(الوقفة السابعة)
غلو([15])
(( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا))
( النساء: 171 )
1 - جاء في الكافي - ج 1 - ص 496:
(( 7 - علي بن إبراهيم ، عن أبيه قال : أستأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة ، فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين)) .
***
قال المعلق ( الغفاري) في الهامش: كأنه محمول على المبالغة في كثرة الأسؤلة(كذا) والأجوبة وقيل : يمكن أن يكون في خواطر القوم أسؤلة (كذا)كثيرة متفقة فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع ، وقيل : إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الأحكام الكثيرة .
***
مناقشة الحديث وهامشه:
بداية نقول ، ان الراوي علي بن ابراهيم ( الثقة الجليل أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي كما جاء في مقدمة تفسيره ج1 – ص
هو صاحب التفسير المعروف بتفسير القمي المليء بروايات الغلو والخرافات والاساطير والاسرائيليات، مثل قصة بخت نصر ، وتيه بني اسرائيل ،و رد شباب زليخا ، وعلة كسوف الشمس ، وقيام الارض على الحوت ، وغير ذلك ، فلا غرو ان نجد ان اغلب احاديثه تتصف بهذه الصفة ، ومنها هذا الحديث الغالي وغير المعقول.
وعلي يروي عن ابيه الذي يروي عن محمد بن ابي عمير صاحب المراسيل (كما يقول النجاشي في رجاله ص 326 " أصحابنا يسكنون إلى مراسيله").
***
اولا:
قبل مناقشة الحديث سأناقش هامشه الذي قال فيه كاتبه:
- كأنه محمول على المبالغة في كثرة الأسؤلة(كذا) والأجوبة.
- يمكن أن يكون في خواطر القوم أسؤلة كثيرة متفقة فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع .
- إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الأحكام الكثيرة.
المناقشة:
أ) لم يكن المعلق واثقا من قوله ، فقال : (كأنه محمول)، ولم يقل: انه محمول.
ب) ان قول المعلق: يمكن ان يكون في خواطر القوم هذه الاسئلة الكثيرة (30000). اتساءل والقراء ايضا: كيف عرف المعلق ان في خواطر القوم هذا العدد بالضبط؟ خاصة اذا كانت في الخاطر، (أي غيب الانسان).
- اما اذا افترضنا مع المعلق ان الاسئلة متفقة، يعني هذا ان السؤال كان واحدا (وبصيغ متعددة)، ان كان ذلك بإتفاق القوم ام لا.
اذن، كيف اخبر ابراهيم ابنه ان الاسئلة كانت 30000 ؟
ج) كيف عرف المعلق استنباط 30000 حكم (او اقل) من اجابة واحدة للامام (عدا وفهما)؟ مع العلم لا السؤال مذكور في الحديث ولا الجواب.
د) اذا كان هذا العدد من القوم قد حضر- وفي خاطر كل واحد منهم السؤال ذاته- ،فاين جلس هذا العدد من البشر؟
- هل في غرفة ضيوف دار الامام (وهذا ما يستنبط من الحديث بقرينة إستأذن)؟ ام في مسجد المدينة ؟ واي مساحة مسجد - ذاك الوقت - يستوعب هذا العدد ؟
هـ) وعلى افتراض ان المساحة كانت واسعة ، فكيف تمت عملية عدهم ، ومن قام بها ، وكم من الوقت تستغرق ؟
و) وايضا ، كيف وصل السؤال الى مسامع الامام؟ وكيف وصلت الاجابة الى مسامع هذا العدد، في وقت لا توجد فيه مكبرات الصوت؟
ز) لنفترض ان كل رجلين لهم مساحة 1متر مربع عند الجلوس.
اذن ، يجب توفر مساحة 15000 متر مربع.
وهذا يعني ان يكون طول هذه المساحة 150 م، وعرضها = 100 م. ومن المستحيل توفر هكذا مساحة ، فضلا عن سماع الصوت فيها.
ثانيا:
أ) ليس من المعقول ولا الطبيعي لاي انسان ان يجيب بـ 30000 اجابة في مجلس واحد ، حتى لو كانت تلك الاجابة : نعم او لا.
ب) ليس بهذه الطريقة الغالية نعلي من قدر الائمة ، ولا زيادة في احترامنا لهم ، او بيان علمهم .
انها طريقة خاطئة ، غير معقولة ، وفيها غلو كبير، والغلو مذموم عند الشيعة خاصة، وتشهد بذلك كتب الرجال الشيعية التي تذم الغالين وتخرج احاديثم من الوثوقية.
ملاحظة:
لم نناقش – على الرغم من ان القضية لا تتحملها عقولنا – مسألة صغر سن الامام في السطور اعلاه.
***
2 - جاء في الكافي - ج 1 - ص 462:
(( - أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسن عليه السلام قال : إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد وعلى كل واحد منهما ألف ألف مصراع وفيها سبعون ألف ألف لغة ، يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما ، وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي)) .
***
مناقشة الحديث:
على الرغم من ان الحديث في سنده ابن أبي عمير ، و (عن رجاله )، فهو حديث موضوع لاجل ذلك ، وايضا موضوع بسبب متنه.
المدينتان هاتان إما ان تكونا مخفيتان عن الانظار ، عندها لا حاجة بهما اساسا ، لان كل مخفي لا فائدة منه ([16]) ، ومنه الامام غير العامل على سبيل المثال ([17])، وإما ان تكونا ظاهرتين للعيان .
فأذا كان الحديث قد وضع في زمن لم يكن العلم قد وصل الى ما وصل اليه، فنحن ابناء القرن الواحد والعشرين نعرف جيدا ان ادوات العلم الحديثة – والعلماء - قد مسحت سطح الارض وباطنها ، كما تم مسح ارض القمر، وهو – العلم وادواته والعلماء - الان في طريقه لمسح ارض المريخ ، ولم يجد العلماء مثل تلك المدن وبتلك المواصفات المذكورة .
وهذه اللغات عددها سبعين مليون لغة ، ولو حسبنا لغات البشرية منذ الخليقة الى يومنا هذا لم يكن مجموعها سبعين مليون لغة ، واللغة في الجنة كما يذكر الموروث الاسلامي هي اللغة العربية ، إذن ، هاتين المدينتين ليستا في الجنه ، انهما على الارض ، والارض معروفة اللغات ،وعددها معروف ، عند ذلك فهاتين المدينتين غير موجودتين، ولغاتها غير معروفة ، وعليهما مليون مصراع ،فما فائدتهما؟
واذا كان سكان الارض لا يتجاوزون الخمسة مليارات نسمة ، فهاتين المدينين ، وبحساب ان كل الف نسمة تتحدث لغة واحدة ، يكون مجموع سكانها سبعين مليار نسمة ، وهذا عدد كبير لا تتسع مساحة الارض على استيعابه.
انه غلو ليس في القدرة البشرية ، بل غلو في وجود اشياء غير موجودة ، انها حكايات اسطورية يجب ان يضمها كتاب الف ليلة وليلة ، وليس في كتاب مهم لواحد من المذاهب الاسلامية الهامة.
-------------------------