د.آمنة الذهبي
أربعة شباب في مقتبل العمر كانوا الأقدر على سحب البساط من تحت أقدام الحكومة في سويعات قليلة وتضعها في زاوية ضيقة لن تخرجها منها حتى مائة يوم أخرى، أربعة أصوات علت أسبوعيا تحت نصب الحرية مطالبة بحق العراق بحياة أفضل أزعجت الحكومة ودفعتها لتصرف لم تحسب عواقبه, أصوات جعلت أركان الحكومة تتخبط بتصريحاتها وهي تبرر لنفسها أمام الرأي العام اعتقال الشباب من ساحة التحرير بسيارة إسعاف, كان الإجراء الحكومي مؤشر خطير على ما آلت إليه الحريات في العراق, إلا أن التصريحات الرسمية كانت مؤشرا اخطر على اتفاق الحكومة أو تشضيها في مواجهة غضب الشعب الذي بدا منظما أكثر من ساسته بكثير.
ولعل المتابع للوضع العام في العراق خاصة منذ اندلاع تظاهرات 25 شباط يدرك بوضوح حجم المأزق الذي وضع المالكي نفسه فيه وهو الذي اعترف علنا انه يقود تشكيلة حكومية غير متجانسة عندما وعد بحلول ربما يحتاج عصا سحرية ليضعها على ارض الواقع , وهو ما يؤشر للملأ خللا في اختيار مستشاريه الذين من المؤكد أنهم يتحملون وزرا كبيرا مما يحدث له.
ومع أن المالكي حاول مرارا في الأيام المائة أن يسيطر على زخم التظاهرات ويحد من تصاعدها مستفيدا من تأجيل التيار الصدري سخطه لستة أشهر تارة ولقضية إرهابي التاجي الذي اختطف زفة عرس وقتل كل من فيها والتركيز على تستره بالعمل في منظمة ترعى حقوق الإنسان ومشاركته في تظاهرات ساحة التحرير تارة أخرى لترهيب المتظاهرين وتعيدهم إلى المنازل أو ودفعهم بعيدا عن نصب الحرية باتجاه ملاعب الكرة إلا أن تلك الإجراءات لاقت الرفض من الشباب الثائر الطامح بمستقبل أفضل داخل حدود الوطن الذي لم يستطع رئيس حكومته أن يكلف نفسه مشقة النظر في صورة قدمتها له ثائرة من ابرز قادة الرأي في الشارع العراقي حاولت أن تلفت انتباهه إلى خطورة اعتقالهم أو اختطافهم من تحت نصب الحرية ,كان تصرف المالكي الذي امتعض وجهه وأشار بيديه لحراسه من اجل إسكات هناء ادوار وإخراجها تصرف خال من الدبلوماسية والحكمة التي كان عليه أن يتحلى بها خاصة وانه في مؤتمر لحقوق الإنسان وأمام العشرات من كاميرات التلفزة والصحافة المقروءة وضيوف دوليين , ربما كانت المفاجأة هي من أربكت رئيس الوزراء لكن الحدث أعاد إلى الأذهان طرق تعامل العديد من الشخصيات السياسية العالمية مع مواقف أكثر مفاجأة وإحراجا ولعل أقربها إلى الأذهان ضرب منتظر الزيدي لبوش الابن بالحذاء بحضور المالكي ومع الاختلاف الكبير في الحدث والدوافع وطريقة التعبير إلا أن المالكي لم يتعلم من الحدث مع قربه منه كيف يتصرف مع المفاجآت وكان من الممكن أن يتلق الصورة بابتسامة حتى لو كانت مفتعلة ويمتص غضب الناشطة المدنية ويحفظ ماء وجهه أمام الكاميرات والضيوف.
امتعض المالكي من ادور ودفع إعدادا كبيرة من الشعب للامتعاض منه تصرفه وهو بذلك يدفع بإعداد أخرى صوب نصب الحرية الذي ربما سنضطر لتوسيعه مع كل قيد تضيفه الحكومة للتواجد تحته حتى تدرك أن لا ملاعب كرة ولا ترقيع بعض الشوارع ولا لترات الوقود الإضافية لأصحاب المولدات الكهربائية كفيلة بخنق أصوات الملايين من أمثال هناء ادوار أو رباعي التحرير, مؤيد واحمد وعلي وجهاد, مايريده الشعب ربما لم يدركه القائمون على إدارة شؤون البلاد وتلك مصيبة أما إذا كانوا يدركونه فالمصيبة اكبر .