بفقد الراحل الكبيرورجل ورمزالإعتدال، سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله يرحمه الله، فقدت الأمة الإسلامية شيعة وسنة، رمزا من رموزها المخلصة الصادقة، فقد كان رحيلة خسارة لاتعوض للأمة الإسلامية جميعها، ففقدت برحيله رجلا مصلحا ومجددا وفيلسوفا وفقيها ومرجعا دينيا حضاريا وعصريا مخلصا وصادقا، ومعتدلا ومتوازنا فى خطابه ونهجه وسلوكه، فعرف عنه وسطيته وتوجهاته المعتدلة والمنصفة، التى إستقطبت حب الجميع له، لصدقه وإخلاصه وورعه وتقواه، وبما تميزبه من خطاب جامع وشامل، فى بث حراك التجديد والوعي العربي بمحتواه الشامل والمنفتح على الجميع وعلى قضايا الأمة، فقد كان خطيبا بارعا ومتحدثا لبقا، وأديبا مفوها، كما كان كاتبا وشاعرا وناقذا، وسياسيا محنكا، كما كان رحمه الله، محط أنظار الجميع، ورافد جذب لمعظم وسائل الإعلام، المقروءة والمرإية والمسموعة، فكانت شخصيتة الكارزمية العلمية الشاملة، لها قوتها وجاذبيتها وتأثيرها النفسي والإعلامي، ليس على أبناء طائفته وأتباعه من المسلمين الشيعة فحسب، وإنما على غيرهم من المسلمين، وأيضا من المسحيين، وكذلك غيرهم ممن تأثروا بشخصيته وعلمه وفكره وحنكته وبصيرته النافذة، ولا أدل على ذلك من تلك الحشود والجموع المليونية، التى هبت للمشاركة فى يوم وداعه وتشييعه، من مختلف وشتى البقاع والبلدان، ومن مختلف الطوائف والأعراق، إضافة إلى إحتفالات التأبين التى أقيمت لسماحته، فى العديد من بلدان العالم الإسلامي، وما شهدته من كلمات أفاض فيها المحتفلون بمناقب وخصال وصفات وملامح وتوجهات وشخصية سماحته.
ولعل مايجمع سماحة العلامة فضل الله، فى شمولية شخصيته الكريمة، هوماتفرد به من صفات ومزايا وخصال كريمة، كعالم دين موسوعي معتبر، له مكانته القيادية والفكرية التى يتفرد بها فى العالم الإسلامي، كما برزت شخصيته كقيادي سياسي بارع، وكمرجع ديني ومصلح إجتماعي بارز، كما برز سماحته كذلك كشخصية إعلامية هامة من الطرازالأول، ملك ناصية الحديث، وفى كل الإهتمامات والإتجاهات المتعلقة بقضايا الأمة، وبما كان يتمتع به من وعي واطلاع وسعة أفق، ومتابعة دقيقة لأحداث الساعة، إضافة إلى ما تفرد به من خصال حميدة وأخلاق فاضلة، استحوذ ونال من خلالها إحترام وحب الجميع لنهجه وشخصيته.
وأعتقد أن توجهاته واهتماماته السديدة، بالحرص على الشأن العام الإسلامي والسياسي والثقافي والإعلامي والإجتماعي والتربوي، مما كان يجسد دون شك ماتنطوي عليه مجهوداته وطروحاته الدعوية، وخاصة فى مضامين خطابه المنصف والمعتدل والمتوازن والحكيم، بالإضافة إلى الجوانب الأخرى، مماكان يهتم به فى مجال أعماله الفكرية والثقافية والإجتماعية، وسواء عبر ميدان أعماله الفكرية والإسلامية الخاصة، والمتمثلة فى إصداراته وأبحاثه الإسلامية، أوفيما يتعلق بتلك الصروح والمنجزات العلمية والخيرية، لمؤسساته ومنشئآته ومبراته التعليمية والتربوية والصحية والرسالية، والتى أسهمت جميعها فى ترسيخ قيم التسامح والمحبة والتآخي بين كافة أقطاب مجتمعه الكريم.
وأما المحطات والمواقف والإنعطافات، التاريخية والمفصلية فى حياة العلامة فضل الله يرحمه الله، فهناك لاشك محطات ومواقف كثيرة ومتنوعة وثرية، بعطائها وبتراثها، وبعضها مما مررنا به، والبعض الآخرمما يعد من أبرزالقضايا التى نافع وكافح وجاهد من أجل تحقيقها والدفاع عنها، ومن ثم إبلاغها، والتى رسمت من خلال شخصيته الفذة كل هذه الملامح والعطاءات الخيرة التى تحققت فى حياته، ومنذ أن خرج من موطنه ومرتع صباه جبل عامل، تلك البلدة التى دفعت بأقرانه من العلماء الأفذاذ، إلى عالم العبقرية والنبوغ، وبماحققته وأنجزته لمجتمعها وأمتها من أعمال وإنجازات وعطاءات، فى ميادين العلم والفكر، والجهاد المتواصل فى ميادين الإسلام الرسالي وبمضامينه القيمة.
فكانت شخصية العالم الجليل فضل الله، من بين تلك الشخصيات الفريدة من نوعها، فى الوعي والتجدبد العربي، والتى حققت لأمتها المجد والرفعة، وأثرت وأثرت بعطائها ومآثرها العلمية والفكرية والخيرية حتى يوم رحيله، بمعين ذلك العطاء السخي الذي لاينضب، والذي سوف يبقى ويتذكره أتباعه ومريدوه، وكل المنصفين من مختلف الأطياف كثيرا.
فإذن نحن أمام شخصية فكرية مجددة وناذرة وعظيمة، تناغمت مع قضايا عصرها، برغم كل المعوقات، فكان بحق من المجددين فى النهوض بفكرالأمة وتراثها وثقافتها وتاريخها المجيد، وفى عهدها الحديث.
فحينما نقول بأنه يمثل شخصية العالم والباحث والشاعروالكاتب والإعلامي، المطلع والملم بالأحداث العالمية، السياسية منها والإقتصادية والإجتماعية، والخبيربمختلف قضايا وتطورات الأحداث، والمتابع لمجمل الثقافات والعلوم الكونية والإنسانية، فإننا بذلك لانتجنى على الواقع، فما يبينه سجله التوثيقي الحافل، بكل تلك الأعمال والإنجازات، وماتشتمله شخصيته العبقرية الناذرة من سمات وصفات، هي أوضح تعبير، وأصدق دليل على هذا الواقع الملموس، لكل من يعرف شخصيته الجليلة يرحمه الله.
فلا أحد بإمكانه إنكاردوره، كداعية إسلامي معتدل ومتزن، فى نهجه وخطابه الجامع والشامل، لمجمل المشتركات ونقاط الإلتقاء، التى تلتقي عليها الامة, وتهدف لوحدة المسلمين ولم شملهم من الفرقة والتمزق.
ولا أحد ينكر مكانته الفكرية والإسلامية والقيادية، فى توحيد الكلمة ولم شمل الأمة، كما ليس بوسع أحد، من أن ينكرمجهوداته فى تأسيس المبرات والمؤسسات والمكتبات ودورالعبادة والمدارس والمعاهد وتربية وتعليم الأيتام، وبما ينهض ويسهم فى رفع شأن مجتمعه، ثقافيا واجتماعيا وحضاريا.
وهكذا حضي السيد بهذه المكانة اللائقة، التى نالت حب ورضى وقبول الجميع لشخصية سماحته، المعتدلة والمنفتحة على الجميع.
رحم الله العلامة الشيخ الجليل محمد حسين فضل الله، فقيد الأمة ورمزها المناضل، فى التجديد وبث حراك الوعي العربي، رحمة واسعة وأسكنه مع الصالحين والصديقين فسيح جنانه، وألهم أهله وذويه ومحبيه وأتباعه الصبروالسلوان، وأنا لله وأنا إليه راجعون.
أحمد علي الشمر