فلاسفة عصر التنوير في اوربا ديكارت
عبد الجبار منديل
يرى الكثير من الباحثين ان الفلسفة الحديثة تبدأ من رينيه ديكارت . وديكارت هو عالم في الرياضيات ومهندس و فلكي وفيلسوف. ولد في فرنسا عام 1595 لأب من النبلاء اصحاب المقاطعات الكاثوليك وقد اكتشف الأس الجبري ومزج بين الجبر والهندسة التحليلية وما تزال الاحداثيات الديكارتية تشكل اساس الاحداثيات التي يقوم عليها تحديد المواقع في شتى صنوف الهندسة العسكرية والمدنية .
في ذلك العصر كان نموذج ارسطو للافلاك هو السائد والذي تتبناه الكنيسة والقائل بأن الارض هي مركز الكون وان الشمس والقمر والكواكب تدور في فلك الارض ومن يخالف هذا المبدأ يواجه بعقاب صارم من الكنيسة والمجتمع . وقد اكتشف ديكارت العكس ورأي ان الارض ليست الا كوكبا صغيرا يدور في فلك الشمس في فضاء الكون الكبير اللامتناهي . ولكنه لم يعلن عن آرائه بعد ان رأى مصير غاليلو الذي عاقبته الكنيسة .
اتخذ ديكارت الشك طريقا لفلسفته . فهو يقول ان على الانسان ان يشك في كل شيء . فهل انا مثلا واثق من جلوسي في هذا المكان ؟ الا يحتمل انني احلم ؟ وان كل وجودي هو حلم في حلم ؟ ... الذي لا شك فيه هو انني افكر لذا ( انا افكر اذن انا موجود ).
ان الشك الذي يقود الى التفكير هو الذي يؤكد الوجود . ويقول (اننا لن نتأكد من وجود العالم قبل تأكدنا من وجودنا نحن ) وقد سار كل الفلاسفة اللاحقين على قاعدة الشك الديكارتي لمعالجة الاسئلة الفلسفية .
يقول ديكارت انه يجب ان يكون الشك هو النظرة السائدة الا في حقيقة كون الانسان ذات مفكرة موجودة وجودا حقيقيا وان فكرة الله هي فكرة فطرية في البشر ولكنه يتابع ويقول بان الانسان متناه في حين ان الله غير متناهي لذلك فليس بوسع المتناهي ان يتخيل اللامتناهي. ان الله فكرة اودعها في نفسي وقام العقل بمعاينتها وقامت الارادة بأقرارها .
ويقول ان الافكار الواضحة جدا والمتميزة جدا هي الافكار الوحيدة التي يمكن ان نسميها افكارا صحيحة كفكرة الذات المفكرة الواضحة جدا والمتميزة كذلك مع ملاحظة ان الفكرة المتميزة واضحة بالضرورة اما الفكرة الواضحة فليس بالضرورة متميزة . وان العقل السليم هو القاسم المشترك بين الناس وهو الوسيلة للحصول على المعارف دون وساطة خارجية .
لقد حاولت فلسفة ديكارت تقليد الرياضيات في وضوحها ويقينها وحاولت استنتاج ماهية الاشياء باستنباط عقلي وبدأ ديكارت يبحث عن وسيلة لانشاء ميتافيزيقا جديدة تقوم على الفيزياء الحديثة وتستخدم الادوات المنهجية التي يستخدمها علماء الرياضيات وعلماء الطبيعة فوضع قواعد علمية للشك المنهجي .
لقد تشكلت منظومة فكرية جديدة من خلال ابداع مفهوم القصور الذاتي من اجل العلم الطبيعي تقوم على قواعد عقلية رياضية وهندسية ادت الى هدم فيزياء ارسطو والى الغاء العلة الغائبة ورد الاعتبار للسببية في مواجهة الافكار الخاصة بالقرون الوسطى حول المعجزات والخوارق الطبيعية غير المبررة علميا .
لكي يتسنى للعلم الطبيعي الناشيء ان يتقدم بعيدا عن الاضطهاد والاوهام والافكار المسبقة فقد فصل ديكارت بين ما سماه مملكة الطبيعة ومملكة ما وراء الطبيعة وفصل بين مملكة الفكر ومملكة المادة ذلك ان عصر العلم اتى ليتم التمييز ايضا بين الصفات الرئيسة الثابتة والصفات الثانوية المتغيرة والتي بدأت تأخذ مكان المصطلحين الذين هما الجوهر والعرض شيئا فشيئا .
وهو يوصي الباحثين عن الحقيقة قائلا اذا اردت ان تكون باحثا صادقا عن الحقيقة فمن الضروري ان تشك ما لا يقل عن مرة واحدة في حياتك بقدر الامكان في كل الاشياء . انا اشك اذن انا افكر اذن انا موجود . ان الشك هو اساس الحكمة وعليك ان تنطلق من الاشياء الاكثر بساطة الى الاشياء الاكثر تعقيدا . ان الحواس تخدعنا من وقت الى آخر ومن الحكمة ان لا نثق بالذين خدعونا ولو مرة واحدة . وانا كلما اساء لي شخص احاول ان ارفع روحي عاليا حتى لا يمكن ان تصل الى الاساءة .
بعد الضجة الهائلة التي احدثها العالم الايطالي (غاليلو)بنشر كتابه عام 1632م الذي نفى فيه ان تكون الارض مركز الكون وقال ان الارض تتحرك في فلك الشمس وليس العكس كما كان يعتقد القدماء وقيام الكنيسة بأصدار الاعدام على من يؤيد هذا الرأي وجد (ديكارت) نفسه مضطرا الى الهروب من فرنسا الكاثوليكية الى الدول البروتستانية والتي هي اكثر تسامحا . لذلك فقد استقر في هولندا للفترة من عام 1628الى عام 1649 حيث قام بتكريس وقته للدراسة والبحث العلمي .
كتب ديكارت الكثير من الكتب ولكن اهم مؤلفاته هي :
1ـ رسالة في المنهج عام 1637
2ـ تأملات في الفلسفة الاولى عام 1641
3ـ مباديء الفلسفة الاولى عام 1644
4ـ مؤلفات في علوم الرياضيات والهندسة والجبر
وفي الفترة الاخيرة من اقامته في هولندا حاربته جامعة (لايدن) بحجة مخالفته للمذهب الارسطي الذي يقول بمركزية الارض وكذلك بحجة ان فلسفته في الشك الديكارتي تقود الى الالحاد لذلك فقد غادر هولندا الى المانيا وبعدها الى الدنمارك .
ومن الدنمارك دعته ملكة السويد كريستينيا عام 1649 لكي يدرسها الفلسفة .وكانت الملكة تصر على اخذ دروسها الساعة الخامسة صباحا الامر الذي كان يجبر الفيلسوف على الاسراع في الصباح الباكر لملاقاة الملكة في الجو السويدي البارد لذلك فقد اصيب بالالتهاب الرئوي الذي ادى الى وفاته .
لقد كان القرن السابع عشر قرن البحث عن الجوهر المادي والذي يقف وراء الاشياء ويعرف ديكارت الجوهر بانه اللامتناهي الكامل والحر والموجود وجودا حقيقيا ولا يحتاج في وجوده الى غيره من المخلوقات وانه القائم بذاته والذي لا يعتمد في وجوده على غيره . ويقول اننا لا ندرك الجوهر مباشرة وانما ندركه من خلال صفاته .فلكل جوهر صفة مكونة لماهيته مقومة لطبيعته فصفة النفس المقومة هي الفكر وصفة الجسم المقومة هي الامتداد . واحوال الجوهر المادي هي الحركة والشكل . وتتغير الاحوال بتغير الظروف ويضرب مثل بالشمعة حيث يتغير شكلها ولونها ورائحتها حين تحترق ولكن يظل الامتداد المتمثل في بقايا الشمع المحترق .
ان المادة امتداد و لا امتداد من دون مادة . والمادة متراصة في الكون والحركة في داخله ساكنة والحركة في الافلاك السماوية دائرية تامة ولذلك لابد اذن ان تكون الحركة اتية من الخارج . هناك وجود موضوعي للمادة فلا يعتمد الجسم على غيره اي انه لا يعتمد على ذواتنا فالوجود المادي مستقل عنا وليس مسألة ذاتية تعتمد على ادراكنا لها .
الامتداد عند ديكارت هو من الصفات الرئيسة فما تبقى من تجربة ديكارت على الشمعة بعد تغير لونها ورائحتها هو الشمع الممتد الذي ذاب ولكنه بقي له امتداد يوحي لنا بهوية الشمعة المصنوعة من الشمع . فالامتداد هو من الصفات الرئيسية الموضوعية التي لا تعتمد في وجودها على غيرها ولا يختلف اثنان بشانها لانها موضوع العلم الطبيعي اما اللون والطعم والرائحة فمن صفات الثانوية الذاتية التي نعتمد علينا ونكتسبها بالتجربة .
سعى ديكارت للوصول الى المعرفة انطلاقا من منهج فيه الدقة واليقين على غرار الرياضيات وقد اسس للعقلانية والمنهج العلمي الامر الذي ساهم في تطور الفكر المدرسي القروسطي وخروجه من عقدة ارسطو ومنظومته
رينيه ديكارت
بورتريه لديكارت في متحف اللوفر
رينيه ديكارت (31 مارس 1596 – 11 فبراير 1650)، فيلسوف، ورياضي، وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم، خصوصا كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم الرياضيات، فقد اخترع نظاما رياضيا سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى لـ(الهندسة التحليلية)، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية. وديكارت هو الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن17م، كما كان ضليعا في علم الرياضيات، فضلا عن الفلسفة، وأسهم إسهاما كبيرا في هذه العلوم، وديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة:"أنا أفكر، إذن أنا موجود".
حياته
ولد ديكارت عام1596م في لاهاي إن تورين وتعلم في كلية لافليش اليسوعية العلوم والفلسفة والمنطق والأخلاق، ونال إجازة الحقوق من جامعة بواتيه عام1616م، تطوع للخدمة في الجيش الهولندي عام1618م، وخاض معه عدة معارك، وفي عام1622م عاد ديكارت إلى فرنسا وصفى جميع أملاكه ليستثمر الأموال في تجارة السندات المالية. انظر: سند (ورقة مالية) وقد أمنت له دخلا مريحا لبقية حياته.
وفي الفترة بين 1628م و1649م عاش ديكارت حياة علمية هادئة في هولندا، وألف فيها معظم مؤلفاته، والتي أحدثت ثورة في مجالي الرياضياتوالفلسفة، وفي عام1633م أدانت الكنيسة الكاثوليكية العالم جاليليو، مما أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره، وفي عام1643م أدانت جامعة أوتريخت الهولندية الفلسفة الديكارتية، وفي أواخر عام1649م، قبل دعوة ملكة السويد كريستينا لزيارة السويد حيث أصيب بمرض عضال وتوفي هناك عام1650م.
أهم أفكاره
نظرية المعرفة
شك ديكارت في المعرفة الحسية سواء منها الظاهرة أو الباطنة، وكذلك في المعرفة المتأتية من عالم اليقظة، كما شك في قدرة العقل الرياضي على الوصول إلى المعرفة، وشك في وجوده، ووجود العالم الحسي، إلى أن أصبح شكه دليلا عنده على الوجود، فقال "كلما شككت ازددت تفكيرا فازددت يقينا بوجودي".
المنهج الديكارتي
هو المنهج الجديد في الفلسفة، وبسببه سمي ديكارت بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، ويقوم المنهج الديكارتي على أساسين، هما:
1- البداهة: أي التصور الذي يتولد في نفس سليمة منتبهة عن مجرد الأنوار العقلية.
2- الاستنباط: أي العملية العقلية التي تنقلنا من الفكرة البديهية إلى نتيجة أخرى تصدر عنها بالضرورة.
الثنائية الديكارتية
يفرق ديكارت بين النفسوالجسد، ويرى أنهما جوهران مختلفان تماما، ويقول:"إنني لست مقيما في جسدي كما يقيم الملاح في سفينته، ولكنني متصل به اتصالا وثيقا، ومختلط به بحيث أؤلف معه وحدة منفردة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما شعرت بألم إذا أصيب جسدي بجرح، ولكني أدرك ذلك بالعقل وحده، كما يدرك الملاح بنظرة أي عطب في السفينة".
الله
يعتقد ديكارت أن الله يشبه العقل من حيث إن الله والعقل يفكران ولكن ليس لهما وجود مادي أو جسمي، إلا أن الله يختلف عن العقل بأنه غير محدود، وأنه لا يعتمد في وجوده على خالق آخر، ويقول:"إنني أدرك بجلاء ووضوح وجود إله قدير وخير لدرجة لا حدود لها".
الأخلاق
جعل ديكارت علم الأخلاق رأس الحكمة، وتاج العلوم، وأنه لابد من الاطلاع على كل العلوم قبل الخوض في علم الأخلاق، وقال:"مثل الفلسفة كمثل شجرة جذورها الميتافيزيقيا، وجذعها العلم الطبيعي، وأغصانها بقية العلوم، وهذه ترجع إلى ثلاثة علوم كبرى، هي: الطب، والميكانيكا، والأخلاق العليا الكاملة، وهذه الأخيرة تتطلب معرفة تامة بالعلوم الأخرى، وهي أعلى مراتب الحكمة".
أهم مؤلفاته
كتب ديكارت ثلاثة مؤلفات رئيسية، وهي:
1- رسالة في منهج التصرف العقلي السليم للمرء والبحث عن الحقيقة في العلوم أو رسالة في المنهج (1637م).
2- تأملات في الفلسفة الأولى (1641م).
3- مبادئ الفلسفة (1644م).