لم تتفق التشريعات الجنائية الوضعية على حكم واحد بحق إجهاض المرأة المغتصبة ، فقد اختلفت تبعاً لاختلاف توجهاتها التشريعية والفكرية وكما يلي :
الاتجاه الأول : يرى بأنه لا فرق بين الحمل الناتج عن عقد زواج شرعي والحمل الناتج عن علاقة غير شرعية فلا فرق بين الأجنة مهما كانت أسباب وجودها مشروعة أو غير مشروعة، فالحكم لديهم واحد ومن ثم فلا يحق لهذه المرأة المغتصبة أن تجهض نفسها ستراً للفضيحة ، فالباعث مهما كان شريفاً أو مقبولاً فلا تأثير له على تحقق المسؤولية الجنائية وحجتهم في ذلك ان المجني عليها في جريمة الاغتصاب وهي المرأة الحامل لها حق الدفاع الشرعي ضد من اغتصبها إلا أنها قد تقاعست عن استعماله ، وفوق ذلك لها الحق في تعاطي الأدوية واستخدام كافة الوسائل الأخرى المؤدية الى منع حدوث الحمل إلا أنها لم تلجأ إليها ، كما ان الاعتراف بحق المرأة المغتصبة في الإجهاض أو مسامحتها قانونياً قد يؤدي في التطبيق العملي الى استغلاله من قبل النساء اللائي لا يرغبن بالحمل.وقد أخذ بهذا الاتجاه معظم قوانين البلاد العربية كل من قطر والبحرين والكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة ومصر واليمن وتونس والجزائر والمغرب والقانون الجزائي الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والقانون الجزائي العربي الموحد.
الاتجاه الثاني : وهو على نقيض الاتجاه الأول ، حيث يجيز وينظم إجهاض المرأة المغتصبة ، لأن الباعث على الإجهاض هو باعث شريف أو مقبول ومن ثم فهناك حقان متنازعان ، حق المرأة الحامل وحق الجنين ، غالباً ما تنتهي هكذا نوع من المقارنات بتغليب حق المرأة المغتصبة الحامل باعتباره الأهم اجتماعيا، كما ان الرابطة الجسدية والعضوية بين المرأة وجنينها الذي في بطنها تجعل من فعل الإجهاض متعدياً بالضرورة الى جسد المرأة الحامل مما يتطلب ذلك ان يكون هناك دوراً مهماً لإرادتها واحتراماً لرغبتها في تقييم هذا السلوك. ومن ثم يعد إجهاض المرأة المغتصبة لجنينها عذراً قانونياً معفياً من العقوبة ، وقد أخذ بهذا الحكم قوانين كل من إيطاليا وبولنده والبرازيل وآيسلنده والنرويج وألمانيا وبعض الولايات الأمريكية
ويعتبر القانون السوداني ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني القانونين العربيين الوحيدين اللذين جعلا من إجهاض المرأة المغتصبة عذراً قانونياً معفياً من العقوبة.
فقد ظهر هذا الاتجاه على صعيد التشريع الجنائي بعد انعقاد المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات في مدينة لاهاي الهولندية سنة 1964 حيث تمخض المؤتمر عن إصدار التوصية التالية : "يجب الإكثار من عدد الحالات التي يباح فيها الإجهاض في الدول التي تعاقب عليه" .
الاتجاه الثالث : وهو الرأي الوسط ، حيث أعتبر إجهاض المرأة المغتصبة لجنينها عذراً قانونياً مخففاً أو ظرف قضائياً مخففاً ، حيث أخذت بنظر الاعتبار الباعث على الإجهاض كالقانون اللبناني والسوري والأردني والليبي والعراقي والاسباني والكولومبي، فهذه القوانين وضعت في حساباتها سلفاً الحالة النفسية التي قد تعانيها المرأة الحامل بجنين مجهول هوية والده ، ومن ثم قدرت هذه التشريعات وضعية هذه المرأة هي وأسرتها وما قد ينتابها من مشاعر وأحاسيس معينة فكأنما قدمت لها طريقة ما للتخلص من ثمرة هذا الحمل غير الشرعي ، إلا أن ما يؤخذ على هذه القوانين أنها سادت في الحكم بين المرأة الزانية و المرأة المغتصبة ومن ثم فقد سامحت المرأة الزانية مرتين ، مرة على ارتكابها جريمة الزنا ومرة على إجهاضها لجنينها في حين أن المرأة المغتصبة لا حول لها ولا قوة عندما ارتكبت جريمة الاغتصاب ضدها ، ولذلك كان تقديراً تشريعياً لمسامحتها عند إجهاضها لجنينها الذي هو ثمرة جريمة الاغتصاب.