نقصد بمقالتنا لهذا اليوم الحلبة العراقية السياسية، كي لا يؤول كلامنا أكثر من معناه، لأن الشعب العراقي هويتنا وامتدادنا منذ فجر الخليقة حتى قيام الساعة، أما العراق فهو الأب والأم والمكان الذي مثلما ترعرعنا فيه، فسوف يحتضننا ترابه، وننام في باطن أرضه النومة الأبدية، وهي أمنيّة نسأل الله أن يحققها لنا ،ولجميع شرفاء العراق.
فالعراق صامد وإن تكالبت عليه جميع الأمم، وليست أميركا وبريطانيا ومن معهما ، وأن بغداد لم تسقط بل الذي سقط هو النظام، وأن بغداد خسرت معركة ولكنها لن تموت ولن تٌلغى، ولمن يكابر من الأعداء والعملاء عليه بقراءة التاريخ ليرى صدق كلامنا، فطوبى لمن ألهمه الله الصبر والجلد، والعار لمن إنطبح حال التلويح بالدولار ، والعار لمن باع وطنه وأهله وتاريخه وحضارته بأبخس الاثمان، وسجّل في تاريخه الشخصي والعائلي والقبلي والمناطقي عارا لن يزول.
فلقد قرأنا وسمعنا في مجالس الأهل، ومضارب الأحرار بأن الشدة لها رجالها، هؤلاء الرجال الذين يعضّون شفاههم بأنيابهم، ويقولوا مثلما قال الأمام الحسين بن علي عليهما السلام ( هيهات منّا الذلة)، هؤلاء الذين عودّوا تراب العراق والأوطان العربية وعبر التاريخ بأن دمائهم تروي التراب الطاهر، فأن تناخوا زلزلت الأرض، وعلى من يحاول النسيان من العراقيين، وعلى من جاء من وراء الحدود ولا يعرف تاريخ الإنسان العراقي، فعليه أن يسأل عن العراقيين عندما يقرّرون الثورة، وعندما تتناخى القبائل والمناطق وكل بنخوته مثل ( أخو فاطمة، وأخو باشا، وأخو عليه، وأخو هدلة..... الخ) فهي شفرات لا يفهمها هؤلاء الذين جاءوا من خارج الحدود ، ومعهم الذين إستطونوا في العراق بحجة الدرس والعلم والملاذ والعمل وطلب الرزق، هؤلاء الذين أصبحوا أدلاء وأذلاء إلى المحتل والذي كانوا يطلقون عليه لقب ( الشيطان الأكبر) ولقب ( العدو الكافر) ولقب ( الصليبي المارق) ولكنه الآن وبنظر هؤلاء ( المُحرر، والمُمقرط ، والصديق، والحليف، وولي النعمة، والأمام الثالث عشر)...الخ!
وبذلك تغير المنطق، وتغيّرت الموازين الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والدينية، فالذي كان يُنظّر على الناس و على المجتمع وطيلة عشرات السنين بأن الوطن والعِرض والأرض من المقدسات، ولا يجوز التفريط بها ومن مات من أجل أو دون وطنه وعِرضه وأرضه فهو شهيد وفي جنات النعيم أصبح الآن يقول العكس، فمن يموت من أجل الوطن والأرض والعِرض فهو إرهابي وتكفيري وفاسق وخارج عن الإسلام والملّة والمجتمع ،ويجب مطاردته وتهجيره وإجتثاثة وحتى قتله.
ولكن هناك استثناء ولكنه نادر أي أن هناك قسما من رجال الدين والمعممين والفقهاء لا زالوا على رأيهم الذي تثقفت عليه الأجيال العراقية والإسلامية كلها، وهو ( أن الموت من أجل الدفاع عن الوطن والدار والأرض والعِرض هو شهادة عالية الدرجة عند الله تعالى) ونتيجة هذا الموقف، والذي يساندهم به الأحرار والوطنيين والشرفاء والمؤمنين والإسلاميين الحقيقيين حوصروا وقطعت عنهم الأرزاق، وطوردوا وهجّروا واجتثوا من أوطانهم وأعمالهم ومناطقهم، ومعهم الأحرار والشرفاء، ولأنهم مع الدين الحقيقي، ومع الحق والمنطق والأخلاق.
ونتيجة هذا الخرق الفاضح في الأخلاق والأديان والمبادئ، والذي دعمهُ و يدعمهُ المحتل بكل شيء، أي دعما سياسيا وماليا و لوجستيا وإعلاميا تولدت في العراق طبقات سياسية واجتماعية لا تؤمن إلا بمصالحها ونزواتها الجنسية والمرضية والسادية والغرائبية، فنتج عن تزاوجها وائتلافاتها مجموعات غريبة وعجيبة من السياسيين ورجال الدولة والأعمال ورؤساء الأجهزة الأمنية، والذين يؤمنون بنظرية الاجتثاث البشري والفكري والمذهبي والمناطقي والإثني، وضمن شعارات نازية وشوفينية عنصرية ،ومنها ( إكذب إكذب حتى يصدقك الناس) و ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ويجب أن لا تبقى فأما السجن المؤبد أو الهجرة أو القتل).
وبالتالي خلت الحلبة المرئية من الشرفاء، وبقيت إلى الشياطين لأن الشرفاء لا مكان لهم في حلبة جمهورها من الوصوليين والانتهازيين والمكفوفين، أما حكم الحلبة فهو الشيطان، أما الخصوم ( المتصارعين) فيها فلقد جاءوا من عالم آخر، وهو عالم لا يعرف قيمة الأوطان والشعوب والأجيال والتراث والحضارة والهيبة والكرامة، من عالم يتاجر بحقوق الإنسان وبالأديان وبالحريات والأخلاق ، عالم يُحلل المحرّم ويحرّم المُحَلّل.
لذا فلو نظرتم إلى هؤلاء المتصارعين فتجدون أن النسبة الكبرى منهم كانوا في عالم التسول أمام أبواب السفارات المختلفة، وأمام مكاتب ومقرات المخابرات المختلفة ، عندما كانوا خارج الوطن، ومنهم من كان مزورا ومهربا وإرهابيا محترفا.... فسبحان مُغيّر الأحوال عندما يكون المزور وزيرا، والإرهابي السابق عضوا في البرلمان، والرداّحة تتحوّل إلى لطّامة و والذي أنهى حياته في شوارع ودرابين المدن العراقية وهو ينادي ( عتيق.... عتيق... عتق للبيع!!) قائدا أمنيا ومحافظا ومديرا للبلدية ....الخ.
فمن فضلكم تخيّلوا المشهد، وتخيّلوا الحلبة وبكافة أركانها السياسية والاجتماعية والدينية، فلن تجدوا إلا شعار ( حكم الصبيّان) وشعار ( الصمت حصة الشرفاء والحكماء.. وبعكسه ستقطف رؤوسهم) ولهذا أنسحب الشرفاء والحكماء والعظماء والمفكرين والمثقفين من الحلبة لأنها لم تعد للبشر بل أصبحت للشياطين، وما يدور في حلبة العراق الآن ونقصد الحلبة السياسية والدينية والوطنية ما هو إلا صراعا بين الشياطين وسط التصفيق والردح من الوصوليين والانتهازيين، وهم الذين امتهنوا مهنة الرقص والردح لمن يجلس في الكرسي ويصعد إلى الحلبة ،وهؤلاء لا يعّول عليهم، وقطعا لا يمثلوا الشعب العراقي مثلما شيعة السلطة والتي لا تمثل شيعة العراق إطلاقاـ ومثلما سنة السلطة والتي لا تمثل سنة العراق، وهكذا فأكراد وتركمان ومسيحيو السلطة لا يمثلون الشعب الكردي ولا التركماني ولا المسيحيين وغيرهم في العراق.
فالشرفاء والحكماء والعقلاء والذين يحبون وطنهم وشعبهم وأمتهم وتاريخهم وأديانهم السماوية الرحبة هم في الثغور، وفي صفوف المقاومة المسلحة ، وفي فروعها الأخرى وهي المقاومة الإعلامية والصحفية والفكرية والسياسية والثقافية.... فنعم أن المعركة غير متكافئة ،ولكنها مستمرة من أجل العراق، ومن أجل حرية وكرامة الأجيال العراقية، ولا خير بمن لا يفكر ولا يعمل لمستقبل العراق والأجيال العراقية، ولا خير بمن لا يعمل لأبنه وحفيده....
فأن عدم التكافؤ هو وجود المحتل والقوى الإقليمية وبعض القوى العربية التي لا تحب العراق والعراقيين والتي تدعم الشياطين والمطبلين والانتهازيين بكل شيء، بالسلاح والأموال والإعلام واللوجست والاتصال، ولكن الأمور سوف تؤخذ بخواتيمها، وهكذا هو منطلق العقلاء، وسنرى خاتمة المعركة بين جمع الشيطان وجمع الإيمان.
والسؤال :
ــ ماذا كسب الشمّر بن ذي الجوشن ، وسيده عمر بن سعد عندما تحالفا على قتل الأمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف في كربلاء عام 61 هجرية... فهل حصلا على ملك الري ( إيران) والذي وعدهما به يزيد بن معاوية؟
الجواب: لا.. لم يحصلا ، ولم يعيشا طويلا، بل جاءت ثورة المختار لتقتص منهما ومن جميع القتلة والمارقين والمتاجرين بالدين.
فنقول لهؤلاء الذين يحكمون الآن في بغداد بحراب ودعم المحتل ... لن يفيدكم الإستقواء بالمحتل وقواته، فالتمترس وراء المحتل والأعداء ليس كالتمترس وراء الشعب، فالتمترس وراء المحتل والأعداء مرحلي وتحكمه المصالح وسيزول حتما، أما التمترس وراء الشعب فهو التمترس الذي يخلو من المصالح الأنانية والشخصية ،وهو الخالد إن شاء الله....
فهناك ثورات مختارية في الطريق لأن الرجال الشرفاء والأحرار قد مهدّوا ويمهدون لها ومنذ سنوات، وسوف تنفجر بأية لحظة، وسوف لن يُفيد هؤلاء المحتل والمستعمر والحضن الأجنبي والإقليمي لأنها ستكون كيوم القيامة، وحينها ستُنصب القدور والماء فيها يغلي، مثلما نُصبت قدور المختار بن يوسف الثقفي عندما أعلن ثورة
المختار للاقتصاص من قتلة الأمام الحسين وعياله وأنصاره عليهم السلام جميعا ( فالرواية تقول بأن المختار بن يوسف الثقفي (رض) قرر محاكمة قادة وأمراء جيش يزيد بن معاوية، والذين اشتركوا بمقتل الأمام الحسين وإخوانه وأنصاره، أي من خلال الاستماع لهم فردا فردا وما هي الأفعال الشنيعة التي قاموا بها ثم يقرر إعدامه بالطريقة التي مارسها في معركة الطف وضد معسكر الأمام الحسين عليه السلام .. فمنهم من تم تقطيع أوصاله، ومنهم من فقأت عينه ، ومنهم من ركض في الصحراء عطشانا وهو يبحث عن الماء، وكان يظن السراب ماءا فمات وتيبست جثته وبقيت في العراء تنهشهاالوحوش ، ومنهم من رُمي من علو شاهق مثلما رمي الأمام مسلم بن عقيل عليه السلام وكان سفيرا للحسين في الكوفة ، ومنهم من وضع في القدور التي تغلي....الخ)...
لهذا... فالقدور العراقية في طرقها كي تُنصّب ، والمختار الثقفي ومن يحملون عيّنات وشرف وغيرة المختار بن يوسف الثقفي قد هيأوا أنفسهم و بعد التمهيد ومنذ سنوات، ولم يبق إلا شرارة الثورة العارمة، والتي سوف تزلزل الأرض وحينها ستنصب القدور التي تحتوي على الماء الساخن جدا من أجل القصاص من الذين تآمروا وخانوا ونحروا الأمام الحسين المعاصر المتمثل بـ ( العراق) وشردوا وهجّروا وسبّوا أهله وعياله ويمثلهم بالوقت المعاصر هو ( الشعب العراقي)...
فسوف ترون عمائم الشياطين ،وسراويل المتاجرين، والكفوف ( القفازات) السوداء التي ترتديها المُبشّرات بالمتعة والاستئناس الشرعي، وسترون عباءات الرداّحات والرداّحين الجُدد طافية في قدور محكمة الحق، وهي محكمة الشعب العراقي التي لن تقبل الاستئناف!!!... ( مع الاحترام لجميع المُحجبات ولجميع رجال الدين الذين تمسكوا بدينهم وبوطنهم وشعبهم)
فالفرح قادم للمسلمين جميعا ،و لشيعة الحسين الحقيقيين بشكل خاص، والذين لا يؤمنوا بتصدير القتل والموت ، والفرح قادم وللعراقيين بشكل خاص ولمحبي العراق من العرب وشرفاء العالم..... فصبرا!!!
سمير عبيد