قال : يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة ، لا يزيد يوما ولا ينقص يوما ، ثم يضرب ضربة ههنا - يعني على قرنه - فتخضب هذه من هذا قال : فصاح الهاروني وقطع كستيجه وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنك وصيه ، ينبغي أن تفوق ولا تفاق وأن تعظم ولا تستضعف ، قال : ثم مضى به علي عليه السلام إلى منزله فعلمه معالم الدين)) .
وجاء في الكافي، ص 531 - 532:
(( - محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن مسعدة بن زياد ، عن أبي عبد الله ومحمد بن الحسين ، عن إبراهيم ، عن أبي يحيى المدائني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنت حاضرا لما هلك أبو بكر واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب وتزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر فقال له : يا عمر إني جئتك أريد الاسلام فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه ، قال : فقال له عمر : إني لست هناك لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه وهو ذاك - فأومأ إلى علي عليه السلام - فقال له اليهودي : يا عمر إن كان هذا كما تقول فمالك ولبيعة الناس وإنما ذاك أعلمكم ! فزبره عمر ثم إن اليهودي قام إلى علي عليه السلام فقال له : أنت كما ذكر عمر ؟ فقال : وما قال عمر ؟ فأخبره ، قال : فإن كنت كما قال سألتك عن أشياء أريد أن أعلم هل يعلمه أحد منكم فأعلم أنكم في دعواكم خير الأمم وأعلمها صادقون ومع ذلك أدخل في دينكم الاسلام ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم أنا كما ذكر لك عمر ، سل عما بدا لك أخبرك به إن شاء الله . قال : أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة ، فقال له علي عليه السلام : يا يهودي ولم لم تقل : أخبرني عن سبع ، فقال له اليهودي : إنك إن أخبرتني بالثلاث ، سألتك عن البقية وإلا كففت ، فإن أنت أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض وأفضلهم وأولى الناس بالناس ، فقال له : سل عما بدالك يا يهودي قال : أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ؟ وأول شجرة غرست على وجه الأرض ؟ وأول عين نبعت على وجه الأرض ؟ فأخبره أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال له اليهودي : أخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى ؟ وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة ؟ وأخبرني من معه في الجنة ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني وأما منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن وأما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم وأم أمهم وذراريهم ، لا يشركهم فيها أحد)) .
***
تفكيك نص الحديثين:
1- وقت الحادثة: خلافة عمر بن الخطاب.
2 – السائل : غلام يهودي جميل الوجه، وفي الحديث الثاني : يهودي من عظماء يهود يثرب وتزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه.
3- سؤال الغلام لعمر : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم ؟ إني جئتك مرتابا لنفسي ، شاكا في ديني ، وفي الحديث الثاني : يا عمر إني جئتك أريد الاسلام.
- قول اليهودي لعمر في الحديث الثاني فقط : يا عمر إن كان هذا كما تقول فمالك ولبيعة الناس وإنما ذاك أعلمكم ! فزبره عمر.
4- اسئلة اليهودي : أسألك عن ثلاث فإن أجبتني سألت عما بعدهن وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم عالم ، وفي الحديث الثاني (إني أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة).
5- الاسئلة الثلاثة الاولى:
- قال : أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي ؟ وأول عين فاضت على وجه الأرض ، أي عين هي ؟ وأول شئ اهتز على وجه الأرض أي شئ هو ؟
- اما في الحديث الثاني فكانت الاسئلة: : أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ؟ وأول شجرة غرست على وجه الأرض ؟ وأول عين نبعت على وجه الأرض ؟
6 – الجواب: فأجابه. و في الحديث الثاني: فأخبره
7- الاسئلة الثلاثة الثانية:
- أخبرني عن محمد كم له من إمام عدل ؟ وفي أي جنة يكون ؟ ومن ساكنه معه في جنته ؟
- وفي الحديث الثاني: أخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى ؟ وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة ؟ وأخبرني من معه في الجنة ؟
8 – الجواب: يا هاروني إن لمحمد اثني عشر إمام عدل ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض ، ومسكن محمد في جنته معه أولئك الاثني عشر الإمام العدل.
- وفي الحديث الثاني كانت الاجابة: إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني وأما منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن وأما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم وأم أمهم وذراريهم ، لا يشركهم فيها أحد.
اقول : والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). [التوبة :72 ]
أي ان من يسكن جنة عدن ليس النبي والائمة فقط ، وانما المؤمنين و المؤمنات، وهذه شهادة الهية، اللهم الا اذا كان واضع هذا الحديث قد (ضيق واسعا ) كما قال النبي محمد(ص) ، واختصر المؤمنين والمؤمنات على الائمة فقط ، وهذا يناقض صريح القرآن الكريم ، وكل ما يناقض القرآن من حديث يضرب به عرض الحائط كما يقول الائمة.
وايضا ، ان الائمة في اجابة الامام علي هم ثلاثة عشر ،اثنا عشر امام من ذرية النبي و الامام علي هو الثالث عشر ، فكيف يستقيم ذلك؟
9 – السؤال السابع:
- أخبرني عن وصي محمد كم يعيش من بعده ؟ وهل يموت أو يقتل ؟
- اما في الحديث الثاني : لا يوجد سؤال سابع، مع العلم ان اليهودي قال : (أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة).
10 – الجواب: قال : يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة ، لا يزيد يوما ولا ينقص يوما ، ثم يضرب ضربة ههنا - يعني على قرنه - فتخضب هذه من هذا.
***
المناقشة:
صحيح ان رواية الحديث لا تتطلب الرواية باللفظ ، ولكن يجب ان تكون بعض المعلومات كما هي في نسخ الحديث الواحد .
- هل الخدري وابو طفيل كانا جالسين بالقرب من عمر بحيث يسمعان حواره مع اليهودي ؟ بالتأكيد الجواب هو : كذلك . الا انهما اختلفا في نقل ما كان ، فابو طفبل قال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم ؟، والخدري قال غير ذلك : يا عمر إني جئتك أريد الاسلام.
* ان من شاهد الحادثة و رواها هما : عن أبي الطفيل (الحديث الاول) ، و عن أبي سعيد الخدري (الحديث الثاني) الا انهما افترقا في صفات اليهودي، فبينما يقول عنه الاول بانه : (غلام يهودي جميل الوجه)، يقول عنه الثاني / الخدري : (أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب وتزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه)، فهناك فرق بين الغلام وبين شخص من عظماء اليهود وانه اعلم اهل زمانه ، وهذا يفيد المعرفة الواسعة المتحصلة بطول الوقت ، وايضا الخبرة المتحصلة بطول السنين.
* اختلاف بين الحديثين في عدد الاسئلة.
* اختلاف في الاسئلة الثلاثة الاولى :
س1 في الحديث الاول: أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي ؟
س1 في الحديث الثاني: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ؟
س2 في الحديث الاول:وأول عين فاضت على وجه الأرض ، أي عين هي ؟
س2 في الحديث الثاني : وأول شجرة غرست على وجه الأرض ؟
س3 في الحديث الاول:وأول شئ اهتز على وجه الأرض أي شئ هو ؟
س3 في الحديث الثاني: : وأول عين نبعت على وجه الأرض ؟
اقول : صحيح ان الراويين لم ينقلا اجابة امير المؤمنين عن هذه الاسئلة واكتفيا بقول: (فأجابه)، (فأخبره). وهذا يعني ان الحديث موضوع ، ووضع لايصال فكرة الاسئلة الثلاثة الثانية ، ولهذا نجد الخدري غير معني بالسؤال السابع. الا انني اقول لا انا ولا أي شخص آخر يعرف اجابة هذه الاسئلة الا الله تعالى .
ربما يجيب البعض ان اول قطرة دم هي من دم هابيل عندما قتله قابيل . اقول من عنده التقرير الطبي الذي يؤكد ان القتل نتج عنه خروج الدم؟
* لم يذكر الخدري السؤال السابع.
* عن سؤال وجواب كم من السنوات يعيش الوصي بعد وفاة النبي.
اختلفت الروايات في سنة ولادة الامام علي ، وسنذكر بعضها:
يذكر الكافي في - ج 1 - ص 452 في ( باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ): (( ولد أمير المؤمنين عليه السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة )). ويقول المعلق (الغفاري) في ‹ هامش ص 452 ›: هذا الحديث مجهول وكأن في السند سقطا أو ارسالا فان جعفر بن المثنى من أصحاب الرضا عليه السلام ولم يدرك زمان الصادق عليه السلام)) .
فيما يقول محمد الريشهري في ( موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ- ج 1 - ص 71 – 72) :
(( ولد الإمام علي ( عليه السلام ) في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد ثلاثين سنة من عام الفيل في الكعبة المكرمة ) ) .
ويقول في الهوامش حسب مصادره : (( وفي يوم ولادته أقوال أخر ، منها : السابع من شعبان، ومنها : النصف من شهر رمضان، 12 سنة قبل البعثة ( يعني 28 سنة بعد عام الفيل )، و بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ابن سبع سنين ، و ابن ثمان سنين ، و29 سنة بعد عام الفيل )).
ويقول في ص73 :
(( ولد بمكة في البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل . )).
اذن اتفق الريشهري مع الكليني على سنة 30من عام الفيل (على الرغم من مجهولية الحديث عند الكافي) ، واكد الريشهري على ان يوم الولادة كان : الجمعة الثالث عشر من رجب.
اما وفاته فكانت كما يقول الكليني : شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة.
وهناك فرق في الشهور لا يستقيم وجزم الراوي بعدم الزيادة او النقصان.
ولما كان عمره عند الوفاة كما يقول الكليني 63 عاما ، هذا يعني ان ولادته تمت قبل المبعث بعشر سنوات ، الا ان المصادر لم تذكر العام الذي ولد فيه بصورة دقيقة ، فمرة تذكر انه ولد قبل البعثة بـ 12 سنة ، ومرة بـسبع سنوات ، واخرى بـثمان سنين ، وربما هناك سنوات اخرى لم اطلع عليها ، هذا يعني ان أي مؤرخ لم يستطع ان يأتي بالتاريخ الدقيق للولادة ، ولهذا لا يمكن الجزم مع راوي الحديث الاول (ابن الطفيل) بأن الامام علي (الوصي ) سيعيش بعد النبي ثلاثين سنة ، لا يزيد يوما ولا ينقص يوما، خاصة اذا علمنا ان يوم ولادته غير متفق عليه ، فهو اما : السابع من شعبان، او : النصف من شهر رمضان، او الثالث عشر من رجب، ولو كان ابن الطفيل لم يجزم بعدم الزيادة او النقصان في العمرلامكن القول ان الاجابة كانت صحيحة .
***
الخلاصة:
يتضح من اعلاه ان الحديثين موضوعان ، من ناحية المتن خاصة ، وتناقضهما مع القرآن الكريم .
----------------------------