موقع نهضة الامام الحسين (ع) بنظرة عصرية للشيخ عبدالامير البديري
نرحب بكم زوارنا الاعزاء في موقع نهضةالامام الحسين(ع) بنظرة عصرية فاهلا ومرحبا بكم
موقع نهضة الامام الحسين (ع) بنظرة عصرية للشيخ عبدالامير البديري
نرحب بكم زوارنا الاعزاء في موقع نهضةالامام الحسين(ع) بنظرة عصرية فاهلا ومرحبا بكم
موقع نهضة الامام الحسين (ع) بنظرة عصرية للشيخ عبدالامير البديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


افكار حوارية نقاشية انتقادية
 
الرئيسيةانت الزائر رقمأحدث الصورالتسجيلدخول
مواضيع مماثلة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» بين النص القرآنى وتفسير المفسرين
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty11/6/2011, 9:14 pm من طرف المدير العام

» المرجعية الدينية بين الرشيدة وغير الرشيدة فى العراق
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty11/6/2011, 9:12 pm من طرف المدير العام

» التشيع العلوى والتشيع الصفوى/الحلقة الأولى
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty11/6/2011, 9:08 pm من طرف المدير العام

» زيارة عاشورا
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 2:29 am من طرف المدير العام

» الأديان من صنع البشر
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 2:20 am من طرف المدير العام

» جدلية جزئية البسملة في الفاتحة وعدمها
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 1:59 am من طرف المدير العام

» تشويه صورة النماذج العليا
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 1:54 am من طرف المدير العام

» تحجيم القضية الحسينية
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 1:50 am من طرف المدير العام

» العاطفة في عاشوراء
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty10/25/2011, 1:28 am من طرف المدير العام

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 12 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 12 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 75 بتاريخ 10/13/2024, 9:12 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المدير العام
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Emptyفلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Emptyفلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا I_vote_lcap 

 

 فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
المدير العام
المدير العام
المدير العام


عدد المساهمات : 681
تاريخ التسجيل : 19/05/2011

فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty
مُساهمةموضوع: فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا   فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا Empty6/10/2011, 12:14 pm

فلاسفة عصر التنوير في اوربا سبينوزا


عبد الجبار منديل


ولد سبينوزا في امستردام في هولندا عام 1632 في عائلة من التجار ولكنه لم يكن يميل الى التجارة بل جذبه العمل الفكري لذلك فقد اكب على دراسة التاريخ وعلم اللاهوت وتاريخ الاديان فأبتدأ بدراسة تاريخ اليهود بأعتباره من عائلة يهودية وقرأ التوراة وتعليقات التلمود الذي هو مجموعة شرائع وسنن وتقاليد اليهود ودرس الدين المسيحي وتاريخه وانتقل الى دراسة اللغة اللاتينية التي استطاع عن طريقها دراسة الفكر الاوربي في العصور القديمة والوسطى بأعتبار ان هذه اللغة كانت آنذاك هي لغة الفكروالفلسفة لذلك فقد درس فلسفة سقراط وافلاطون وارسطو والفلسفة الرواقية التي تعتمد مبدأ التقشف والشدة مع النفس والتي تأثر بها كثيراً .


لقد أثارت اعمال سبينوزا الفلسفية منذ البداية اليهود واعتبروا ان افكاره هي نوع من الضلالة والهرطقة لذلك فقد طردوه من الدين اليهودي وتبرأت منه عائلته كما تخلى عنه اصدقاؤه .


يقول في كتابه ( رسالة الدين والدولة ) عن كتاب اليهود (التوراة)...(أن لغة هذا الكتاب يغلب عليها المجاز والاستعارة وذلك امر مقصود ومتعمد لأنه يتناول النزعة الشرقية وميلها الى الادب الرفيع وتزيين الالفاظ وتدبيجها والمبالغة في الوصف والتعبير) واعلن عن عدم ايمانه بالمعجزات والنبوءات التي وردت فيه ).


وفي مكان آخر يتحدث عن الانجيل والتوراة معاً وهما الكتابان الاساسيان في المسيحية واليهودية بأنهما عمل انساني وفيهما الكثير من التناقضات . ويقول ان الكتب الدينية في اليهودية والمسيحية لا تفسر الاشياء بأسبابها ولكنها تقصها وترويها باسلوب قوي ومتدفق للتأثير على الناس ودفعهم الى الايمان والعبادة وخاصة الفئة الجاهلة غير المتعلمة وانها لا تخاطب العقل بل تجذب الخيال وتسيطر عليه .


ويقول سبينوزا ان قوانين الطبيعة العامة واوامر الله الخالدة هي شيء واحد وان كل الاشياء تنشأ من طبيعة الله اللانهائية وان الله بالنسبة الى العلم مثل قوانين الدوائر بالنسبة الى الدوائر كلها . فالله هو السلسلة السببية الكامن وراء كل الاشياء وهو قانون تركيب العالم . هذا الكون المتماسك من الاعراض والاشياء من الله بمثابة الجسر من تصميمه وبناءه وتركيبه والقوانين الرياضية والميكانيكية التي بنى عليها . ان ارادة الله وقوانين الطبيعة اسمان يطلقان على حقيقة واحدة ويتبع ذلك ان كل الاحداث التي تقع في العالم ان هي الا نتيجة آلية القوانين الطبيعة الثابتة .


يقول سبينوزا ايضاً (لاننا بشر فأننا نفترض ان جميع الحوادث تنتهي الى الانسان وانها وضعت بطريقة تصلح لحاجاته ولكن هذا وهم مثل الكثير من الاوهام في تفكيرنا . ان جذور اعظم الاخطاء في الفلسفة تقع في ابراز اغراضنا البشرية والمقاييس والاشياء التي تفضلها في سير العالم . ومن هنا نشأت مسألة الشر .اننا نكافح من اجل ان نوفق بين شرور الحياة مع خير الله . ان الله فوق خيرنا وشرنا . ان الخير والشر نسبيان وفي الغالب يعودان الى اذواق البشر وغاياتهم .


ان الخير والشر اعتباريان لا تعترف بهما الحقيقة الخالدة والحق هو ان يصور العالم طبيعة اللانهائي التامة لا مثل الانسان العليا المعينة فقط . وكما ان الخير والشر اعتباريان فكذلك القبح والجمال امران اعتباريان ايضاً لايدلان على حقيقة ثابتة .


والاشياء توصف بالجمال والقبح والنظام او الفوضى بالنسبة الى مداركنا وتصورنا فقط . فأن كانت الصورة التي تستقبلها الحواس باعثة على الراحة فأنها تسمى جميلة وان لم تكن كذلك تسمى قبيحة .


لقد عاش سبينوزا وحيداً متفرغاً بشكل كلي لحياة الفكر والفلسفة وكان يعيش عيشة بسيطة متقشفة ويسكن غرفة لدى عائلة هولندية في مدينة رينسبرج قرب ليدن ولايزال هذا المنزل قائماً حتى اليوم ويحمل الشارع الذي فيه هذا البيت اسم الفيلسوف سبينوزا .


لقد كتب الفيلسوف سبينوزا اربعة كتب فقط هي ( رسالة في الدين و الدولة ) و( تحسين العقل ) و ( الأخلاق ) و ( الرسالة السياسية) ، وقد مرت هذه الكتب في البداية من دون ان تثير انتباه احد ولكن بعد سنوات قليلة انتبه لها الكثير من الكتاب والفلاسفة واثارت ضجة هائلة وكان لها اثر كبير وبالغ في تطور الفكر الأوربي والأرتقاء به الى مصاف الفكر العلمي العميق الذي عمل على تطوير النهضة العلمية ودعم الفكر التنويري . يقول سبينوزا ... ان الناس يميلون الى الإ عتقاد بان الله يحطم نواميس الكون من اجلهم . فاليهود مثلا يعتقدون ان المعجزات التي تحققت سواء في العبور او اثناء التيه تحققت من اجلهم لذلك فانهم شعب الله المختار ، فما من شئ يحرك نفوس الناس ويدفعهم الى الإيمان والعبادة اكثر من المعجزات التي تحرك الخيال والعواطف ، واننا لو نظرنا لبعض الكتب الدينية اليهودية بعين العقل وبمنظار فلسفي لوجدناها طافحة بالأخطاء والتناقضات والأمور المستحيلة فالناس يطلبون نصوصا تساعد على اثارة الخيال وتملأ بالحوادث الخارقة .


ويتسائل سبينوزا... هل ان معرفتي هي المعرفة الحقة ؟ وهل من الممكن الوثوق بحواسي فيما تنقل الى ذهني من المحسوسات ؟ .. وهل من الممكن الإعتماد على عقلي بالنتائج التي يستمدها من الأحاسيس والتي تقدمها الحواس ؟ .. اليس من الواجب ان نميز بين انواع المعرقة ولا نضع ثقتنا الا بعد الفحص والتمحيص ؟


يقول سبينوزا ان المعرفة البديهية هي ادراك الأشياء في نواحيها وعلاقاتها الأبدية لذلك فإنه يفرق بين النظام الموقت وهو عالم الأشياء والحوادث وبين ( النظام الأبدي ) وهو عالم القوانين والبناء الذي يسير هذه الأشياء والحوادث . وانه لا حاجة بنا الى ان نعرف سلسلة الأشياء الفردية المتغيرة لأن ماهيتها من الممكن ان توجد فقط في الأشياء الثابتة الأبدية .


لقد اتسمت كتابات سبينوزا بالصعوبة والتعقيد لذلك فانه يطلب من القارئ التمعن والدقة لكشف الغموض الذي يغلف النصوص .


يقسم سبينوزا الكون الى جوهر وعرض فالجوهر هو الحقيقة الاساسية الثابتة والتي هي بناء الكون وقوانين العالم ومواصفاته . فالطبيعة ذات مظهرين فهي فعالة حيوية خالقة من جهة وهي منفعلة مخلوقة من جهة اخرى .


اما العرض فانه شئ حادث وفردي وصورة زائلة. فالإنسان وجسمه وافكاره وفصيلته كلها اعراض لذلك فهي زائلة ولكنها صورة عن حقيقة ابدية ثابتة لا تتغير .


يقول سبينوزا ان العقل ليس مادة والمادة ليس فكرا وعملية الدماغ ليست سببا كما انها ليست نتيجة وليست هاتان العمليتان مستقلتين ومتوازنين اذ ليس هنا عمليتان وليس هنا وجودان بل عملية واحدة نراها من الداخل فكرا ومن الخارج حركة . هنا وجود واحد نراه من الداخل عقلا ومن الخارج مادة ولكنه في الحقيقة ليس الا مزيجا مندمجا من الإثنين . والعقل والجسم لا يؤثر احدهما بالأخر لأنها ليسا شيئا واحدا . ان حكم العقل ورغبة الجسم وميوله شيئ واحد بعينه وكل العالم متحد بنفس هذه الطريقة المزدوجة . فأينما وجدت عملا ماديا فليس ذلك الا جانبا واحدا من العملية العقلية . فالعملية العقلية الداخلية ترتبط في كل مرحلة مع العملية الخارجية المادية ونظام الأفكار وارتباطاتها هو نفس نظام المواد وارتباطاتها وبهذا فإن عنصر الفكر وعنصر المادة هما شئ واحد .


اما عن الفلسفة السياسية فان سبينوزا يقول انها تنبع من التميز بين نظامين هما النظام الطبيعي والنظام الأخلاقي ، او بعبارة ادق بين حياة الإنسان البدائية قبل تنظيم المجتمعات وبين حياته بعد تنظيم المجتمعات . وهو يرى ان الناس كانوا يعيشون قبل نشأة المجتمع في فوضى بغير قانون او تنظيم اجتماعي ولم يكن لديهم مفهوم عن الصواب والخطأ او العدل والظلم . وكانت القوة لديهم هو الحق .


ولم يكن في هذه الحالة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان قبل تنظيم المجتمع شيئا يسمى خيرا او شرا لأن كل انسان في هذه الحالة الطبيعية لا ينظر الا الى مصلحته ، فمصلحته هي الحق . لذلك فإنه لايدرك معنى الفضيلة ، لأن معنى الفضيلة لا يمكن ادراكه الا في ظل الحياة المدنية حيث يتقرر بالموافقة العامة ما هو الخير وما هو الشر ويصبح الإنسان مسوؤلا امام القانون . ان الناس ليسوا مهيئين بطبعهم للنظام الإجتماعي ولكن الخطر هو الذي دفعهم الى التجمع فالغريزة الفردية اقور من الغريزةالجماعية لذلك يجب اعداد الناس وتدريبهم على ان يكونوا مواطنين اجتماعيين . والإنسان ليس خيرا وصالحا بطبعه بل يفضل التربية والقوانين ، كما ان الضمير ليس فطريا ولكنه مكتسب يختلف باختلاف المجتمع ومثله العليا .


توفي سبينوزا في عام 1677 عن اربعة واربعين عاما فقط بمرض السل الذي ورثه عن والديه ، وكذلك بسبب البؤس والعوز الذي عاش فيه .


بعد حوالي قرنين من وفاته اقيم له تمثال في مدينة لاهاي في جو من التمجيد والتبجيل للفيلسوف الذي ساهم مساهمة كبيرة في بزوغ عصر التنوير .


باروخ سبينوزا



باروخ سبينوزا


باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) هو فيلسوفهولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677.


حياته


ولد سبينوزا في عام 1632م في أمستردام، هولندا، عن عائلة برتغالية من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين. كان والده تاجرا ناجحا ولكنه متزمت للدين اليهودي، فكانت تربية باروخ أورثودوكسية، ولكن طبيعته الناقدة والمتعطّشة للمعرفة وضعته في صراع مع المجتمع اليهودي. درس العبريةوالتلمود في يشيبا (مدرسة يهودية) من 1639 حتى 1650م. في آخر دراسته كتب تعليقا على التلمود. وفي صيف 1656 نُبذ سبينوزا من أهله ومن الجالية اليهودية في أمستردام بسبب إدّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. بعد ذلك بوقت قصير حاول أحد المتعصبين للدين طعنه. من 1656 حتى 1660 اِشتغل كنظّارتي لكسب قوته. ثم من 1660 حتى 1663 اسّس حلقة فكر من أصدقاء له وكتب نصوصه الأولى. من 1663 حتى 1670 أقام في بوسبرج وثم بعد نشر كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة سنة 1670 ذهب ليستقرّ في لاهاي حيث اِشتغل كمستشار سرّي لجون دو ويت. في سنة 1676 تلقّى زيارة من الفيلسوف الألماني "لايبنيتز". توفّي سبينوزا 1677 في 21 فبراير ـ شباط.


فكره


عرف فلاسفة العرب واليهودي ومؤلفات ديكارت وكتب "مقالة في إصلاح الإدراق" (1662). صدر له أثناء حياته "مبادئ فلسفة ديكارت" 1664 و"رسالة في الللاهوت والسياسة" 1670. امتاز باستقامة اخلاقه وخطّ لنفسه نهجاٍ فلسفيّاٍ يعتبر أنّ الخير الأسمى يكون في "فرح المعرفة" اي في "اتّحاد الروح بالطبيعة الكاملة"، ويظهر في فكره تأثره بالفيلسوفين الحلاجوابن العربي. واللّه في نظره جملة صفات لا حدّ لها نعرف منها الفكر وهممكانية.و يرى أنّ أهواء الإنسان الدينيةّ والسياسيّة هي سبب بقائه في حالة العبوديّة.


وظف فكرة "الحق الطبيعي" لقد ألف هذا الفيلسوف كتاباً مهماً بعنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة"، شرح مضمونها بقوله: وفيها تتم البرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على التقوى (الدين) أو على سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاءً على سلامة الدولة وعلى التقوى ذاتها في آن واحد.
وفي مراسلاته يتحدث سبينوزا عن "الجوهر أو الكينونة" أي أنه يعادل الجوهر بالوجود أو الحقيقة. ومن ثم يمكن أن يقول "إن الوجود يتعلق بطبيعة الجوهر" أي أنه في الجوهر تكون ماهية الشيء أو طبيعته الأساسية ووجوده شيئاً واحداً. وقد نخلص من هذا أن الجوهر عند سبينوزا يعني الحقيقة الأساسية التي تشكل أساس كل الأشياء.


ونحن ندرك هذا الواقع في شكلين: الامتداد أو المادة ثم الفكر أو الذهن، وهاتان "صفتان مميزتان" للجوهر، لا صفتان به قائمتان فيه. بل هما نفس الحقيقة التي ندركها خارجياً بحواسنا باعتبارهما مادة، والحقيقة التي ندركها بشعورنا باعتبارها فكراً. وسبينوزا "واحدى" تماماً يقول بأن الحقيقة كل واحد، فإن جانبي الحقيقة هذان-المادة والفكر-ليسا وجودين متميزين مستقلين الواحد منهما عن الآخر، بل هما جانبان، الخارجي والداخلي لحقيقة واحدة، وهكذا الجسم والذهن، وهكذا الأحداث الفسيولوجية (الجسدية) والحالة العقلية المناظرة لها. والحقيقة التي لا مراء فيها أن سبينوزا كان يدين بالمثالية قدر ابتعاده عن المذهب المادي، إنه يعرف الصفة بأنها "ما يدركه العقل عن الجوهر كما لو كان يؤلف ماهيته" ويسلم سبينوزا (قبل مولد باركلي بزمن طويل) بأننا نعرف الحقيقة، أما مادة أو فكراً، عن طريق الإدراك الحسي أو الفكرة فقط. ويعتقد بأن الحقيقة تعبر عن نفسها في مظاهر لانهاية لها، عن طريق "عدد لا متناه من الصفات" التي لا ندرك منها، نحن الكائنات الناقصة، إلا اثنتين. وعند هذا الحد، يكون الجوهر أو الحقيقة، هو كل ما يظهر لنا من مادة أو ذهناً، والجوهر وصفاته شيء واحد: والحقيقة إتحاد من المادة والذهن، وهذان متميزان فقط في الشكل الذي ندرك به الجوهر. ونتحلل قليلاً من صيغة سبينوزا، ونقول بأن المادة هي حقيقة مدركة خارجياً والذهن حقيقة مدركة داخلياً. فإذا استطعنا أن ندرك كل الأشياء بطريقة مزدوجة-خارجياً وداخلياً-كما ندرك أنفسنا، فإننا نجد، كما يعتقد سبينوزا، "أن كل الأشياء حية نشيطة بشكل ما". فهناك شكل أو درجة من الذهن أو الحياة في كل شيء. والجوهر دائماً حي أو نشيط: والمادة في حركة دائمة، والذهن دائماً يدرك أو يحس أو يفكر أو يرغب أو يتخيل ويتذكر، في اليقظة أو النوم. والعالم في كل جزء من أجزائه حي.


ويعادل سبينوزا بين الله وبين الجوهر، فهو الحقيقة التي تشكل أساس المادة والذهن وتوحد بينهما. والله لا يتعادل مع المادة (فلهذا لا يدين سبينوزا بالمذهب المادي) ولكن المادة صفة ملازمة متأصلة أساسية، أو مظهر من الله (وهنا تظهر من جديد إحدى هرطقات سبينوزا في شبابه). ولا يتعادل الله مع الذهن (ومن ثم لا يدين سبينوزا بالروحية) ولكن الذهن صفة أو مظهر ملازم متأصل أساسي لله. والله والجوهر متعادلان مع الطبيعة والمجموع الكلي للكينونة أو الوجود (ولهذا كان سبينوزا يقول بوحدة الوجود: إن الله والطبيعة شيء واحد، وأن الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية).


وللطبيعة مظهران. فباعتبارهما القدرة على الحركة في الأجسام، والقدرة على التوالد والنمو والإحساس في الكائنات الحية، فإنها طبيعة "خالقة" أو ولودة. وباعتبارها جماع كل الأشياء والأجسام والنبات والحيوان والإنسان. فهي طبيعة "محدثة أو مخلوقة". وهذه "الموجودات الفردية" في الطبيعة المخلوقة يسميها سبينوزا حالات-أو تعديلات أو تجسيدات طارئة في الجوهر، والحقيقة والمادة والعقل والله. وهي جزء من الجوهر، ولكننا نميزها في إدراكنا الحسي، باعتبارها أشكالاً عابرة سريعة الزوال لكل داخلي. فهذا الحجر وهذه الشجرة، وهذا الإنسان أو الكوكب أو النجم-هذا المشهد المتغير العجيب من الأشكال الفردية التي تظهر وتتلاشى-تؤلف كلها "النظام المؤقت" الذي قابله سبينوزا في "رسالة إصلاح العقل" "بالنظام الأزلي" وهو بمعنى أدق الحقيقة والله المفهومان ضمناً:


لا أفهم من سلسلة العلل والموجودات الحقيقية... سلسلة من الأشياء الفردية المتحولة، بل سلسلة من الأشياء الثابتة الأزلية. لأنه قد يكون من المتعذر على الضعف البشري أن يتتبع سلسلة الأشياء الفردية المتحولة (كل حجر، وزهرة وإنسان). إن وجودها ليس له علاقة بماهيتها (قد توجد، ولكن ليس لها ثمة ضرورة لأن توجد)، أو أن وجودها ليس حقيقة أزلية... وهذه الماهية يمكن التماسها من الأشياء الثابتة الأزلية، ومن القوانين المنقوشة في هذه الأشياء وكأنها دستورها الذي بمقتضاه صنعت ورتبت، بل أن هذه الأشياء الفردية المتحولة تعتمد اعتماداً وثيقاً أساسياً (هكذا يقال) على هذه الأشياء الثابتة، وبدونها لا يمكن وجودها ولا إدراكها.


وهكذا يكون مثلث واحداً بعينه "حالة"، وقد لا يكون ثمة ضرورة لوجوده، ولكن إذا وجد يكون لزاماً عليه أن يطيع القوانين-وسيكون لديه كل صلاحيات-المثلث بصفة عامة، والرجل بعينه حالة. وقد يوجد أو لا يوجد، ولكن إذا وجد، فإنه سيشارك في ماهية وقدرة المادة-الذهن، ويكون عليه أن يطيع القوانين التي تحكم عمليات الأجسام والأفكار، وهذه القدرات والقوانين تؤلف نظام الطبيعة باعتبارها طبيعة "خالقة"، وهي تشكل في لغة اللاهوت "إرادة الله".


وحالات المادة هي في مجموعها جسم الله، وحالات الذهن في مجموعها هي ذهن الله، والجوهر أو الحقيقة. في كل حالاتها وصفاتها هي الله. "كل ما يوجد هو في الله". ويتفق سبينوزا مع الفلاسفة السكولاسيين في أن الماهية والوجود في الله شيء واحد، إن وجوده متضمن في تصورنا الماهية لأنه يتصور أن الله هو كل الوجود نفسه يحتوي على الوجود كله. ويتفق مع السكولاسيين في أن "الله علة ذاته" حيث لا يوجد شيء خارج عنه. ويتفق معهم في أننا نستطيع أن نعرف وجود الله، ولكنا لا نعرف طبيعته الحقيقية. ويتفق مع توما الأكويني في أن استخدام ضمائر المذكر للدلالة على الله سخيف مضحك ولكنه مريح . ويتفق مع اتباع ابن ميمون في أن معظم الصفات التي ننسبها إلى الله يمكن تصورها عن طريق القياس الضعيف مع صفات الإنسان.


يوصف الله بأنه واضع القوانين أو الأمير أو الملك ويوصف بأنه عادل رحيم... الخ، لمجرد الاعتراف أو التسليم بالفهم العادي ونقص المعرفة العادي... والله مجرد من الانفعالات، ولا يتأثر بأية عواطف من الفرح أو الحزن.... أن أولئك الذين يخلطون بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، إنما ينسبون بساطة الانفعالات الإنسانية إلى الله، وبخاصة إذا كانوا لا يعرفون كيف تحدث الانفعالات في الذهن.


وليس الله شخصاً، لأن هذا يعني عقلاً مفرداً خاصاً محدوداً متناهياً، ولكن الله هو مجموع كل عقل (كل الحيوية والنشاط والإحساس والفكر)-بقدر ما هو كل المادة-الموجود. العقل البشري جزء من عقل معين غير متناه لا حدود له (مثل التقليد الأرسطي-السكندري). ولكن "إذا كان العقل والإرادة تتعلقان بالماهية الأزلية لله، فإن شيئاً آخر بعيداً يجب أن يفهم من هاتين الصفتين أكثر مما يفهمه الناس عامة". "فالعقل الفعلي... مع الإرادة والرغبة والحب، الخ، يجب إرجاعها إلى الطبيعة المخلوقة لا الطبيعة الخالقة" أي أن العقول الفردية برغباتها وعواطفها واختياراتها، هي حالات أو تعديلات موجودة في الله باعتباره جماع كل الأشياء، ولكنه لا تتعلق به باعتباره قانون وحياة العالم. فهناك في الله إرادة، ولكن بمعنى القوانين التي تعمل في كل مكان. فإن إرادته قانون.


وليس الله أباً ملتحياً يجلس على سحابة، يحكم الكون. إنه "العلة المقيمة الكامنة، غير العابرة، لكل الأشياء". وليس يوجد "خلق" إلا بمعنى الحقيقة غير المتناهية-المادة الذهن-تتخذ دوماً أشكال أو حالات جديدة فردية. وليس الله في مكان واحد، ولكنه في كل مكان تبعاً لماهيته. والحق أن لفظة "الهلة" هنا غير ملائمة. وأن الله هو الهلة الشاملة العامة، لا بمعنى علة سابقة على نتيجتها، ولكن فقط بمعنى أن سلوك أي شيء ينبع بالضرورة من طبيعته. والله هو علة كل الأحداث، بنفس الطريقة التي تكون بها طبيعة المثلث هي علة خواصه وسلوكه. والله حر، فقط بمعنى أنه غير خاضع لأية علة أو قوة خارجية، وأنه غير محكوم إلا بماهيته أو طبيعته الخاصة، ولكنه "لا يتصرف عن حرية الإرادة"، وكل أفعاله تحددها وتحكمها ماهيته-وهذا يعني أن الطبيعة المتأصلة الملازمة للأشياء وخواصها هي التي تحكم كل الأحداث. وليس في الطبيعة خطة بمعنى أن الله يرغب في غاية أو هدف بعينه، فليس لديه رغبات أو خطط ومشروعات، اللهم إلا أن جماع الأشياء تحتوي رغبات وخطط كل الحالات، ومن ثم خطط ورغبات كل الكائنات الحية. وليس في الطبيعة إلا نتائج، تتبع بالضرورة عللاً سابقة لها وخواصاً متأصلة. وليس هناك معجزات، لأن إرادة الله و "نظام الطبيعة الثابت الذي لا يتغير" شيء واحد، وأي خرق أو اضطراب في "سلسلة الأحداث الطبيعية" يكون تناقضاً ذاتياً.


والإنسان مجرد جزء صغير من الكون. والطبيعة تقف على الحياد بين الإنسان وسائر الأشكال. وينبغي ألا نطلق على الطبيعة أو الله ألفاظاً مثل الخير أو الشر، جميل أو قبيح، فتلك مصطلحات ذاتية، مثل ساخن أو بارد وإنما يحددها إسهام العالم الخارجي في منفعتنا أو إستيائنا.


إن الحكم على كمال الأشياء يكون بطبيعتها وقدرتها فحسب، فهي ليست أكثر أو أقل كمالاً بسبب أنها تسر أو تسيء إلى حواس الإنسان، ولا يسبب أنها نافعة أو ضارة للطبيعة البشرية... وبناء على ذلك، فإنه إذا كان في الطبيعة شيء يبدو لنا سخيفاً أو مضحكاً أو شراً، فما ذاك إلا لأننا لا ندرك إلا القليل، بل نكاد نجهل كل الجهل، نظام الطبيعة واتكالها بعضها على بعض ككل، كذلك لأننا نريد أن يكون كل شيء وفقاً لم يمليه عقلنا البشري. والواقع أن ما يعتبره العقل شراً، ليس شراً بالنسبة لنظام الطبيعة وقوانينها ككل، بل بالنسبة لقوانين عقلنا فقط.


وبالمثل لا يوجد في الطبيعة جمال أو قبح.


ليس الجمال... إلى حد كبير صفة في الشيء المرئي، تحدث أثراً في الرائي. وإذا كان أبصارنا أطول أو أقصر، وإذا كانت بنياتنا متفاوتة، فإن ما نراه الآن جميلاً، يجب أن نظنه قبيحاً. أن أجمل يد بالمجهر ستبدو مخيفة.. أنا لا أنسب إلى الطبيعة الجمال أو التشويه ولا النظام أو الفوضى والاضطراب. وبالنسبة لخيالنا أو تصورنا فقط، يمكن أن توصف الأشياء بأنها جميلة أو قبيحة، حسنة الترتيب أو مهوشة. والنظام موضوع بمعنى واحد، هو أن كل الأشياء تتحد في نهج واحد من القانون ولكن في هذا النظام تكون العاصفة المدمرة طبيعية، بقدر ما تكون روعة غروب الشمس أو رهبة البحر الطبيعية.


وهل نحن على حق، على أساس هذا "اللاهوت" إذا نعتنا سبينوزا بالإلحاد؟ لقد رأينا أنه لم يكن مادياً، لأنه لم يعادل بين الله والمادة، فإنه يقول في وضوح بأن أولئك الذين يذهبون إلى أن "الرسالة باللاهوتية والسياسية" قائمة على تعادل بين الله مع الطبيعة آخذين الطبيعة على أنها كتلة معينة من مادة عينية-مخطئون غاية الخطأ. "إنه تصور الله ذهناً ومادة على حد سواء. ولم يختزل الذهن إلى مادة واعترف بأن الذهن هو الحقيقة الوحيدة المعروفة المباشرة. وذهب إلى أن ثمة شيئاً مجانساً للذهن. يختلط بكل مادة، وكان من هذه الناحية ممن يقولون بوحدة الوجود، كان مؤمناً بوحدة الوجود، حيث يرى الله في كل الأشياء، ويرى كل الأشياء في الله. واعتبره بيل وهيوم، وغيرهماملحداً.


وقد يبدو ما يبرر هذا الوصف في إنكار سبينوزا للشعور والرغبة أو الفرض عند الله . إنه هو نفسه على أية حال، اعتراض على "رأي العامة في حيث لا يكفون عن اتهامي خطأ بأني ملحد" والظاهر أنه شعر بأن نسبته ذهناً وذكاء إلى الله غفرت له تهمة الإلحاد. ويجب التسليم بأنه تحدث مراراً وتكراراً عن ربه في عبارة تتسم بالإجلال الديني، مما يتفق تمام الاتفاق مع مفهوم الله عند ابن ميمون أو توما الأكويني، بل قد يسميه نوفاليس "الرجل الثمل بحب الله".


والواقع أنه كان نشواناً بنظام الطبيعة بأسره، ذلك النظام الذي بدا له في تماسكه وحركته الأزليتيت مثيراً للإعجاب مهيباً. وفي الكتاب الأول من "الأخلاق" كتب عن نهج للاهوت وميتافيزيقا العلوم معاً. وفي دنيا القانون أحس بوحي إلهي، أعظم من أي كتاب مهما كان كريماً وجميلاً. وأن الفرد العلمي الذي يدرس ذلك القانون، حتى في أتفه تفاصيله وأصغرها شأناً، إنما يفك مغاليق هذا الوحي لأننا "كلما ازددنا فهماً للأشياء الفردية ازددنا فهماً لله" (وقد هزت هذه الجملة مشاعر جوته باعتبارها أعمق عبارة في الأدب كله.). وبدا لسبينوزا أنه قبل وواجه في أمانة وإخلاص التحدي الضمني في كوبرنيكس-ليعيد تصور الإله على أساس جدير بالكون الذي يتكشف يوماً بعد يوم. ولم يعد ثمة صراع بين العلم والدين عند سبينوزا، فهما شيء واحد.


الذهن


إن أكبر لغز في الفلسفة والعلم، بعد طبيعة الكون وعمله، هو طبيعة الذهن وعمله. وإذا كان من الصعب التوفيق بين نزعة خيرة بالغة القدرة وبين حياد الطبيعة وحتمية المعاناة والألم، فإنه يبدو من الصعوبة بنفس القدر أن نفهم كيف يستطيع شيء ظاهر أنه خارجي مادي محدود ذو حيز أن يولد فكرة واضح أنها غير مادية وغير محدودة بحيز، وكيف تصبح فكرة في الذهن حركة في الجسم، أو كيف تستطيع فكرة أن تدقق التأمل في فكرة أخرى في غياهب الوعي.


ويتفادى سبينوزا بعض هذه المشاكل بنبذه فرضية ديكارت القائلة بأن الجسم والذهن جوهران مختلفان. ويعتقد أن الجسم والذهن شيء واحد، وأنهما نفس الحقيقة، وأنهما يدركان في مظهرين أو صفتين مختلفتين مثلما أن الامتداد والفكر شيء واحد في الله-ومن ثم لا تكون هناك مشكلة في كيفية تأثير الجسم في الذهن أو العكس بالعكس. وكل حدث هو العملية المتزامنة الموحدة للجسم والذهن كليهما. ويعرف سبينوزا الذهن بأنه "فكرة الجسم" أي العمل السيكولوجي (وليس بالضرورة عملاً واعياً) المتلازم والمرتبط بأية عملية فسيولوجية. فالذهن هو الجسم نحس به من الداخل، والجسم هو الذهن نراه من الخارج والحالة الذهنية هي المظهر الداخلي أو الباطني لأي عمل جسمي. وأي عمل "للإرادة" هو المرافق الذهني لأية رغبة جسدية تتحول إلى تعبير بدني. وليس هناك عمل "للإرادة" في الجسم، ولكن هناك عمل واحد للكائن السيكوفسيولوجي (الذهني المادي)، وليست "الإرادة" هي العلة، بل هي وعي الحدث أو العمل. "إن قرار الذهن، ورغبة الجسم وتصميمه... شيء واحد ليس إلا، إذا أدرجناه تحت صفة الفكر نسميه قراراً، وإذا اعتبرناه من صفا الامتداد، واستنتجناه من قوانين الحركة والسكون نسميه تصميماً "فعلاً منتهياً".


ومن ثم فإن "نظام أفعال وانفعالات أو حركات جسمنا متزامنة مع نظام وانفعالات أو حركات الذهن". وفي كل أحوال التفاعل المفروض بين الذهن والجسم، ليست العملية الواقعية تفاعلاً بين حقيقتين أو جوهرين أو عاملين متميزين، بل هي عمل جوهر واحد، إذا رئي من الخارج سميناه جسماً، وإذا رئي من الداخل سميناه ذهناً. ولكل عملية في الجسم إلا أدركه الذهن" ولكن هذا المتلازم الذهني قد لا يكون فكراً، بل قد يكون شعوراً، وقد لا يكون بالضرورة واعياً، وهكذا يأتي الذي يمشي وهو نائم بسلسلة من الأفعال وهو "غير واع" وهذه النظرية تسمى "التوازي السيكوفسيولوجي"، وهي تفرض عمليات متوازية ، لا في وجودين مختلفين، بل في وحدة سيكوفسيولوجية (عقلية جسدية) ترى رؤية مزدوجة.


وعلى هذا الأساس ينتقل سبينوزا إلى وصف ميكانيكي لعملية المعرفة. ومن المحتمل أنه حذا حذو هوبز في تعريف الإحساس والذاكرة والتصور على أسس بدنية. ويستدل على هذا بأن معظم المعرفة ينشأ من تأثيرات تحدثها فينا أشياء خارجية. ولكنه يسلم بما يذهب إليه المثالي من أن "الذهن البشري لا يدرك أن جسماً خارجياً موجود بالفعل إلا عن طريق أفكار عن تعديلات في جسمه". فالإدراك الحسي والعقلي، وهما شكلان للمعرفة، مشتقان من الإحساس. ولكن هناك شكل ثالث أسمى "المعرفة البديهية"، ولا يستمد (هكذا يعتقد سبينوزا) من الإحساس، بل من وعي واضح متميز مباشر شامل لفكرة أو حادث باعتباره جزءاً من نظام كوني له قانون.


واستبق سبينوزا لوك وهيوم حيث نبذ فكرة أن الذهن قوة أو وجود له أفكار، "فالذهن" تعبير عام أو مجرد عن تسلسل المدركات الحسية والذاكرات والتصورات والمشاعر وغيرها من الحالات العقلية.


"وفكرة الذهن، والذهن نفسه" في أية لحظة "شيء واحد بعينه". كما أنه ليس هناك "ملكات" متميزة، مثل العقل أو الإرادة، فهذه أيضاً تعبيرات مجردة عن مجموع المدركات والاختبارات. إن للعقل أو الإرادة صله بهذه الفكرة أو تلك، وبهذه الرغبة أو تلك، بنفس أسلوب الصلة بين الحجرية وهذا الحجر أو ذاك، أو الرجل بيتير أو بول. كما أن الفكرة والرغبة لا تختلفان. فالرغبة وعمل "الإرادة" هي مجرد فكرة "أكدت نفسها" (أي أنها طال على بقائها من الوقت ما يكفي لاستكمال نفسها أو تحقيقها في فعل-كما تفعل الأفكار تلقائياً إذا لم يقف في طريقها عائق). "وليس قرار الذهن.... إلا مجرد توكيد تنطوي عليه الفكرة بقدر ما هي فكرة.... والإرادة والفكر شيء واحد بعينه".


وثمة وجهة نظر أخرى، تلك هي أن ما نسميه إرادة هو ببساطة ذروة الرغبات ونشاطها، "أنا أفهم الرغبة... على أنها كل محاولات الإنسان وإندفاعاته وشهواته واختياراته التي لا يندر أن يتعارض بعضها مع بعض، إلى حد أنه يتخبط هنا وهناك، وهو لا يدري أية جهة يتجه". والتروي هو تعاقب سيطرة الرغبات المتصارعة على الجسم والفكر. وهذا ينتهي عندما تثبت رغبة ما أنها بلغت من القوة مبلغاً تحتفظ معه بالحالة العقلية بها وقتاً كافياً لتنتقل إلى فعل. ويقول سبينوزا بأنه واضح أنه لا توجد "إرادة حرة"، فالإرادة في أية لحظة ليست إلا أقوى الرغبات. فنحن أحرار بقدر ما يجاز لنا أن نعبر عن طبيعتنا أو عن رغباتنا دون عائق خارجي، ولسنا أحراراً في اختيار طبيعتنا او رغباتنا، إنما نحن رغباتنا. وليس الذهن إرادة مطلقة أو حرة ولكن الذهن محكوم عليه بأن يريد هذه أو ذاك لعلة هي نفسها بدورها محكومة بعلة أخرى، وهذه بعلة ثالثة، وهكذا إلى ما لا نهاية". ويظن الناس أنفسهم أحراراً لأنهم يعون اختياراتهم ورغباتهم، ولكنهم يجهلون العلل التي تؤدي بهم إلى أن يتخيروا ويرغبوا، ومثل هذا مثل حجر يقذف به في الفضاء فيظن أنه يتحرك ويهوي بمحض إرادته.


ومن الجائز أن الجبرية الكلفنية في "جو الرأي" الذي عاش فيه ديكارت وسبينوزا أثناء إقامتهما في هولندا، قد أسهمت مع ميكانيكا جاليليو (ولم تكن قاعدة نيوتن قد ظهرت بعد) في تشكيل النظرية الميكانيكية عند ديكارت، وعلم النفس الجبري عند سبينوزا. والجبرية هي الإيمان بالقضاء والقدر دون لاهوت. وهي تحل محل الدوامة أو السديم البدائي لله، وتتبع سبينوزا منطق الميكانيكا إلى نهايته المريرة، فإنه مثل ديكارت لم يقصره على الأجسام والحيوانات، بل طبقه على الأذهان كذلك، وكان لزاماً أن يفعل ذلك، حيث أن الذهن والجسم عنده شيء واحد. وخلص إلى أن الجسم آلة. ولكنه أنكر أن الجبرية تجعل الأخلاق عقيمة منافقة، إن عظات رجال الأخلاق والمثل العليا عند الفلاسفة، ووصمة عار الاستنكار العام وعقوبات المحاكم لا تزال ضرورية ذات قيمة، وإنها لتدخل في تراث وخبرات الفرد الذي يكبر وينمو، ومن ثم في العوامل التي تشكل رغباته وتحدد إرادته وتحكمها.


الإنسان


يدخل سبينوزا في فلسفته التي يظهر أنها جامدة عاملين فعالين، أولهما وبصفة عامة، هو أن المادة والذهن متحدان في كل مكان، وأن كل الأشياء مفعمة بالحيوية والنشاط، وأن فيها شيئاً مماثلاً لما نسمعه في أنفسنا بالذهن أو الإرادة، والثاني، وعلى وجه التخصيص، هو أن هذا العنصر الحيوي يشتمل في كل شيء على "محاولة للإبقاء على الذات". أن كل شيء بقدر ما هو في نفسه يسعى للمحافظة على وجوده هو نفسه. و "قدرة أي شيء أو سعيه... للإصرار على وجوده، ليس إلا... مجرد ماهية ذاك الشيء". ومثل الفلاسفة السكولاسيين الذين قالوا "أن تكون هو أن تعمل"، وأن الله "نشاط محض"، ومثل شوبنهور الذي رأى في الإرادة ماهية كل الأشياء، ومثل الفيزيائيين الحديثين الذين يختزلون المادة إلى طاقة يعرف سبينوزا ماهية كل كائن عن طريق قدراته على الفعل أو العمل.


"وقدرة الله هي من نفس ماهيته"، وفي هذه الناحية "يكون الله طاقة (ويمكن أن تسمى الطاقة، بالإضافة إلى المادة والذهن، صفة ثالثة ندرك أنها تؤلف ماهية الجوهر أو الحقيقة)". ويحذو سبينوزا حذو هوبز في تصنيف الوجودات حسب قدرتها على الفعل وتأثيرها. "ويقدر كمال الأشياء حسب طبيعتها وقدرتها فحسب" ولكن "كامل" عند سبينوزا معناه "تام".


ونتيجة لهذا يعرف سبينوزا الفضيلة بأنها القدرة على التصرف والفعل، "أني أفهم من الفضيلة والقدرة نفس الشيء". ولكنا سنرى أن هذه القدرة تعني القدرة على أنفسنا، حتى أكثر من القدرة على الآخرين كلما ازداد المرء سعياً وراء ما فيه نفعه-سعياً وراء المحافظة على وجوده-ازداد تنعمه بالفضيلة... فالسعي للمحافظة على الذات هو الأساس الوحيد للفضيلة. فالفضيلة عند سبينوزا حيوية (بيولوجية)، داروينية على الأغلب، إنها أية صفة تعمل على البقاء. وبهذا المعنى، على الأقل، تكون الفضيلة جزاء الفضيلة. "فهي مرغوب فيها من أجلها هي وحدها، وليس ثمة شيء أكثر امتيازاً أو نفعاً لنا.... من أجله ينبغي أن تكون الفضيلة مرغوباً فيها".


ولما كان السعي للمحافظة على الذات (التنازع من أجل البقاء) هو الماهية الفعالة لكل شيء. فإن كل الدوافع تنبع منه، وهذه الدوافع في أساسها أنانية. ومن حيث أن العقل لا يطالب بشيء ضد الطبيعة، فهو يطالب، لذلك، بأن يحب كل إنسان نفسه، ويلتمس ما هو مفيد له-أعني ما هو حقاً له-ويرغب في كل ما يؤدي بالإنسان حقاً إلى حالة كمال أعظم، وأخيراً أنه يجب على كل إنسان أن يسعى جاهداً للمحافظة على وجوده قدر استطاعته. وليس ضرورياً أن تكون هذه الرغبات واعية، فقد تكون شهوات لا واعية قائمة في الجسد. وهي تؤلف في جملتها ماهية الإنسان. ونحن نحكم على كل الأشياء على أساس رغباتنا. نحن لا نناضل من أجل أي شيء أو نريده أو نتلمسه ونرغب فيه لأننا نظن أنه خير، بل نحكم على شيء بأنه خير... لأننا نرغب فيه. "أني أفهم أن الخير هو ما نعلم علم اليقين أنه نافع لنا" (وهنا نجد، في جملة واحدة، مذهب المنفعة عند بنتام).


وكل رغباتنا تهدف إلى اللذة أو تجنب الألم. "اللذة هي انتقال الإنسان من حالة كمال أدنى" واللذة تصاحب أية ممارسة وشعور يعزز ويزيد من قيمة النشاط أو التقدم الذاتي الجسدية العقلية. ويتمثل الفرح في أن قدرة المرء تزداد" . وكل شعور يوهن من حيوتنا إنما هو ضعف لا فضيلة. وما أسرع ما يتخلص الرجل السليم من مشاعر الحزن والندم والاتضاع والأسف، وهو على أية حال أكثر من الرجل الضعيف استعداداً لمد يد المساعدة، لأن الكرم فائض القوة الواثقة. وأية لذة تكون مشروعة إذا لم تعوق لذة أعظم أو أبقى، ويمتدح سبينوزا، مثل أبيقور، اللذات العقلية باعتبارها أو فضلها، ولكنه يسوق كلمة طيبة في تشكيلة كبيرة من اللذات:


لا يمكن أن يكون ثمة مرح بالغ.... وليس هناك ما يحرم الضحك إلا الخرافة الكئيبة.... والإفادة من كل الأشياء والابتهاج بها قدر الإمكان (لا إلى حد التخمة حقاً، لأن هذه ليست ابتهاجاً) جزء من الرجل الحكيم العاقل.. فيتناول المعتدل الطيب من الطعام والشراب، ويستمتع بالعطور والحدائق والثياب والموسيقى والألعاب والمسارح.


أن المشكلة في مفهوم اللذة باعتبارها تحقيقاً للرغبات، تكمن في أن الرغبات قد تتصارع، فإن الرغبات لا تنتظم في تسلسل متناسق منسجم إلا عند الإنسان العاقل الحكيم. والرغبة عادة هي المتلازم الواعي لشهوة متأصلة في الجسم، وقد يبقى قدر كبير من الشهوة غير واع، إلى حد أننا لا يكون لدينا إلا مجرد "أفكار مشوشة غير وافية" عن عللها ونتائجها. ومثل هذه الرغبات المشوشة يسميها سبينوزا عواطف أو انفعالات. ويعرفها بأنها "تعديلات في الجسم تزيد أو تنقص بها قدرة الجسم على العمل.... وفي نفس الوقت أفكار هذه التعديلات" وهو تعريف يسلم تسليماً غامضاً بدور الإفرازات الباطنية في العواطف، يستبق بشكل ملحوظ نظرية س.ج.لانج ووليم جيمس التي تقول بأن التعبير الجسدي عن العاطفة هو النتيجة المباشرة الغريزية للعلة، وأن الشعور الواعي مصاحب أو نتيجة، لا علة، لتعبير الجسم أو استجابته. ويقترح سبينوزا دراسة العواطف-الحب والبغض والغضب والخوف الخ-وسيطرة العقل عليها "بنفس الطريقة... كما لو كنت أعالج الخطوط والسطوح والأجسام" لا لأمتدحها ولا لأنتقص منها، لا لأفهمها، لأننا "كلما ازددنا معرفة بالعاطفة ازدادت سيطرتنا عليها، وأصبح الذهن أقل سلبية بالنسبة لها". ودان تحليل العواطف الناتج عن هذه الدراسة ببعض الفضل لديكارت، وربما بفضل أكبر لهوبز، ولكنه بزهما، حتى أن جوهانس موللر، عندما عالج موضوع العواطف في كتابه الممتاز "فسيولوجية العواطف" (1840) كتب يقول "بالنسبة لعلاقات العواطف بعضها ببعض، بعيداً عن ظروفها الفسيولوجية، فإنه يتعذر الإداء ببيان أوفى مما ذكره سبينوزا في براعة لا تفوقها براعة"-وأخذ يقتبس كثيراً من كتاب "الأخلاق".


وتصبح العاطفة هوى أو انفعالاً، إذا كانت علتها الخارجية-بسبب أفكارنا المهوشة الناقصة عن منشئها ومغزاها-تفرض علينا شعورنا واستجابتنا، كما هو الحال في البغض أو الغضب أو الخوف". أن الذهن يخضع بشكل أو بآخر للأهواء والانفعالات، تبعاً لما لديه بنفس القدر من أفكار كافية أو ناقصة(135). والإنسان ذو المقدرة الضعيفة على الإدراك الحسي والفكري خاضع بصفة خاصة للأهواء. ومثل هذه الحياة يصفها سبينوزا في كتابه الفذ، الجزء الرابع، "استرقاق الإنسان"، فإن هذا الإنسان مهما كان تصرفه عنيفاً، سلبي بليد، مسوق بمؤثر خارجي، بدلاً من أن يتماسك ويثبت ويعمل فكره. "إن أسباباً خارجية تقودنا على غير هدى في دروب متشعبة كثيرة، وكما تسوق الرياح الهوج غير المواتية الأمواج سوقاً، فإننا نضطرب ونتردد على غير وعي بالعاقبة ولا بالمصير".


ترى هل نستطيع فكاكاً من هذا الاسترقاق، ونصبح بدرجة ما سادة أنفسنا وحياتنا؟.


العقل


لن تكون لنا سيادة تامة على أنفسنا أبداً، لأننا سنبقى جزءاً من الطبيعة، خاضعين (كما كان يقول نابليون) "لطبيعة الأشياء". وحيث أن العواطف هي قوتنا الدافعة، والعقل مجرد ضوء، وليس لهيباً، "فإن أية عاطفة لا يمكن تعويقها أو القضاء عليها إلا بعاطفة أخرى متعارضة وأشد قوة". ومن هنا كان المجتمع بحق يحاول جاهداً أن يلطف من انفعالاتنا وأهوائنا باللجوء إلى حبنا للثناء وحسن الجزاء وخوفنا من العتاب والعقاب. كما يسعى المجتمع جاهداً بحق ليغرس فينا الشعور بالصواب والخطأ وسيلة أخرى لكبح جماح الأهواء والانفعالات. والضمير، بطبيعة الحال، نتاج اجتماعي، وليس هبة أو منحة فطرية إلهية.


ولكن في استخدام الثواب والعقاب الوهميين في الحياة بعد الموت، حوافز على الخلق القويم، تشجيعاً على الخرافة، لا يليق أبداً بمجتمع ناضج. وينبغي أن تكون الفضيلة-وهي فعلاً كذلك-جزاء نفسها، إذا عرفناها، مثل الرجال، بأنها المقدرة والذكاء، والقوة، لا مثل الجبناء، بأنها الإذعان والطاعة والتواضع والخوف. واشمأز سبينوزا من النظرة المسيحية إلى الحياة بأنها واد من الدموع، وإلى الموت بوصفه مدخلاً للنعيم أو الجحيم، وقد أحس بأن هذا يلقي حجاباً كثيفاً من الكآبة على نشاط البشر، ويغشي بفكرة الخطيئة آمال الناس وأمنياتهم ومسراتهم المشروعة بالظلام والقتام. إن التفكير في الموت ليل نهار سبة في جبين الحياة وامتهان لها "أن أقل ما يفكر فيه الإنسان الحر هو الموت، وأنه ليفرغ كل حكمته وعقله في التأمل في الحياة، لا في الموت".


وعلى الرغم من ذلك كان سبينوزا يبدو في بعض الأحايين وكأنه يحوم حول فكرة الخلود أن نظريته في الذهن والجسم باعتبارهما جانبين لنفس الحقيقة أدت به منطقياً إلى أن يرى فناءها متزامناً. وهو يؤكد هذا في وضوح تام: "أن الوجود الراهن للذهن، وقدرته على التصور تزولان بمجرد أن يكف الذهن عن توكيد الوجود الراهن للجسم". ثم "أن الذهن لا يمكن أن يتصور شيئاً، ولا أن يتذكر شيئاً مضى إلا حين يكون الجسم موجوداً". وتظهر في الجزء الخامس بعض فروق غامضة: "أننا إذا نظرنا إلى الرأي السائد بين الناس لرأينا أنهم يعون حقاً خلود أذهانهم، ولكنهم يخلطون بين هذا وبين البقاء أو الدوام، وينسبونه إلى التصور والذاكرة اللتين يعتقدون أنهما تبقيان بعد الموت". وما دام الذهن عبارة عن سلسلة من الأفكار والذكريات والتصورات المؤقتة المرتبطة بجسم معين، فإنه ينقطع وجوده عندما يفنى الجسم، وهذا هو "البقاء الفاني" الذهن. ولكن ما دام الذهن البشري يدرك الأشياء في علاقاتها الأبدية، باعتبارها جزءاً من المنهج الشامل الذي لا يتغير للقانون الطبيعي، فإنه يرى الأشياء كأنها في الله، ويصبح جزءاً من الذهن الإلهي ويكون خالداً: أننا نتصور الأشياء واقعية بطريقتين: أما بقدر ما نتصور وجودها بالنسبة لزمان ومكان معينية، أو بقدر ما نراها متضمنة في الله (وفي النظام والقوانين الأزلية) وأنها تنشأ عن ضرورة الطبيعة الإلهية (أي تلك القوانين). ولكن الأشياء التي ترى في الحالة الثانية على أنها صادقة أو حقيقية إنما نتصورها نوعاً معيناً من الأزلية (في جانبها الأزلي). وأفكارها تتضمن ماهية الله الأزلية اللامتناهية.


وعندما نرى الأشياء بهذه الحالة السرمدية، فإننا نراها كما يراها الله، وعند هذا الحد تصبح أذهاننا جزءاً من الذهن الإلهي، وتشارك في الأزلية. أننا لا ننسب إلى ذهن الإنسان بقاء يحدد بزمن. ولكن حيث أن هناك، على الرغم من ذلك، شيئاً آخر يتصور في ظل ضرورة أزلية معينة، عن طريق ماهية الله، فإن هذا الشيء الآخر سيكون بالضرورة الجزء الأزلي الذي يتعلق بالذهن.... ونحن على يقين من أن الذهن أزلي طالما أنه يتصور الأشياء في ظل الأبدية.


ولنفترض أنه في التأمل في التسلسل المهيب للعلة والنتيجة الظاهرتين طبقاً لقوانين واضح أنها أبدية، أحس سبينوزا أنه قد هرب، مثل بوذي بلا خطيئة، من أغلال الزمن، وشارك في وجهة نظر الذهن الأزلي وهدوئه.


وعلى الرغم من الوصول الظاهري للقمر، خصص سبينوزا معظم ختام الجزء الخامس "الحرية الإنسانية" لصياغة علم أخلاق طبيعي، ينبوع ومنهج الأخلاق، مستقلين عن الحياة بعد الموت، ولو أن استخدم في ولع شديد تعبيرات دينية، وأن جملة واحدة لتكشف عن نقطة البداية. "أن العاطفة التي تكون انفعالاً أو هوى لا تعود انفعالاً ولا هوى إذا نحن كونا عنها فكرة واضحة متميزة"-أي أن العاطفة التي تثيرها أحداث خارجية يمكن الهبوط بها من الانفعال إلى شعور منضبط إذا هيأنا لمعرفتنا أن نحتال عليها حتى تصبح علتها وطبيعتها واضحتين، كما يصبح التنبؤ بعاقبة التصرف أمراً ممكناً من خلال الخبرة المختزنة في الذاكرة. وثمة طريقة لإيضاح الحالة العاطفية، تلك هي أن نرى الأحداث التي أنشاتها، بوصفها جزءاً من سلسلة من علل طبيعية ونتائج ضرورية لها. "وبقدر ما يفهم الذهن كل الأشياء على أنها ضرورية لازمة، يكون اكثر سيطرة على العواطف، وأقل سلبية نحوها"-أي أقل نهباً للانفعالات والأهواء. ولن يصبح أي إنسان انفعالياً لما يعتبره طبيعياً لازماً. ويمكن التخفيف من حدة الغضب لأية إساءة، إذا نظرنا إلى المسيء باعتباره نتاج الظروف التي لم يستطع التحكم فيها. كما يمكن التخفيف من الحزن على فقد والدين مسنين بتذكر أن الموت أمر طبيعي. "ومحاولة الفهم هي الأساس الأول الوحيد للفضيلة"، بمعنى هذه الكلمة عند سبينوزا، لأنها تنقص من خضوعنا للعوامل الخارجية، وتزيد من قدرتنا على ضبط أنفسنا والمحافظة عليها. والمعرفة قدرة أو قوة، ولكن أفضل وأنفع شكل لهذه القمة هو سيطرتنا على أنفسنا.


وهكذا يطبق سبينوزا طريقته الرياضية (طريقة إقليدس) علي حياة العقل. ويسترجع الأنواع الثلاثة التي وضعها للمعرفة، فيصف المعرفة الحسية، بأنها تتركنا عرضة إلى حد كبير للمؤثرات الخارجية، والمعرفة العقلانية (المكتسبة عن طريق التفكير والتأمل) بأنها تحررنا تدريجياً من استرقاق الانفعالات حيث تمكننا من رؤية العلل المحتومة غير الشخصية للأحداث، وأخيراً المعرفة البديهية أو الحدسية-الوعي المباشر بنظام الكون-ويصفها بأنها تجعلنا نحس أنفسنا جزءاً من ذاك النظام، "ومتحدين مع الله". وينبغي ان نتوقع ونحتمل وجهي الحظ كليهما بنفس الذهن، لأن كل الأشياء تنشأ من القانون الأبدي لله، بنفس الطريقة التي ينشأ بها من ماهية المثلث أن زواياه الثلاث تشكل زاويتين قائمتين. أن هذا الهروب من التفكير الطائش هو الحرية الحقيقية الوحيدة. وهذا الذي يستطيع بلوغها، يملان-كما اعتاد الرواقيون أن يقولوا-أن يكون حراً في كل الظروف في كل حالة تقريباً. أن أكبر هبة يمكن أن تمنحنا إياها المعرفة هي أن نرى أنفسنا كما يرانا العقل. وعلى هذا الأساس من المذهب الطبيعي يصل سبينوزا إلى بعض نتائج أخلاقية، مثل تلك التي وصل إليها المسيح، بشكل يدعو إلى الدهشة:


أن الذي يعرف بحق أن كل الأشياء تنشأ من ضرورة الطبيعة الإلهية، وتسير وفق قوانين أزلية طبيعية منتظمة، لن يجد إطلاقاً شيئاً جديراً بالكراهية، أو السخرية أو الازدراء، كما أنه لن يرثى لأحد، ولكنه، بقدر ما تسمح الفضيلة ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nore.rigala.net
 
فلاسفة عصر التنوير ... سبينوزا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فلاسفة عصر التنوير ... مونتيسكيو
» فلاسفة عصر التنوير ... فولتير
» فلاسفة عصر التنوير ... فرانسيس بيكون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع نهضة الامام الحسين (ع) بنظرة عصرية للشيخ عبدالامير البديري :: المنتدى الاول :: قسم الموضوعات العامة-
انتقل الى: