الدعوة الى الهجرة المعاكسة
( زبالة الصين )
المقدّمة:
يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون.سورة الصف آية 2.
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.
سورة البقرة آية 44
من غشنا ليس منّا. حديث نبوي شريف
و قد ورد عن الامام الصادق (ع) يقول:
التاجر فاجر ان لم يتفقّه بالدين.
والدين المعاملة كما جاء في الحديث الشريف ايضاً.
واول ما يرد في المعاملات الفقهية في الرسائل العملية لعلماء المسلمين هو كتاب المكاسب.
ومن الطبيعي أن يحرص الشرع على أن تكون المكاسب متأتّية عن الطريق الحلال بعيداً عن كل ما هو حرام من غش و تزوير و بضائع تالفة أو فاسدة.
ولا تقتصر حرمة الغش و التزييف و التزوير على المسلمين دون غيرهم, فهذه الوصية الثامنة من الوصايا العشرة تقول: "لا تسرق"وهي وصية ضد أخذ أي شيء من أي أحد بدون معرفته.
اما الوصية التاسعة فتقول:
"لا تشهد علي قريبك شهادة زور"والتزوير الحاصل للبضائع هو الزور بعينه.
وقد ورد في الكتاب المقدس ايضاً:
"لا تفتر الكذب على أخيك، ولا تختلقه على صديقك"(سفر يشوع بن سيراخ 7: 13) , فأي افتراء و اختلاق هو اكبر من اختلاق الغش في البضاعة المزيفة, وكذلك:
"زِينَةُ الإِنْسَانِ مَعْرُوفَهُ، وَالْفَقِيرُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذُوبِ" (سفر الأمثال 19: 22)
ولا يتوقف النهي عن التزوير و غش البضاعة عند الاديان, بل تنص كل قوانين الارض على حرمة الغش و التزوير و تعاقب عليها.
و لربّما يستغل الغشّاشون و المزوّرون فقرة تقول ان القانون لا يحمي المغفّلين, فاقول : بل ان القانون فيه تشريعات تحمي المستهلك و كذلك يحمي القانون المنتج المحلّي ( الحماية الصناعيّة من الغش و من منافسة البضائع الاجنبيّة المكافئة لها ) ويعاقب كلّ من يغش و يتحايل على المستهلك و على من ينتج او يستورد بضاعة غير موافقة للمعايير و المواصفات الدولية.
صلب الموضوع:
أبدأ مكرّراً القول أن الصين ليست هي المسؤولة بتصدير بضاعتها الرديئة الينا حالها حال دول جوارنا : الاردن, سوريا, تركيا, ايران, السعودية, الكويت, فهم جميعاً مشتركون في تصدير هذه الزبالة الينا.
أمّا الصين, و ماأدراك ما الصين:
فلقد عرفنا الصين منذ القدم كمصدّر للحرير يمر حريرها عبر اراضينا فيمن يمر عبرهم من دول الممر.
فالصين اليوم تنتج الجيد من المنتجات العالية الكفائة الى جانب انتاجهم من البضائع الرديئة, ولكن (زبّالينا) ضعاف النفوس منا من يذهب ليشحن منهم (زبالتهم) بضاعتهم الرديئة دون الجيدة الى العراق.
نعم هناك ميزة تمتاز الصين فيها على بقية البلدان الاوربية الصناعية هي أن بلدان اوربا لا تسمح بصناعة اي منتج يخالف المواصفات و القياسات الموافقة لشروط السلامة و الصالحة لاستعمال المستهلك بحيث يكون المستهلك محمياً في اوربا من الغش و التلاعب اذ يمنع استعمال اي بضاعة لا تحمل رسم صلاحية تداولها داخل اوربا و المختومة برمزEC الحرفين الانكليزيين ( أي سي ) و تعنيEuropean conformity مطابقة للمواصفات الاوربية, وما عدى ذلك فلا يسمح لا بصناعتها و لا بادخالها الى اوربا.
اما الصين فهي تغرد خارج هذا السرب ( من مراقبة الجودة ) ولا يوجد اي حضر قانوني على منتوجاتها حتى وان كانت رديئة او مخالفة للشروط و المواصفات الاوربية, ( فهي تنتج الرديئ مثل ما تنتج الجيد ) فالقانون الصناعي الصيني لا قيود لديه ضد الغش و التزوير و تقليد الماركات و العلامات التجارية المشهورة و المسجلة دولياً, وهذا ما يجعل ضعاف النفوس منا يسيل لعابهم في الصين لما يجدون فيها من طرق مفتوحة و سبل ميسرة لتجارتهم الحرام.
عزيزي القارئ الكريم:
ٍمن يريد ان يخدم نفسه ربحياً و بنفس الوقت يخدم اهله وناسه فالطريق الحلال متوفرة, واضرب لك مثلاً لذلك :
توجد عندنا في اوربا مراكز تسويق للصادرات الصينية بضاعتـها مكفولة (guarantied) و قد ذهبت لاحداها قبل خمسة سنوات فاخبرنا المورّد للبضاعة و كانت عدد يدوية بانه له مركز مشيّد عليه مخازنه في الصين يجمع فيه بضاعته هناك ثم يصدرها الى اوربا ليعيد تصديرها الى كافة انحاء العالم عن طريق ما
يسمى بال second shipment فهو يشرف على انتقاء البضاعة بنفسه فيضع عليها ماركتة المكفولة ليصدرها لزبائنه …..اما في بولونيا فاخذتني مديرة تسويق لشركة اتعامل معها الى زميل لها يعمل في شركة اخرى تصدر ايضاً منتوجات صينية تتمركز في نفس القرية التي تتواجد فيها شركتنا
( انظر ان المصانع تتواجد في القرى و الارياف و لا ينحصر وجودها في المدن الكبرى المكتضة بالسكان).
فاخبرني مالك هذه الشركة البولونية التي ذهبنا اليها بانه لديه ارض واسعة في الصين اقام عليها منشئته للتجميع, فهو يجمّع اجزاء الآلات من عدّة معامل ليعمل منها اجهزته الكهربائية -power tools - و يصدرها من الصين الى زبائنه المنتشرين في انحاء العال.كان هذا توضيحاً بان الصين توجد بها بضاعة من الدرجة الاولى التي تحتاجها حتى الدول الاوربية الصناعية التي تشترط الجودة و الكفائة و لكن سيئي الاخلاق و معدومي الضمير من تجار آخر زمننا هم من يجلبون الرديئ دون الصالح منها طمعاً بالربح الحرام.
نماذج و امثلة للبضاعة المغشوشة:
كنت عند صديق قديم لي بائع للعدد اليدوية في شارع الرشيد و كان يقوم بفتح علب بضاعته ليعرضها في رفوفه واذا به تسقط منه مطرقة على الارض فاذا هي ينفصم رأسها و يتدحرج على الارض, و عند تفحصي لها وجدت ان حديدها من نوع الصبابة ( الآهين ) cast iron و هذا ما كان يصنعه السباكون ( التكمجية ) عندنا في العراق, فقلت له يا ابو حسين ان ( الجاكوج ) المطرقة تكسّر الاشياء , بينما هي الآن انكسرت بمجرد سقوطها, فاجابني ماذا نعمل اذا كان تجار آخر زمننا يذهبون الى الصين ليأتوا بهذه البضاعة المغشوشة و لا رادع لهم؟.
مثل ثاني : احتجت الى بطاريات قلم, فحصل عدة مرات ان اشتريتها, وكل مرة اكتشف انها ضعيفة ولا تشتغل الا لمدة قصيرة و تنفذ بسرعة, ولم اجد غير هذه البضاعة الصينية الرديئة في اسواقنا حينها.
مثل ثالث: يتوفر في اسواقنا اصباغ بخاخة ( spray ) مكتوب عليها انها تحتوي على 300 مللتر , و لكن الحقيقة هي لا تحتوي اكثر من 150 مللتر , وحتى هذه النصف كميّة لا تخرج من العلبة في عملية رشّها لوجود هواء قليل معبّئ فيها فيكون ما يستفاده الزبون منها لا يتعدى المئة مللتر لا اكثر وهذا يعني انه خسر ثلثي البضاعة.
مثل رابع: من خلال مباحثتي مع شركات هولندية و بولونية تبيّن لي ان فلترات تصفية الماء تحتاج الى مسامات تقل عن نصف الميكرون على أقل تقدير حسب المقاييس الاوربية, ولذلك تصنّع هذه الشركات مرشحات تصل لحد اثنان بالمائة من الميكرون, اما زبالونا فيجلبون من الصين ما هو دون تلك الكفائة, بل حتى وصل بهم أن يكتبوا على أغلفتها عبارة made in U.S.A صنع في الولايات المتحدة الامريكية, ( حقّاً انه من امن العقاب اساء الادب ), بل اساء الى الناس.
و ما اريد أن اخلص اليه ان غالبية الاشياء في العراق من منشأ صيني رديئ.
فالعراق برمته سوق كبير للبضائع الصينية الريئة, حتى سواد الحزن على الحسين (ع) صيني المنشأ, العصابات التي يلفّها اللطّامة و المعزّين في المواكب الحسينية على جباههم و التي كتب عليها يا حسين الشهيد هي صينية الصنع, الاعلام السوداء و اللافتات الحسينية السوداء صينية, بل حتى المهافيف التي يروّح بها الناس على وجوههم لجلب الهواء أصبحت صينية و نافست الصين حتّى فلاحاتنا العراقيات اللائي يخصفن المكانس و المهافيف من خوص السعف.
بل حتى انهم البسوا اهل البيت ( ع ) الملابس الصينية ولي مثل على ذلك أنه في شارع باب السدرة في كربلاء يوجد مقام سقوط عبد الله الاصغر ( الطفل الرضيع), يوجد في حائط هذا المقام قبالة وقوف الزائر فانيلة مدمّاة معلقة ( كرمز لدم الشهادة) مددت يدي لاتفحصها واذا ماركتها كتب عليها ( made in china ) صنع في الصين .
و لاورد مثلاً آخيراً يدمي القلب حين اتصل بي صديق قديم قائلاً بان له زميل يعمل لصالح الحكومة العراقية الجديدة و يريد ان ينخاك في توريد امور مهمة للعراق فهل اعطيه تلفونك و عناوينك, فرحبت بالفكرة, وبعد ذلك اتصل بي الرجل و اخبرني انه يريد ان اربطه بشركة صينية تصدر للعراق ثلاثمائة مليون كيس مايلون زراعي مشبّك لغرض تعبئة الحاصلات الزراعية فيه من بطاطا و بصل و ما الى ذلك, فقلت له على الرحب و السعة ولكن لماذا من الصين دون غيرها فاجابني لان رخصة الاستيراد صادرة لجهة الصين.
الحقيقة تعجبت لان قبل ثلاث سنوات لم يكن عندنا هكذا انتاج زراعي يستوجب كل هذه الكمية من الاكياس اولاً و لان الرخصة تحدد جهة التوريد ( الصين ) و لم تحدد السعر, بعدها علمت انه يشترط علي أن اعطيه عمولة ستة سنتات للكيس الواحد و لا اهمية للسعر, بل الاهمية لديه أن يحصل على العمولة التي قال انه بذل جهوداً لاستحصال هذه الموافقة و حتماَ هو ليس لوحده بل هناك الكثيرين المشتركين معه في العملية, ثم اخبرني ان لديه طلب توريد للحليب المجفف و غيرها من المتطلبات.
حقاً والله أن كثيرين من حاميهه هم حراميهه.
يا الهي اما يكفينا اننا محتلون من قبل اميركا , واذا بنا نحتل من قبل محتل اقصادي ثان , الا وهو الصين ببضاعتها الرديئة, وبواسطة ضعاف النفوس من تجار آخر زمننا بغياب الرقابة الحكومية على البضائع الواردة.
عزيزي القارئ الكريم:
قد تتسائل بأن موضوع بضاعة الصين المزيفة لا علاقة لها باصل موضوع الدعوة الى الهجرة المعاكسة ( من الريف الى المدينة ), وانا أقول أن علاقتها تتمثل في ما اذا اعتمدنا الصين كنموذج نستمد منه الخبرة و نطلب مساعدته في تخطيط مدننا الريفية و نستعين بادواته و آلاته و خططه فيتحتم علينا ان نحذر من الفكرة التي اخذتها الصين عنا كطالبي زبالتها اولاً,
و من ضعاف النفوس الذين سينتهزون اعمار الريف ليتاجروا بمشاريع الاعمار هذه عن طريق نفس نهج الزبالين ثانياً.
و لاجل ان لا اطيل عليك عزيزي القاري, ففي بعض الاطالة ملل, لذلك اتركك في رعاية الله على أمل ان اكتب في الحلقة القادمة عن مدينتي اي يو ( أييو ) و كوانزو الصينيّتين و ما يحمله تجار آخر زماننا منها من بضاعة مغشوشة, لاسترسل بعدها ما ارومه من توضيح لما لدي الصين من تقدم علمي و تكنولوجي لاعمار القرى و الارياف وصلت اليه عبر سنوات طويلة من بحوث و تجارب و خبرات صناعية زراعية لا يستغنى عنها.
فالى اللقاء و دمتم لاخيكم : بهلول الكظماوي
امستردام ف 31-7-2011
e-mail:
bhlool2@hotmail.comهذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
bhlool2@gmail.comهذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.