لغرض إعطاء صورة أوضح لمعنى ومفهوم إجهاض المرأة المغتصبة ، نميزه عن بعض الجرائم الأخرى التي قد تقترب منها او وجود قواسم مشتركة فيما بينها.
1- الفرق بين إجهاض المرأة المغتصبة وقتل الأم لطفلها حديث العهد بالولادة.
قد يتفق إجهاض المرأة المغتصبة مع قتل الأم لطفلها حديث العهد بالولادة من حيث الباعث عليهما هو اتقاء العار وان مصدر هذا الجنين وذاك الوليد كونهما نتاج حمل السفاح كالاغتصاب او الزنا وما سواهما ، وكلاهما تعدان من الجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه ، ومع ذلك فثمة فوارق جوهرية بينهما وكما يلي:
أ. ان محل الحماية القانونية الجنائية في جريمة الإجهاض هو الجنين بينما يعد الإنسان الوليد (الطفل) هو محل الحماية القانونية الجنائية في جريمة قتل الأم لطفلها حديث العهد بالولادة.
ب. قد يعد إجهاض المرأة المغتصبة عملاً مباحاً وفق بعض التشريعات الجنائية الوضعية أو عذراً قانونياً مخففاً لدى البعض الآخر من التشريعات إلا ان قتل الأم لطفلها حديث العهد بالولادة يعد جريمة وفق كافة التشريعات الجنائية الوضعية.
2- الفرق بين إجهاض المرأة المغتصبة عن إجهاض المرأة الزانية
كلاهما يعد إجهاضاً واقعاً على جنين مصدره حمل سفاح وسبب الإجهاض هو المحافظة على الشرف واتقاء العار ، ولهذا نجد ان بعض التشريعات الجنائية الوضعية لم تفرق بينهما فاعتبرتهما عذراً قانونياً مخففاً كما في القانون الأردني والسوري والليبي واللبناني أو ظرفاً قضائياً مخففاً كما في القانون العراقي ، بينما أباح القانون السوداني إجهاض المرأة المغتصبة بعد تحقق شروط معينة وجعل من إجهاض المرأة الزانية جريمة عادية ولم يبحها.
3- الفرق بين إجهاض المرأة المغتصبة عن الإجهاض البسيط
كثير من التشريعات الجنائية العربية لا تفرق بين حكم إجهاض المرأة المغتصبة عن حكم الإجهاض البسيط كقوانين دول الخليج العربي والقانون المصري وقوانين بلاد المغرب العربي فسواء أكانت المرأة مرتكبة جريمة الإجهاض مغتصبة أو غير ذلك ، فالأمر سيان في حين أن بعض التشريعات الجنائية كالقانون الأردني والعراقي والسوري والليبي واللبناني أعتبرت إجهاض المرأة المغتصبة إجهاضاً موصوفاً عبارة عن عذر قانوني مخفف وأباح القانون السوداني إجهاض المرأة المغتصبة بشروط معينة ، ومن ثم فإن هذه التشريعات الجنائية الوضعية قد فرقت بينهما.
التكييف القانوني لإجهاض المرأة المغتصبة
التكييف القانوني هو إعطاء وصف قانوني للواقعة المطروحة أمام القضاء الجنائي ، الغاية منه تفهم الواقعة وتحديد عناصرهما للوصول الى تطبيق القانون تطبيقاً سليماً يتماشى مع روح ونية واضع القانون الجنائي([17]).
وقد اختلفت القوانين الجنائية الوضعية في تحديد الطبيعة القانونية لإجهاض المرأة المغتصبة وكما يلي :
الاتجاه الأول : جعلت من إجهاض المرأة المغتصبة عذراً قانونياً مخففاً خاصاً لأنه ورد في القسم الخاص من القانون الجنائي الوضعي ، وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون الأردني واللبناني والسوري والليبي .
ان اعتبار إجهاض المرأة المغتصبة عذراً قانونياً مخففاً هو تطبيق لمبدأ التفريد التشريعي للعقاب الذي أصبح معلماً بارزاً في السياسة العقابية الحديثة يقضي بجعل العقوبة ملائمة للحالة الشخصية للمرأة المغتصبة والباعث الذي دفعها الى إسقاط جنينها مع مراعاة الأضرار الناشئة عنه بحق المجتمع .ويستتبع ذلك أن تخفيف العقوبة هو وجوبي على المحكمة ضمن الحدود التي يوضحها النص القانوني. والقاضي ليست لديه أية سلطة تقديرية بشأنها ، كما ان اعتبار إجهاض المرأة المغتصبة عذراً قانونياً مخففاً قد يحول ضجة الإجهاض الى مخالفة.
ان ما قرره هذا الاتجاه ببيان إجهاض المرأة المغتصبة على أنه عذر قانوني مخفف خاص ما هو إلا تأكيد للعذر القانوني المخفف العام وهو الباعث(الدافع) الشريف ، على أساس ان إقدام المرأة المغتصبة على إجهاض نفسها قد تم بدافع المحافظة على الشرف واتقاء العار.
الاتجاه الثاني : اعتبر إجهاض المرأة المغتصبة ظرفاً قضائياً مخففاً خاصاً ، وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون العراقي([20]). ان ما قرره هذا الاتجاه بجعل هذا النوع من الإجهاض ظرفاً قضائياً مخففاً ، قد أكد بذلك على مبدأ التفريد القضائي للعقاب ، فالمحكمة لها كامل السلطة التقديرية عند توقيعها للعقوبة بحق المرأة المغتصبة تبعاً لحالتها الشخصية وظروف الجريمة المادية ضمن الحدود والمقاييس المقررة في القانون. وعليه فان المحكمة غير ملزمة بتحقيق العقوبة ، لأن التخفيف أمر جوازي له في مثل هذه الحالة وهو ما يميز الظرف القضائي المخفف عن العذر القانوني المخفف ، كما ان تطبيق مثل هذا الظرف القضائي المخفف لا يترتب عليه تغيير في وصف الجريمة بل تبقى كما هي.
ان القول بتوافر هذا الظرف القضائي المخفف الخاص هو ليس من شأن قاضي الموضوع ، لأن القانون قد حدده سلفاً ومن ثم فان تطبيقه يكون خاضعاً لرقابة محكمة التمييز، فيجب على القاضي أن يبين في أسباب حكمه الظرف الذي استلزم التخفيف ، بحيث يعد نقصاً في قرار فرض العقوبة تخفيفها دون بيان الظرف القضائي المخفف وهذا ما قرره القانون العراقي.
الاتجاه الثالث : وضح هذه الاتجاه ان إجهاض المرأة المغتصبة هو جريمة عادية شأنها شأن بقية جرائم الإجهاض وأخضعها لذات أحكام جريمة الإجهاض فسواء أكانت المرأة التي أجهضت نفسها قد حملت سفاحاً لزنا أو اغتصاب أو كان الحمل ثمرة اتصال جنسي شرعي ، وسواء أكان الباعث على الإجهاض قد تم بدافع المحافظة على الشرف واتقاء العار او كان بدافع الانتقام أو أي سبب آخر. فالإجهاض ينظر هذا الاتجاه واحد ، وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون المصري والقطري والبحريني والإماراتي والعماني والكويتي واليمني والتونسي والجزائري والمغربي والقانون الجزائي الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والقانون الجزائي العربي الموحد.الاتجاه الرابع : هذا الاتجاه أباح الإجهاض لكن بشروط معينة استرشاداً بتوصية المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات المنعقد في هولنده / لاهاي عام 1964 حيث جاء فيها (يجب الإكثار من عدد الحالات التي يباح فيها الإسقاط في الدول التي تعاقب عليه).
عليه فإجهاض المرأة المغتصبة يعد عذراً قانونياً معفياً من العقوبة إذا تحققت شروط معينة كأن يكون بمعرفة طبيب او داخل مستشفى حكومي والى غير ذلك من الشروط ، وقد أخذ بهذا الاتجاه معظم القوانين الجنائية الغربية كالفرنسي والأمريكي والإنكليزي ، مع الإشارة الى ان القانون السوداني ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني هما القانونان العربيان الوحيدان الذين أعطيا الحق للمرأة المغتصبة بأن تسقط جنينها.